الإعصار «ياس» يجتاح شرق الهند... وإجلاء أكثر من 1.2 مليون شخص

منطقة ساحلية غمرتها الفيضانات مع وصول الإعصار «ياس» إلى اليابسة بالقرب من خليج البنغال جنوب كلكتا (إ.ب.أ)
منطقة ساحلية غمرتها الفيضانات مع وصول الإعصار «ياس» إلى اليابسة بالقرب من خليج البنغال جنوب كلكتا (إ.ب.أ)
TT

الإعصار «ياس» يجتاح شرق الهند... وإجلاء أكثر من 1.2 مليون شخص

منطقة ساحلية غمرتها الفيضانات مع وصول الإعصار «ياس» إلى اليابسة بالقرب من خليج البنغال جنوب كلكتا (إ.ب.أ)
منطقة ساحلية غمرتها الفيضانات مع وصول الإعصار «ياس» إلى اليابسة بالقرب من خليج البنغال جنوب كلكتا (إ.ب.أ)

اجتاحت رياح عنيفة وأمطار غزيرة مناطق شرق الهند، اليوم (الأربعاء)، بعد أسبوع على إعصار ضَرَب الساحل، ما أجبر السلطات التي تبذل جهوداً مضنية في مكافحة وباء «كوفيد»، على إجلاء أكثر من 1,2 مليون شخص.
ويقول عدد من الخبراء إن تكرار وكثافة العواصف في المياه شمال المحيط الهندي، يزدادان تحت تأثير الاحتباس الحراري وحرارة المياه.
الأسبوع الماضي أودى الإعصار «تاوكتاي»، وهو أول عاصفة استوائية كبرى تضرب الهند هذا الموسم، بحياة 155 شخصاً على الأقل. والعاصفة الأخيرة التي أُطلق عليها «الإعصار ياس»، أجبرت السلطات على إجلاء أكثر من 1,2 مليون شخص في ولايتي البنغال الغربية وأدويشا الواقعتين شرقاً.
وقالت دائرة الأرصاد الجوية الهندية إن الإعصار «ياس» وصل إلى اليابسة نحو الساعة 9:00 (03:30 ت غ)، وحذرت من ارتفاع الأمواج ما يفوق سطوح منازل في بعض المناطق.
وشهد بعض المناطق الساحلية رياحاً وصلت سرعتها إلى 155 كلم في الساعة، وأمطاراً غزيرة.

وقال أحد سكان منطقة بالاسور الواقعة في مسار الإعصار، ويدعى بيبهو براساد باندا: «نشهد تساقط أمطار غزيرة ورياحاً قوية منذ الليلة الماضية». وأضاف: «عدد من الأشجار اقتُلع. وتسبب الإعصار في انفصال كابلات كهرباء».
وتسبب إعصار سبق العاصفة في مصرع شخصين صعقاً بالكهرباء في إحدى مناطق البنغال الغربية، وفق السلطات.
وأمرت سلطات كالكوتا، كبرى مدن ولاية البنغال الغربية، المطار الدولي بتعليق غالبية الرحلات، اليوم. وحذا مطار «بوبنسوار»، عاصمة أوديشا، حذوه.
وقال كبير الوزراء في حكومة أوديشا، نافين باتنايك: «كل حياة مهمة»، مناشداً الناس عدم «الذعر» والابتعاد عن الساحل.
ونُشر 4800 عامل إنقاذ في الولايتين مجهَّزين بآلات لقطع الأشجار والأسلاك، ومعدات اتصالات في حالات الطوارئ، وزوارق مطاطية ومساعدات طبية، حسبما أكدت «قوة الاستجابة للطوارئ الوطنية».
وتصارع الولايتان موجة من فيروس «كورونا» المستجد أودت بأكثر 120 ألف شخص في الهند في الأسابيع الستة الماضية.

وفيما وُزعت الكمامات في مراكز الإيواء المؤقتة وسط جهود موظفي الإغاثة لتطبيق إجراءات التباعد الجسدي، يخشى عدد من المسؤولين أن يسهم الإعصار الجديد في مفاقمة تفشي الفيروس.
وقالت أودايا ريغمي، رئيسة فرع جنوب آسيا للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر: «هذا الإعصار ينذر بمفاقمة المشكلات لملايين الأشخاص في الهند فيما لم تتراجع أزمة (كوفيد – 19)».
وقال وزير التنمية في حكومة ولاية البنغال الغربية، بانكيم شاندرا هزرا، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «هذا الإعصار يشكّل ضربة رهيبة لعدد من الأشخاص في مناطق ساحلية تضررت عائلاتها بسبب الإصابات والوفيات الناجمة عن (كوفيد – 19)». وأضاف أن الحفاظ على التباعد الجسدي في مراكز الإيواء المؤقتة ينطوي على «تحدٍّ كبير».

وأكد مسؤولون أن بعض مراكز التلقيح في المناطق الساحلية في ولاية البنغال الغربية وفي عاصمتها كالكوتا علّقت عملياتها، وأُقيمت عملية خاصة لضمان إمداد المستشفيات بالأكسجين والأدوية.
وذكر المسؤولون في بنغلاديش المجاورة التي تشهد أعاصير باستمرار، أنهم يتوقعون أن ينجو البلد هذه المرة من الإعصار.
بعض أشد العواصف في تاريخ الهند يتشكل في خليج البنغال وبينها إعصار تسبب عام 1970 في مقتل نصف مليون شخص من سكان المنطقة التي أصبحت بنغلاديش.
والإعصار الأكثر دموية سُجل في أوديشا عام 1999 وأسفر عن عشرة آلاف قتيل.
في مايو (أيار) الماضي، قضى أكثر من 110 أشخاص عندما اجتاح الإعصار أمبان شرق الهند وبنغلاديش في خليج البنغال مدمراً قرى ومزارع وحارماً ملايين الأشخاص من الكهرباء.
وكان عدد القتلى أقل بكثير من آلاف القتلى الذين خلّفتهم أعاصير سابقة بهذا الحجم نتيجة لتحسين توقعات الطقس وخطط الاستجابة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟