هل فاز الكاظمي في ليلة الاستعراضات؟

دبابة للقوات المسلحة العراقية في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
دبابة للقوات المسلحة العراقية في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

هل فاز الكاظمي في ليلة الاستعراضات؟

دبابة للقوات المسلحة العراقية في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)
دبابة للقوات المسلحة العراقية في ساحة التحرير وسط بغداد أمس (إ.ب.أ)

بدأت العاصمة العراقية بغداد صباح أمس (الخميس) تتنفس الصعداء بعد ليلة عاصفة استعرض فيها الجميع الأسلحة والعضلات، عقب اعتقال القيادي البارز في «الحشد الشعبي» قاسم مصلح.
وهذه «المواجهة» هي الثالثة بين رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي والجماعات المسلحة، إلا أنها «الأخطر» ولم يرضخ خلالها الكاظمي للضغوط لإطلاق سراح مصلح أو تسليمه للحشد.
فالحادثة الأولى التي سميت «حادثة البوعثة» حصلت بعد نحو شهرين من تسلم الكاظمي سلطاته مع «كتائب حزب الله». حينها لم تتمكن القوة التي أرسلها الكاظمي، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، من الاحتفاظ بمن تم اعتقالهم بتهمة إطلاق صواريخ على «المنطقة الخضراء» حيث مقر السفارة الأميركية، وأثبتت ظاهرياً التداعيات التي تلتها قوة الفصائل المسلحة التي أرادت استعراض قوتها، في وقت لم يجد الكاظمي من يدعمه من القوى السياسية والبرلمانية التي منحته قبل هذه الحادثة الثقة داخل البرلمان.
مع ذلك، فإن الكاظمي لم يستسلم حيال إمكانية أي مواجهة قادمة يمكن أن تتحقق في ظل شروط أفضل. وبعد نحو سنة من توليه السلطة، اصطدم الكاظمي ثانية مع فصيل مسلح آخر هو «عصائب أهل الحق» عقب اعتقال أحد عناصرها. واتخذت هذه المواجهة، بالنسبة إلى الطرفين، صيغة خلاف حول شروط الاعتقال. فـ«العصائب» التي لديها تمثيل برلماني، قالت إنها لم تعترض على مبدأ اعتقال أحد تابع لها ولكن شريطة أن يتم اتخاذ السياقات القانونية ومن بينها أن ينفذ عملية الاعتقال أمن «الحشد الشعبي»، ثم يأخذ القانون مجراه. تلك المواجهة انتهت طبقاً لحسابات مباراة كرة القدم، بهدف واحد لكلا الفريقين.
قبل مواجهة ليلة أول من أمس (الأربعاء) كان فصيل «سرايا السلام» المسلح استعرض قواته وأسلحته في شوارع بغداد، وقيل في وقتها إنه رد على استعراض عسكري قام به فصيل تابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر وهو «سرايا السلام»، ووصف بأنه مؤيد للكاظمي. استعراض الفصيل المسلح الذي تلا استعراض «سرايا السلام» جوبه برفض حتى من قبل الفصائل، ما يعني في عرف نتائج المواجهة أن الكاظمي سجل هدفاً على خصومه ممن يطلق عليهم مرة «قوى اللادولة» أو «الدولة العميقة» أو «الحكومة الموازية» التي تعلن التزامها بأوامر القائد العام، لكن شريطة أن تكون مشروطة بشأن كيفية التعرض للعناصر التي تنتمي إليها حتى لو كانت قد صدرت بحقها مذكرات قبض مثل حادثة أول من أمس والتي تتعلق بقائد «الحشد» في الأنبار قاسم مصلح الذي اعتقل بناء على مواد في قانون مكافحة الإرهاب وقد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
هذه المرة لم تنجح الضغوط على الكاظمي، سواء عبر الاستعراضات العسكرية أو الوساطات السياسية، لإطلاق سراح المتهم أو على الأقل تسليمه إلى أمن «الحشد». بدا للجميع أن الكاظمي، هذه المرة وبخلاف المرات الماضية، مستعد للمواجهة ما يجعله متفوقاً بعدد النقاط على خصومه فيها. يضاف إلى ذلك، أن العديد من الزعامات والقيادات الشيعية تصرفت هذه المرة، ليس من منطلق الانتصار لفريق على حساب فريق آخر، بل نحو البحث عن مقاربة يتم من خلالها إما حفظ ماء وجه الطرفين أو البحث عن تسوية مناسبة ليس فيها هذه المرة فائز أو خاسر.
لكن بالنسبة إلى الحكومة، فإنه في حال انتهت نتيجة مواجهات من هذا النوع بالتعادل تعد انتصاراً للحكومة ورئيسها بوصفه لا يتمتع بتأييد كتلة برلمانية قوية. ولأن المواجهة في النهاية شيعية - شيعية، حيث الكتل التي تتسيد المشهد شيعية ورئيس الوزراء شيعي وقادة الفصائل شيعة، فإن الحاجة باتت ماسة بالنسبة إليهم لإيجاد مقاربة نحو تسويات لا مواجهات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.