واشنطن «لن تعترف» بنتائج «الانتخابات الزائفة»

فرز أصوات المقترعين في أحد مراكز دمشق أمس (رويترز)
فرز أصوات المقترعين في أحد مراكز دمشق أمس (رويترز)
TT

واشنطن «لن تعترف» بنتائج «الانتخابات الزائفة»

فرز أصوات المقترعين في أحد مراكز دمشق أمس (رويترز)
فرز أصوات المقترعين في أحد مراكز دمشق أمس (رويترز)

أكدت واشنطن أنه لا توجد سياسة جديدة تتبعها في الأزمة السورية، سوى الالتزام بمخرجات قرار الأمم المتحدة 2254، وتطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي.
وفي إحاطة هاتفية خاصة مع مسؤول أميركي رفيع المستوى في وزارة الخارجية، قال إن الولايات المتحدة لا توجد لديها سياسة جديدة في سوريا، بل تأييد بشكل كامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقًا لدستور جديد، تدار تحت إشراف الأمم المتحدة، ويشارك فيها جميع السوريين النازحين داخليًا، واللاجئين في الخارج، «وليست انتخابات معروفة نتائجها سلفاً، يفوز بها رئيس بعثي بنسبة 99 في المائة، أو 99.99 في المائة».
وفي رد على سؤال «الشرق الأوسط» حول مطالب بخفض تنفيذ «قانون قيصر»، أو إلغائه من قبل السياسيين في أميركا، أكد، أن العمل بـ«قيصر» سيتم الأخذ به، «حتى يختار الكونغرس إلغاءه»، بيد أنه عاد وشدد على أن القانون لن يتم تجاهله خصوصاً أنه تم إقراره بعد الموافقة عليه من الأغلبية الساحقة في الكونغرس. وأضاف: «تم تمرير قانون قيصر بأغلبية ساحقة من الكونغرس، لذا فإن الإدارة ستنفذ القانون، إذ يسعى القانون إلى الحد من قدرة بشار وآخرين في الحكومة السورية على الاستفادة من الصراع ومن أي إعادة إعمار تتم بعد النزاع، وسيبقى هذا القانون ما لم يختر الكونغرس إلغاءه. ولكن كما قلت، مع الدعم الساحق من الحزبين لمرور القانون الأصلي، لا يبدو ذلك مرجحًا في أي وقت قريب».
وفيما يخص عدم تعيين مسؤول مختص بالشأن السوري، قال بأنه يتم تعيين مبعوثين «عند الضرورة القصوى»، وفي الحالة السورية فإن «واشنطن لا ترى شريكًا في بشار الأسد، وللأسف، فإن الانتخابات الصورية التي ينظمها اليوم لا تمنحنا أي ثقة أكبر في أنه على استعداد ليكون شريكًا في السلام». واستطرد: «صحيح أنه ليس لدينا مبعوث خاص أو ممثل خاص، ولكن لدينا ممثل خاص بالإنابة وهي أيضًا نائب مساعد وزير الخارجية (...) وفي سوريا لا نرى الأسد شريكاً للسلام، لكننا نعمل على دفع العملية المنصوص عليها في القرار الدولي».
واعتبر المسؤول الأميركي أن منافسي الرئيس بشار الأسد في الانتخابات السورية ليس لديهم أي فرصة للفوز بالرئاسة، إذ أن الانتخابات الرئاسية تعتبر «زائفة»، معللاً ذلك بأن «بشار الأسد رئيس بعثي كلاسيكي»، مضيفاً: «والسؤال الوحيد عندما تكون هناك انتخابات رئاسية لبعثي؛ هو هل سيحصل على 99 في المائة أو 99.9 في المائة؟ لذلك لا أعتقد أن هناك أي انتخابات حقيقية».
وشدد على أن الولايات المتحدة شجبت «ما يسمى بالانتخابات الرئاسية السورية»، إذ أن «الانتخابات ليست حرة ولا نزيهة، ونحن نحث المجتمع الدولي على رفضها»، داعياً إلى عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، الذي يدعي الشرعية دون حماية الشعب السوري، «ودون احترام التزاماته بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ندعو إلى التفكير مليًا في كيفية معاملة الرئيس السوري لشعبه، من الصعب للغاية تخيل تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظام كان شديد القسوة على شعبه، ويجب أن نركز على محاسبة النظام أكثر من إعادة العلاقات الدبلوماسية».
وأكد أن الوفد الأميركي أكد خلال زيارته شرق الفرات «التزامه بالتعاون مع التحالف لهزيمة داعش، واستمرار الاستقرار في شمال شرقي سوريا، وتقديم مساعدات الاستقرار إلى المناطق المحررة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش» وأن الأميركيين «ليسوا هناك لحماية النفط، ليسوا هناك لاستغلال الموارد النفطية. النفط السوري موجود للشعب السوري، ونحن لا نمتلك ولا نتحكم أو ندير أيًا من هذه الموارد، ولا نرغب في ذلك».
وأكد المسؤول بالمقابل، أن الوجود العسكري والدبلوماسي الأميركي في شمال شرقي سوريا، لن يتغير في أي وقت قريب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.