حفلات في «خيم الوطن» بشوارع دمشق... وصور الأسد تغرق الغوطة

«أثرياء الحرب» وقادة الميليشيات تكفلوا بالحملات الدعائية

سوريون يركبون حافلة في طريقهم للاقتراع في دمشق أمس (رويترز)
سوريون يركبون حافلة في طريقهم للاقتراع في دمشق أمس (رويترز)
TT

حفلات في «خيم الوطن» بشوارع دمشق... وصور الأسد تغرق الغوطة

سوريون يركبون حافلة في طريقهم للاقتراع في دمشق أمس (رويترز)
سوريون يركبون حافلة في طريقهم للاقتراع في دمشق أمس (رويترز)

شهدت دمشق وريفها خلال الأيام القليلة الماضية، حملة إعلانية ضخمة لصالح الرئيس بشار الأسد، شارك فيها «أثرياء الحرب» وقادة ميليشيات عبر نشر صور وإعلانات تدعم الرئيس لولاية رابعة تستمر سبع سنوات.
وقالت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة للانتخابات الرئاسية فالعملية تدار من قبل الفرع الداخلي (251) في شعبة المخابرات العامة (إدارة أمن دولة) والتي تولى ضباطها، الاتصال بأثرياء الحرب وقادة ميليشيات من أجل ملء الساحات العامة والطرقات بالصور والشعارات». ولفت الانتباه في وسط دمشق ومحيطها نصب عدد كبير من «خيمة وطن»، التي شهدت احتفالات غنائية وعروضا راقصة وإلقاء خطابات تتضمن «التأييد» للأسد، إضافة إلى ترديد حشود الحاضرين وهم يرفعون صوره هتافات «الولاء».
وبحسب مشاهدات «الشرق الأوسط»، كانت التجمعات الانتخابية التي شهدتها مناطق في دمشق وريفها، ممولة بالكامل من رجال أعمال وتجار ظهروا خلال سنوات الحرب، والذين قام بعضهم بذلك استجابة لطلب الأجهزة الأمنية والعسكرية أو أفرع حزب «البعث» الحاكم. كما قامت غرف التجارة والصناعة بإجبار أعضائها على دفع مبالغ نقدية لدعم حملة المرشح الأسد.
- أثرياء الحرب
وتولى رجل الأعمال خضر علي طاهر الشهير بـ«أبو علي خضر»، الذي ظهر خلال سنوات الحرب، وعبر شركته «إيلا» الترويج للمرشحين للانتخابات الرئاسية خاصة أنه تحصل على احتكار الإعلانات الطرقية في الشوارع بعد صفقة مع «المؤسسة العربية للإعلان» الحكومية. لكن طاهر عمل عبر شركته «إيماتيل» والتي تحصلت قبل شهرين على حق احتكار استيراد الموبايلات على الترويج للرئيس الأسد بشكل كبير على حساب المرشحين الأخيرين.
ويصف كثيرون طاهر بـ«ثري المعابر»، الداخلية ومع دول الجوار، وهو يتحدر من منطقة صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس، ويبلغ من العمر 44 عاماً، ويعتبر من أبرز الأشخاص الذين جمعوا ثروة طائلة من عمليات «الترفيق»، و«الترسيم»، من خلال فرضه إتاوات بملايين الليرات السورية، مستفيداً من دعم السلطات الأمنية والعسكرية له. وحسب صفحات على موقع «فيسبوك»، فإن جميع معابر التهريب من وإلى سوريا، هي برعاية «أبو علي خضر»، الأمر الذي جعله يتربع على عرش أغنى أغنياء سوريا.
كما دخل على خط الترويج للأسد رجل الأعمال سامر فوز الذي ظهر أيضا خلال سنوات الحرب، وجاءت حملته لدعم ترشيح الأسد تحت عنوان «معك الأمان»، والمشتقة من اسم المجموعة الاقتصادية التي يقودها الرجل «مجموعة أمان القابضة».
واللافت أن الأجهزة الأمنية شاركت في حملة الأسد، إذ لاحظت «الشرق الأوسط» في دوار الميسات وجود إعلان ضخم يحمل صورة الأسد ويذيل بأنه من فرع المدينة في الأمن السياسي، كما شوهدت لافتات مذيلة بأسماء أفرع تتبع للأمن العسكري وأمن الدولة.
ويسود حاليا قلق كبير أوساط قادة في الأجهزة الأمنية خوفا على مناصبهم من تنقلات طال تأجيلها ولا بد من حسمها وعلى الأرجح أن تتم عندما يتفرغ الأسد بعد فوزه المحسوم في انتخابات الأمس.
- قادة ميليشيات
في وسط دمشق ومحيطها لفت الانتباه انخراط قيادات ميليشيا «قوات الدفاع الوطني» بشكل كبير في تحشيد كوادرها والأهالي للمشاركة في الاحتفالات التي أقيمت في «خيمة وطن» في العديد من المناطق وتضمنت إلقاء خطابات تتضمن «التأييد».
وتشكلت «الدفاع الوطني» في 2013 بتوجيه من إيران وأطلق عليها البعض حينها «باسيج سوريا»، وذلك عندما أعلنت دمشق عن تشكيل «قوات رديفة» للجيش تتفرغ للمهام القتالية، حيث كانت العاصمة السورية وقتها على وشك السقوط بيد فصائل المعارضة المسلحة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، كشف الجنرال الإيراني حسين حمداني، الذي قتل قرب حلب في 2015، أنه كان يشرف على تدريب «الدفاع الوطني»، في حين أعلن قائد «قوات الباسيج» الإيرانية شبه العسكرية، محمد رضا نغدي، أن إيران دربت 70 ألف مقاتل، شكلت بهم 128 فوجاً، مشيراً إلى أن ميليشيا «الدفاع الوطني» أصبح قوامها 100 ألف مسلح.
ووصل مرتب المسلح في ميليشيا «الدفاع الوطني» عند التأسيس بين 40 - 50 ألف ليرة سورية، والقيادي ما بين 75 - 100 ألف إلى أكثر من 100 ألف ليرة، في حين كان يبلغ مرتب العنصر في الجيش النظامي 25 ألفا.
وأسهمت هذه الميليشيات التي انضم إليها عاطلون عن العمل ومطلوبون ومطرودون من الجيش النظامي بشكل كبير في استعادة دمشق السيطرة على مساحات واسعة من المعارضة، وجمعت قيادتها والكثير من مسلحيها ثروات كبيرة من عمليات «تعفيش» (سرقة) المنازل في المناطق التي كان يتم استعادة السيطرة عليها من المعارضة، وكذلك من الإتاوات التي كانوا وما زالوا يفرضونها على المارة في الحواجز التي يقيمونها.
في أواسط عام 2014 حاول الرئيس الأسد حل ميليشيا «الدفاع الوطني» لمنع لجوء إيران إلى استخدامها لفرض تسوية تهدد نفوذه. وجرى فعلا تفكيك الكثير منها، لكن عملية التفكيك طويت بعد سقوط إدلب ربيع عام 2015، حيث اضطرت دمشق وطهران للاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتعويضاً لإيران عن حل «الدفاع الوطني»، أمر الأسد بتأسيس «الفيلق الرابع اقتحام» بوصفه جزءا من الجيش النظامي، لكن الفيلق لاقى نجاحا ضئيلا وظل هزيلاً.
وخلال عام 2015، بدأت تظهر من أنقاض «الدفاع الوطني»، تشكيلات بعضها مقرب من إيران، وبعضها محسوب على أجهزة الأمن السورية، وأخرى مقربة من الروس.
ومع تدخل روسيا إلى جانب دمشق في سبتمبر (أيلول) 2015، انتعش من جديد مشروع تفكيك «الدفاع الوطني»، مع اعتقاد موسكو أن تصرفات هذه الميليشيات تسيء إلى سمعة الجيش النظامي السوري، وبات مشهد مسلحيها نادرا في وسط العاصمة واقتصر على عدد من الأحياء المحيطة بها.
- أيضا الغوطة الشرقية
ولوحظ حرص دمشق على الترويج للانتخابات في مناطق ريف دمشق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة وجرى تدمير قسم كبير منها خلال الحرب وتهجير المعارضة منها خلال السنوات الماضية.
وجالت «الشرق الأوسط» في مدينة دوما التي كانت تمثل مركز الثقل للمعارضة في غوطة دمشق الشرقية، ولاحظت وجود كثيف لصور الأسد. وبرز اسم النائب في مجلس الشعب والتاجر عامر خيتي، في صور الأسد المنشورة والتي تتضمن عبارات دعم وولاء دوما للأسد. كما أسهم خيتي ورجل أعمال آخر برز خلال الحرب وهو «المنفوش»، في رعاية أحد احتفالات دعم الأسد في دوما.
ولم يختلف المشهد في مناطق عربين وجوبر وسقبا وحمورية وغيرها من قرى وبلدات الغوطة الشرقية عما هو عليه في دوما، بينما نشط في مناطق جنوب دمشق رجل الأعمال الذي يحمل الجنسية الجزائرية خالد الزبيدي في الترويج لحملة الأسد.
وتحدثت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن تكلفة إحدى الولائم في ريف دمشق لدعم الحملة الانتخابية للأسد بلغ أكثر من 30 مليون ليرة سورية (حوالي 10 آلاف دولار).
وبحسب مطلعين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تولى رجل الأعمال محمد حمشو الذي انسحب من الانتخابات البرلمانية التي جرت الصيف الماضي، رعاية حملة المرشحين الآخرين في مواجهة الأسد. وذكرت المصادر أن حمشو تكلف بنفقات استئجار شركة العلاقات العامة التي صممت حملتي محمود مرعي وعبد الله سلوم عبد الله، العضو في المكتب السياسي في «حزب الوحدويين الاشتراكيين». وذكرت مصادر إعلامية أن الشركة المعنية هي «أفكار بلاس»، التي تعود ملكيتها لفارس جدعان أخو زوجة ماهر الأسد.
وبالنسبة للكثيرين من السوريين، كان موسم الانتخابات موسم خير، فقد تحسنت التغذية الكهربائية وانتظم توزيع المشتقات النفطية، وعملت البلديات على تنظيف الأحياء والشوارع، إضافة إلى بعض القرارات التي قدمت منحاً للموظفين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».