محكمة الحريري أمام خطر «الإفلاس المالي»

بسبب الأزمة الاقتصادية عالمياً ولبنانياً وتأخر الدول المانحة

مبنى المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي (غيتي)
مبنى المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي (غيتي)
TT

محكمة الحريري أمام خطر «الإفلاس المالي»

مبنى المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي (غيتي)
مبنى المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي (غيتي)

بات الإقفال خياراً مطروحاً يهدد «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، بعد ارتفاع حدة الضائقة المالية التي تواجهها، والعجز عن تأمين الأموال اللازمة لضمان استمرار عملها.
وتعود أسباب أزمة المحكمة التي أنشئت للنظر في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، والقضايا المرتبطة به، إلى عوامل عدة؛ أبرزها الأزمة المالية التي تضرب لبنان منذ عام 2019، والتراجع الناتج عن أزمة «كورونا»، يضاف إليها أخيراً تلكؤ الدول المانحة عن تقديم الأموال اللازمة. وعملت المحكمة أخيراً على تخفيض موازنتها بنسبة 37 في المائة عبر إلغاء وظائف، وترشيد الإنفاق، لكن هذا لم يساعد، بعد أن تأخرت المساهمات المفترضة من الدول المانحة، ما جعل الأمم المتحدة تؤمن قرضاً بقيمة 15 مليون دولار يتم تسديدها بعد وصول الأموال التي وافقت عليها الدول المانحة مسبقاً، غير أن المبلغ يبقى غير كافٍ ما يحتم تأمين الأموال، أو اتخاذ «قرارات صعبة» قد يكون أحدها الإقفال، وفق ما تؤكد مصادر متابعة للملف لـ«الشرق الأوسط».
وتعترف الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان، بأن المحكمة في «وضع مقلق» مالياً، لكنها ترفض الخوض في البدائل المطروحة، مشيرة في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن المحكمة قامت بتدابير وإجراءات لمواجهة الأزمة المالية، لكنها تبقى غير كافية.
وباتت المحكمة حالياً في المرحلة النهائية من ملف اغتيال الحريري، أي في مرحلة الاستئناف، كما أنها على أبواب انطلاق المحاكمات في القضايا المرتبطة بقضية الحريري، وهي اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي ومحاولتي اغتيال وزير الدفاع السابق إلياس المر والنائب (المستقيل) مروان حمادة، غير أن هاتين الخطوتين غير مضمونتين كما تؤكد رمضان، حيث إنهما ترتبطان بتأمين التمويل.
وأعلنت رمضان في تصريحات لوكالة الأنباء المركزية اللبنانية الخاصة، أن الوضع المالي للمحكمة صعب ومقلق، معلنة أن المسؤولين فيها يبذلون جهودهم لاستكمال عملها وتأمين الأموال لتغطية مصاريف موازنة عام 2021.
وتحدثت رمضان عن السيناريوهات المتوقعة في حال تخلف لبنان عن الالتزام بموجباته تجاه المحكمة وعن تسديد حصته من تمويلها، واصفة وضع المحكمة المالي راهناً بـ«الصعب جداً والمقلق للغاية». وأوضحت: «كما هو معروف المحكمة تعتمد على تمويل موازنة من خلال مساهمات طوعية لدول مانحة بنسبة 51 في المائة، وبقية المبلغ أي 49 في المائة تغطيها الدولة اللبنانية بحكم أن لبنان ملزم بتسديد هذا المبلغ للمحكمة على اعتبار أنه البلد المعني»، مشيرة إلى أنه في عام 2021 كانت الموازنة تقريباً أكثر بقليل من 34 مليون يورو. وفي وقت أفادت المعلومات بأن فرحان حق الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أعلن أن أنطونيو غوتيريش وجه نداء للدول بالاستمرار في مساهمتها المالية للمحكمة الدولية لاستكمال عملها، قالت رمضان «إن المحكمة الدولية ممتنة للأمم المتحدة على القرض الذي تلقته من قبلها بقيمة 15 مليون دولار، ولكن هذا المبلغ أقل من المطلوب في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، كما أن المحكمة التي لم تتلق مساهمات كافية لتغطية مصاريف الموازنة للعام 2021، لذلك هي تواجه منذ أكثر من سنة تحديات مالية كبيرة على الصعيد الدولي في ظل وباء «كوفيد - 19»، والوضع المقلق في لبنان، وكل هذه الأمور أثرت على الوضع المالي للمحكمة، ولكن كبار المسؤولين في المحكمة يبذلون جهودهم لتأمين الأموال لتغطية مصاريف هذه السنة.
وفي رد على سؤال عما إذا كانت المحكمة ستستمر بمحاكمة القيادي في «حزب الله» سليم عياش، في الموعد المحدد في 16 يونيو (حزيران) المقبل بعد إدانته باغتيال الحريري و21 شخصاً آخرين وعمليات اغتيال أخرى بين عامي 2004 و2005، تجيب رمضان: «يجب النظر من منظار تحقيق العدالة، حيث إن في لبنان وفي دول عدة تتبع القانون المدني تكون كل المحاكمات الغيابية كاحتمال أخير في هذا الشأن. وأن إصدار المحكمة الخاصة بلبنان حكماً وعقوبة في حق سليم عياش المدان في القضية الأكثر تعقيداً تنظر فيها أي محكمة على الصعيد الدولي هو بحد ذاته إنجاز على مستويات عدة، لأن الحكم أكد أن الجريمة التي نظرت فيها المحكمة كانت عملاً إرهابياً، وارتكب في زمن السلم بقصد تهديد الأمن والاستقرار في لبنان من خلال اغتيال الرئيس الحريري، وبالتالي أن قضاة المحكمة ثبتوا وقائع مهمة بالنسبة إلى اعتداء 14 فبراير (شباط) 2005 (اغتيال الحريري) ورأوا أنه خطط له ونفذ بدقة وهدفه زعزعة الاستقرار». وفي الإطار نفسه، توضح رمضان: «إضافة إلى ذلك، فإن العقوبة التي حددت في قضية عياش وآخرين أتاحت أموراً عدة، هي الإعراب عن موقف استنكار وعدم التسامح للجرائم التي ارتكبها عياش والإقرار بما لحق بالمتضررين والضحايا من أذى ومعاناة، إضافة إلى أن العقوبة بحد ذاتها هي إجراءات قضائية لتحقيق العدالة وتوجيه رسالة ردع واضحة لكل من يفكر بارتكاب جرائم مماثلة في المستقبل»، من هنا تؤكد «أن تكون هناك آلية محاسبة أفضل من ألا تكون هناك أي آلية أخرى، وبالتالي مهمة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لها تحديات كبيرة، وهي تلعب دوراً كبيراً لتحقيق العدالة للمتضررين ولضحايا الإرهاب ليس فقط في لبنان إنما على المستوى الدولي».
وعن مصير القضايا المطروحة أمام المحكمة الدولية فيما لو توقف تمويلها؟ تقول رمضان «أمام المحكمة قضيتان الأولى قضية عياش وآخرين التي تتعلق باعتداء 14 فبراير 2005، والتي هي راهناً في مرحلة الاستئناف، والقضية الثانية تتعلق بثلاثة اعتداءات ضد جورج حاوي والنائب مروان حمادة والوزير السابق إلياس المر، وهي تقريباً في مرحلة الانتهاء من المرحلة التمهيدية، والتي هي قبل المحاكمة وكان قاضي الإجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسن، حدد موعداً مؤقتاً لبدء المحاكمة في 16 يونيو 2021»، لافتة إلى أن المسؤولين في المحكمة يكثفون جهودهم لاستكمال عملها.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.