عائلات سورية وفلسطينية تجد مأوى في كنيس مهجور بجنوب لبنان

المكان استقبل سابقًا جنودًا إسرائيليين والمخابرات السورية

المعبد اليهودي الذي لم يتبق من ملامحه ما يؤكد هويته (إ.ف.ب)
المعبد اليهودي الذي لم يتبق من ملامحه ما يؤكد هويته (إ.ف.ب)
TT

عائلات سورية وفلسطينية تجد مأوى في كنيس مهجور بجنوب لبنان

المعبد اليهودي الذي لم يتبق من ملامحه ما يؤكد هويته (إ.ف.ب)
المعبد اليهودي الذي لم يتبق من ملامحه ما يؤكد هويته (إ.ف.ب)

في أحد شوارع مدينة صيدا القديمة جنوب لبنان، وجدت عائلات سورية وفلسطينية معدمة ملجأ لها في كنيس مهجور لم يبق فيه كثير من الرموز الدينية وبهت طلاؤه الأزرق والرسوم التي كانت تزين جدرانه.
لكن لا يزال في الإمكان رؤية نجمة داود السداسية المصنوعة من الحديد في القناطر التي تلامس السقف، مع بعض الرسوم بالأحمر والذهبي على الجدران التي كانت تحيط بالمنبر الذي كانت تقرأ عليه التوراة في يوم غابر.
يقع هذا المعبد اليهودي في ما لا يزال يعرف إلى اليوم بـ«حارة اليهود» في صيدا، حيث يعود وجود الطائفة اليهودية إلى العهد الروماني، كما يشير تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويقيم جهاد المحمد مع أولاده الستة وزوجته ووالدته في الكنيس منذ أن غادروا سوريا قبل 25 سنة.
يقول الرجل البالغ من العمر 49 عاما: «في عام 1990 كان المكان مهجورا وتنتشر فيه الجرذان. نظفته، واستقريت فيه».
بني الكنيس عام 1850، وملكيته لا تزال رسميا تعود للطائفة اليهودية. ومنذ 1982، تاريخ مغادرة آل ليفي، آخر عائلة يهودية من صيدا، استقبل المكان الكثير من «الزوار»، منهم جنود إسرائيليون خلال اجتياح جنوب لبنان، قبل أن يستقر فيه لفترة عناصر من المخابرات السورية.
واليوم، تتقاسم المكان 5 عائلات فلسطينية وسورية.
ويقول: «إنه مكان للصلاة، لكن بالنسبة لي، إنه بيت مثل أي بيت آخر. أنا لست محتلا».
ويضم الكنيس مطبخا، وحماما صغيرا، وغرفتي نوم، وقاعة جلوس وضع فيها جهاز تلفزيون. وبدل الشمعدان ذي الفروع السبعة، علقت لمبات إنارة في السقف. وعلى بعض الجدران، تم طلاء كتابات بالعبرية مأخوذة من سفر التكوين ومن ألواح الوصايا، باللون الأحمر.
على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت به، لم يدخل الكنيس حيز النسيان. يقول جهاد وهو يعد القهوة: «استقبل زوارا من كندا وفرنسا والبرازيل يبرزون صورا لأجدادهم (يهود لبنانيون) من صيدا».
في 2012، صلى حاخامان من مجموعة «ناتوري كارتا» المناهضة للصهيونية في الكنيس للمرة الأولى منذ 40 سنة، مما أثار فضول السكان. كما زارا مقام زبولون بن يعقوب في صيدا.
ويقول الخبير في شؤون يهود لبنان والعالم العربي ناجي جرجي زيدان، إن «الكنيس كان يحتوي على 50 مخطوطة من التوراة مكتوبة على ورق الغزال، بعضها يعود إلى العهد اليهودي الروماني في صيدا». وأشار إلى أن الإسرائيليين «أخذوا معهم هذه الوثائق النادرة» لدى انسحابهم.
ويقول جهاد المحمد إنه سيغادر إذا طلب منه ذلك، «لكنني أصبحت متعلقا بهذا المكان».
وفي الجزء الذي كان مخصصا في الماضي للنساء داخل المعبد، تعيش وردة، وهي لاجئة فلسطينية نزح أهلها من أرضهم إبان النكبة في 1948، مع أفراد عائلتها. ويفصلها عن جارها جدار من الإسمنت. وتقول: «كان والداي يعيشان في هذا الحي. أذكر أنني كنت ألعب مع أطفال يهود. وكنت أشاهد اليهوديات يصلين هنا على المقاعد الخشبية». وتحول مكان صلاة النساء إلى «قاعة استقبال» لهذه الفلسطينية الخمسينية. وتتذكر وردة الكيبا «القبعة اليهودية» وأيام السبت التي كانت تقوم خلالها بإضاءة النور لجيرانها الذين لم يكن في إمكانهم القيام بذلك. وتتحدث خصوصا عن الانسجام بين اليهود والطوائف الأخرى في لبنان.. «لم يكن هناك توتر، لكن عند الاجتياح الإسرائيلي (عام 1982)، خاف اليهود وهربوا. لم يبق أحد».
وكان عدد اليهود في لبنان 7 آلاف في 1967، أصبحوا 1800 شخصا عام 1974، ثم 35 في 2006، بحسب زيدان.
في صيدا، كان عددهم يناهز 1100 فرد في 1956، قبل أن يختفوا في 1985. ولا تزال بعض الأبنية في صيدا باسم عائلات يهودية مثل نيغري وحديد وبالانسيانو والخليلي.
ويقول المؤرخ إن اليهود «رحلوا على مراحل إلى إسرائيل والبرازيل وأوروبا وأميركا اللاتينية». لكن وتيرة الهجرة تسارعت بعد حرب 1967. ويضيف زيدان: «في صيدا، كانت العلاقات جيدة جدا مع بقية الطوائف، ولم يحدث توتر حتى 1967، عندما حصل إطلاق نار على المقابر اليهودية انتقاما لخسارة العرب في حرب 1967 مع إسرائيل».
ولا تزال بعض الكنس القديمة في لبنان، أحدها في طرابلس تم تحويله إلى مصبغة، وكنيس «ماغين أبراهام» في بيروت الذي تم ترميمه لكن دون أن يفتح للزوار.
ويرى زيدان أن رحيل اليهود من لبنان، البلد المتعدد الطوائف، «يشبه اقتلاع ذراع من جسم بشري».



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.