لقاء الشعر... والتشكيل

شعار الندوة
شعار الندوة
TT

لقاء الشعر... والتشكيل

شعار الندوة
شعار الندوة

تنظم دار الشعر في تطوان، الاثنين، بشراكة مع المعهد الوطني للفنون الجميلة، الدورة الثانية من «ملتقى الشعر والتشكيل»، بمشاركة الشعراء والفنانين ونقاد الفن التشكيلي شفيق الزكاري وعزيز أزغاي وبوجمعة العوفي وعز الدين بوركة وحسن الشاعر وفاطمة الزهراء الصغير وأحمد مجيدو.
وتقول ورقة تقديمية لهذا الملتقى، الذي يحمل في دورة هذه السنة اسم المكي مغارة، أحد رواد الفن التشكيلي في المغرب، ويشهد تقديم عرض أدائي بين المشاركين، والشعر والتشكيل، إنه يبقى «من الصعب الحديث عن العلاقة بين الشعر والتشكيل، لأنه من الصعب أكثر الحديث عن الفرق بينهما؛ إذ لم ينفصل الشعر عن التشكيل يوماً، وقد تواصلا دوماً، عبر الثقافات والحضارات»، من منطلق أنه «لقاء بين المرئي والشعري، والقول والشكل، والأداء والإلقاء، والدال ومعناه»، استناداً إلى مقولة: «كما يكون الرسم يكون الشعر» التي أبدعها البلاغي الروماني هوراس، ورددها من بعده الفلاسفة والشعراء والفنانون، فإننا كما تضيف الورقة «لا ندري كيف وصلت العبارة إلى ابن سينا، حين يؤكد أن (الشاعر إنما يجري مجرى المصور)، كما نعثر على نظائر لهذه المقولة في كتاب ضخم لعبقري الفن التشكيلي في عصر النهضة ليوناردو دافينشي طبعاً، لما أوضح أن الشاعر إنما يبقى بمنزلة المصور، وحين أقام مفارقات ومفاضلات ومقارنات شتى بين الشاعر والتشكيلي، في تنظيره المرجعي عن الشعر والتصوير»، منطلقاً في ذلك من المقولة المرجعية للفيلسوف اليوناني سيمونيدس اليوسي التي يرى فيها أن «الشعر صورة ناطقة والرسم شعر صامت»، و«كأننا بالشاعر يكتب لوحات وأعمالاً تشكيلية بينما يرسم الفنان التشكيلي أشعاراً وقصائد».
وصلة بقضية تراسل الفنون وتقاطعها، والعلاقات بين الأجناس الأدبية والفنية، تضيف الورقة التقديمية، يبقى لنا أن «نستحضر الوعي المبكر للجاحظ بهذه المسألة، لما أكد أن الشعر ضرب من التصوير»، مع استحضار أن «أولى الشعريات، ألا وهي الشعرية الأرسطية، إنما جمعت بين الشعر والرسم، وهي تبني نظريتها حول فكرة التمثيل ومفهوم المحاكاة». فيما ستنطلق «المدارس والاتجاهات الفنية التي انزاحت عن هذا المفهوم، منذ المنعطف الانطباعي، الذي دشن الخروج عن الخط، ثم مع التكعيبية والسريالية والتجريدية، من رؤية شعرية للممارسة التشكيلية».
وأشارت الورقة التقديمية إلى أنه «منذ تخلق الإنسان في هذه الأرض اكتشف العالم من حوله، وهو يراه وينصت له، فتفاعل معه وَعَبَّرَ عن ذلك بالصوت والصورة». وقد «حدث ذلك منذ الأشعار الأولى لأبناء الخليقة، ومنذ الرسومات التي نحتوها وخلدوها في أصقاع الأرض وجداريات الكهوف، مروراً بحضور سؤال الشعر والتشكيل في المحاورات الأفلاطونية، وحين التأسيس للشعرية الأرسطية، ثم العربية، وصولاً إلى اجتماع الشعر والتشكيل في تجارب المؤسسين لعلم الجمال منذ منتصف القرن الثامن عشر بألمانيا، وصولاً إلى اللقاءات التي جمعت بين الشعراء والفنانين في التأسيس لمدارس التشكيل الغربية، من تعبيرية وتجريدية وسريالية، وكذا الجماعات الشعرية والفنية التي لاقت بين هؤلاء وهؤلاء، ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ثم انتهاء بمقترحات الفن المعاصر، وخاصة تجارب فنون الأداء التي جمعت بين جمالية الإلقاء الشعري وتعبيرات الفن الجسدي والحركي والحدثي والتفاعلي».



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.