بين نكهات لا يُنافس طابعها الكلاسيكي سوى مذاقات حديثة، ومكونات جديدة تبحث عن مزيد من البهجة، يشهد فن نحت المجسمات ثلاثية الأبعاد على «الكيك» و«التورتة» تطوراً لافتاً في مصر، مما جعله تخصصاً فنياً يجمع بين أصول صناعة الحلوى بتقاليدها الراسخة، واستحداث أشكال جديدة فتحت الباب للتجديد وجذب الزبائن باستخدام منحوتات بعضها يتعرض لقضايا إنسانية واجتماعية؛ جانب من هذه المنحوتات جاء تضامناً مع الفلسطينيين.
وقد لاقت المنحوتات التي تُعبر عن القضية الفلسطينية رواجاً كبيراً في مصر أخيراً، بمجسمات متنوعة، أبرزها خريطة وعلم فلسطين، و«الكوفية» الشهيرة، وجميعها نحتت بالأبعاد الثلاثية، ضمن رؤية فنية حولت الحلوى إلى أفكار وكلمات.
الشيف دينا الهواري صنعت «تورتة» عبارة عن مجسم يصور طفلاً فلسطينياً يرتدي الكوفية وقميصاً بألوان علم بلده، وتظهر في المنحوتة تفاصيل فنية كثيرة للتعبير عن معاناة الطفل. تقول دينا الهواري لـ«الشرق الأوسط» إن «النحت على التورتة والكيك يحتاج إلى نوعين من الموهبة: الأول لصناعة الحلوى نفسها بمذاقها الجذاب، والتجديد في النكهات باستحداث مُركبات جديدة؛ والثاني نحت الأشكال والمجسمات، وهو فن أصعب من النحت على الأشكال الصلبة، حيث تكون مكونات الحلوى هشة، ويمكنها أن تنهار خلال نحت الشكل، لذلك نستخدم عجينة السكر في تقوية وتماسك الخليط، ويُعد نحت ملامح الوجه هو الأكثر صعوبة، ويحتاج إلى مهارة وتركيز».
وتضيف الهواري: «نصنع مُجسمات لشخصيات شهيرة، منها نجم الكرة المصري محمد صلاح، والنجم الأرجنتيني الشهير ليونيل ميسي، ونجم الأغنية الريفية العالمي بوب مارلي، وكثير من الشخصيات الشهيرة في مجالات مختلفة».
وتفاعلت متاجر الحلوى مع التطور الذي يشهده فن نحت المجسمات ثلاثية الأبعاد، والأفكار التي تلقى رواجاً لدى الزبائن، وقام متجر لاكازا دو كارميلو، بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، بصناعة «تورتة» كبيرة الحجم مُزينة بعلم فلسطين، مكتوب عليها لافتة على شكل خريطة فلسطين تحمل عبارة «عذراً، ليست للبيع»، ورسم لقفل مغلق إلى جانب الخريطة. واللافتة بحسب تفاعل الزبائن تحمل دلالات سياسية، إذ إن كثيراً من الجمهور دخل المتجر لشراء التورتة، لكن المدير أخبرهم بأنها ليست للبيع. أحمد فتحي، مدير متجر حلويات «لاكازا دو كارميلو» بمدينة بني سويف، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الزبائن طلبوا شراء التورتة، فأخبرتهم بأنه يمكننا صناعة أخرى مثيلة لها. وقد كان التفاعل كبيراً، وأقدم كثيرون على طلبها، فقمنا بإعداد قطعاً أخرى بحسب رغبة الرواد، وحققت صورة التورتة واللافتة المرفقة بها تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الجميع يسألون: فهمنا أن الأرض ليست للبيع، لكن هل يمكننا شراء التورتة؟».
وتعد «الكيك» و«التورتة» أشهر أنواع الحلوى التي ارتبطت بالمناسبات الاجتماعية، مثل أعياد الميلاد وحفلات الزواج. وعلى الرغم من أن مكوناتها الأساسية بسيطة، حيث تُصنع من الدقيق والسكر والبيض، مع بعض الإضافات الأخرى، مثل الزبدة والكريمة والشوكولاتة والفانيليا، فإنها شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، عبر استحداث نكهات مختلفة، وإضافة الفواكه والمكسرات، وألوان طبيعية يتم تحديدها باستخدام عجينة السكر التي تحافظ أيضاً على تماسك المكونات خلال نحت المجسمات.
ويمر تشكيل ونحت المجسمات على «الكعك» بمراحل كثيرة، تبدأ بإعداد الخلطة الرئيسية وتسويتها في الفرن، ثم مرحلة نحت الشكل الأساسي الذي يستكمل عقب إضافة الحشوة والطبقة الخارجية من الشوكولاتة أو مكونات الفاكهة الطازجة، حيث توضع عجينة السكر لتساعد في تماسك الشكل خلال المرحلة النهائية من نحت المجسمات.
وتقول دينا دياب، وهي شيف متخصص في النحت، لـ«الشرق الأوسط» إن «النحت على الحلوى أصبح قصصاً مصورة تُعبر عن قضايا وأفكار فنية متنوعة، تتجاوز مرحلة الأشكال التقليدية إلى رؤى فنية تفتح المجال لمزيد من التطوير»، مشيرة إلى أن الابتكار لا يتوقف على الشكل، بل يطول المكونات والنكهات التي يتم استحداثها يومياً، وترتبط طريقة تسوية الكيك في الفرن بالمجسم الذي سيتم نحته.
ونوهت بأن «المنحوتات كبيرة الحجم يجب أن يكون النضج جيداً، ونستخدم عجينة تسمى (جمبيست) في نحت وتشكيل النقاط والمواضع البارزة، فهي عجينة لا تحتوي على السكر، وتجف بسرعة، مما يساعد في ثبات الشكل».
وإلى جانب منحوتات الحيوانات والطيور والأشكال التجريدية، اتخذ نحت «الكعك» منحى آخر، عبر صناعة أشكال هي صورة طبق الأصل من أصناف طعام أخرى، مثل أطباق السي فود، حيث تكون «التورتة» على شكل مجسم كامل بالحجم الطبيعي للجمبري أو الاستاكوزا أو قطع السوشي، وأخرى على شكل رنجة أو بصل. ومن أبرز الأشكال التي صنعتها دياب تورتة على شكل تنين بحجم كبير وألوان طبيعية، ونموذج لفتاة من بنغلاديش بملابس العرس وكامل زينتها، وهي محاطة بإطار لوحة تحاول الخروج منها.
«كيك» و«تورتة» ثلاثية الأبعاد تضامناً مع فلسطين
«الكوفية» والخريطة والعلم من سكر
«كيك» و«تورتة» ثلاثية الأبعاد تضامناً مع فلسطين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة