رئيسي مرشحاً بلا منازع لرئاسة إيران

أظهرت القائمة النهائية للرئاسة الإيرانية، أن رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، مرشح «دون منازع» بعدما استُبعد أبرز المتقدمين لدخول حلبة الصراع على كرسي رئاسة السلطة التنفيذية الإيرانية، وخلافة الرئيس حسن روحاني في الانتخابات المقررة في 18 يونيو (حزيران)، وأبرزهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وخصمه رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وإسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الحالي.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، رسمياً أمس، مصادقة مجلس «صيانة الدستور» على سبعة مرشحين لخوض السباق الرئاسي، من أصل زهاء 600 سجلوا أسماءهم خلال مهلة الترشيح في وزارة الداخلية، التي انتهت في 15 مايو (أيار)، قبل أن تُرفع إلى مجلس صيانة الدستور الذي تعود إليه صلاحية الإشراف على الانتخابات ومنح المرشحين أهلية المنافسة.
ومجلس صيانة الدستور، هيئة غير منتخبة يسمي نصف أعضائها الـ12 «المرشد» علي خامنئي، ويختار شقه الآخر رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية، بعدما حصل على 38%، في أول مرة عرض نفسه للتصويت العام. وهي المرة الأولى التي يخوض فيها رئيسٌ للسلطة القضائية الذي يسميه «المرشد» الإيراني، الانتخابات بينما يواصل مهامه في منصبه.
وإضافةً إلى رئيس القضاء، وافق «صيانة الدستور» على طلب أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادي في «الحرس الثوري» محسن رضائي، وضمت القائمة، سعيد جليلي مستشار وممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي وأحد الأعضاء البارزين في اللجنة العليا للعلاقات الخارجية التي ترسم الخطوط العريضة لوزارة الخارجية الإيرانية.
وشملت قائمة المرشحين النائب المتشدد علي رضا زاكاني الذي اشتُهر بتسريب معلومات استخباراتية عن كبار المسؤولين في حكومة روحاني، وهو من بين أبرز المنتقدين للاتفاق النووي، إضافة إلى أمير حسين قاضي زاده، نائب رئيس البرلمان الحالي الذي ترددت معلومات عن احتمال انسحابه لصالح رئيسي.
في المقابل، استُبعد رئيس مجلس بلدية طهران محسن هاشمي رفسنجاني، والجنرال سعيد محمد مستشار قائد «الحرس الثوري»، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان بين 2008 و2020، ومحمود أحمدي نجاد الذي تولى الرئاسة بين 2005 و2013، وهي المرة الثانية التي يُرفض طلبه لخوض الانتخابات بعد الانتخابات السابقة في 2017. أما المعسكر الإصلاحي فقد بات أمام خيارين بعد الموافقة على محسن مهر علي زاده نائب الرئيس الأسبق محمد خاتمي في شؤون الرياضة، وكذلك محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي.
ورُفض طلب إسحاق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني، نظراً لارتباط اسم شقيقه مهدي جهانغيري بملفات فساد مالي والاتجار غير المشروع بالعملة، حسب الاتهامات القضائية الموجّهة إليه. كما استُبعد النائب الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي كان نائباً لرئيس البرلمان في دورته السابقة.
- تقارير استخباراتية تُقصي لاريجاني
أثار استبعاد المرشحين البارزين جدلاً في الأوساط السياسية الإيرانية، بدأت ردود الأفعال على إعلان نتائج البتّ بأهلية المرشحين في وقت مبكر، أمس، بعدما نشرت وكالة «فارس»، المنبر الإعلامي لـ«الحرس الثوري» في ساعات متأخرة، أول من أمس (الاثنين)، تسريباً أولياً عن رفض طلبات لاريجاني وجهانغيري وأحمدي نجاد. ورغم تدخل وزارة الداخلية لنفي بيان مجلس «صيانة الدستور» بشأن إرساله قائمة أسماء المرشحين إلى لجنة الانتخابات، ووصف ما نشرته وكالة «فارس» بـ«التكهنات»، فإن الردود سبقت الإعلان الرسمي لوزارة الداخلية.
ورأت «فارس» أن اللائحة النهائية تُظهر أن مجلس صيانة الدستور «ركّز على سجل الأفراد (المرشحين) من دون النظر إلى مناصبهم أو مكانتهم». ووفق القوانين، يحق للذين رُفضت أهلية ترشحهم من مجلس صيانة الدستور، التقدم باستئناف في مهلة أقصاها منتصف ليل الثلاثاء – الأربعاء، لكنّ لاريجاني أقر بعد إعلان النتائج باستبعاده من السباق الرئاسي. وكتب في بيان نُشر عبر حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي: «تقدمت بطلب خوض السباق بناءً على تأكيد المرشد حول أقصى المشاركة في الانتخابات وتوصية المراجع وبعض الأكاديميين، ومختلف فئات الشعب. وقال: «كنت مصمماً على رفع المشكلات التي تواجه الأمة، بدعم نخب المجتمع، لكن الآن وقد تقرر أن يكون مسار الانتخابات على هذا النحو، لقد أتممت واجبي». وأضاف: «أنا راضٍ بما ارتضاه الله»، داعياً الإيرانيين للمشاركة في الانتخابات من أجل «تقدم» بلادهم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وذكرت قنوات إخبارية إيرانية في شبكة «تلغرام» أن رفض طلب لاريجاني يعود إلى إقامة ابنته فاطمة لاريجاني في الولايات المتحدة. وقال مقربون منها إنها تكمل دراستها في الطب.
بدوره، نشر صادق لاريجاني، أربع تغريدات انتقد فيها مجلس «صيانة الدستور»، وقال في تغريدة: «منذ ما يقارب 20 عاماً على أول حضور لي في صيانة الدستور، دافعت عن صيانة الدستور طوال هذا الوقت، حتى خلال سنوات رئاستي في القضاء، لكني لم أجد قرارات المجلس غير قابلة للدفاع إلى هذه الدرجة، سواء في الموافقة على أهلية المرشحين أو عدم الموافقة». وأضاف في تغريدة ثانية: «سبب هذا الاضطراب إلى حد كبير لزيادة تدخلات الأجهزة الأمنية في عملية القرار في مجلس صيانة الدستور من خلال تقارير كاذبة، خصوصاً إذا كان العضو مسؤولاً عن تقديم تقارير استقصائية، ويضيف إليها أشياء».
وتابع في تغريدة ثالثة: «ينقلون عن وزارت المخابرات معلومات مؤكدة بينما عند الاستفسار من الوزارة المختصة يتم تكذيب القضية بالكامل»، وأضاف: «شكواي تعود إلى حفظ هيبة وقيمة صيانة الدستور»، وقال: «عندما واجهت هذه الوضعية، وجدت حججي غير فعالة».
وأشار ضمناً إلى أجواء مشحونة في جلسات صيانة الدستور في تغريدته الرابعة، وقال: «قرأت على زملائي في صيانة الدستور آية: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون»، وأضاف: «في هذا الزمان الغريب والسلوكيات الغربية نعوذ بالله وأقول: أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون».
وكتب الناشط المحافظ محمد مهاجري في تغريدة عبر «تويتر»، أن الرئيس حسن روحاني وجّه رسالة إلى خامنئي، مطالباً بإحداث تغييرات في القائمة المعلنة من «صيانة الدستور»، مضيفاً أن روحاني طلب من وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، عدم إعلان قائمة المرشحين، مشيراً إلى تعرض وزير الداخلية لضغوط من الأوساط السياسية والرأي العام لإعلان قائمة الأسماء.
ويعد رحماني فضلي من أقرب حلفاء لاريجاني، ولطالما عدّ وجوده في منصب وزير الداخلية منحة من روحاني لحليفه لاريجاني الذي لعب دوراً بارزاً في تخفيف ضغوط حلفائه المحافظين على الحكومة إلى درجة تسببت في تدهور العلاقة بين لاريجاني والمحافظين بمن فيهم شقيقاه، منظر المحافظين محمد جواد لاريجاني، وصادق لاريجاني، رئيس تشخيص مصلحة النظام.
من جانبه، علّق المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، على محاولة روحاني إعادة لاريجاني إلى المعادلة الانتخابية، وقال إن «الرئيس يوجه رسائل في القضايا المهمة، سأستفسر وأبلغ المعلومات الدقيقة».
ويمكن لخامنئي أن يُصدر حكماً لإعادة النظر في قائمة المرشحين أو إضافة أحد المستبعدين، وهو ما بدا أمس آخر أمل يتمسك به حلفاء لاريجاني وبعض مؤيديه من التيار الإصلاحي.
والأحد، كان مغردون مقربون من «الحرس الثوري»، قد نشروا تغريدات تلمّح إلى مساعي أحد أعضاء «صيانة الدستور» لتغيير الموقف، عبر إرساله خطاباً إلى «المرشد» خامنئي، وذلك في إشارة ضمنية، إلى صادق لاريجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وشقيق لاريجاني، وهو أحد الأعضاء الـ12 في صيانة الدستور.
وأفاد ناشطون بأن لاريجاني لم يحصل إلا على ثلاثة أصوات بين أعضاء المجلس، أحدها صوت شقيقه صادق.
- ردود أفعال
أما إبراهيم رئيسي فقد قال في أول تعليق على إعلان قائمة المرشحين للرئاسة الإيرانية، إنه يُجري مشاورات لكي تكون الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو «أكثر تنافسية»، وذلك بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور، أبرز منافسيه من الانتخابات.
ونشر موقع «فرارو» الإخباري تسجيل فيديو من رئيسي يقوله فيه: «اطّلعت على نتائج البتّ بأهلية المرشحين منذ مساء أمس، ربما أنتم والسادة لم تعلموا بأنني أجريت اتصالات وأجري مشاورات لكي يكون المشهد الانتخابي أكثر تنافسية ومشاركة».
ورفض «صيانة الدستور» طلب نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري، صهر لاريجاني.
وكتب مطهري على «تويتر»: «أتجاوز رفض أهليتي رغم أنني لا أجد دليلاً مقنعاً على ذلك، لكنني في حيرة من رفض أهلية السيد لاريجاني الذي كان منصاعاً للنظام، وترك تجارب ثمينة للشعب». وتابع أن «الاستناد إلى قرار المجلس الأعلى للأمن القومي حول إقامة ودراسة أقارب من الدرجة الأولى في الدول الأخرى غير مقبول، لأن صيانة الدستور لا يحق له وضع القوانين، مَن يقر القوانين البرلمان فقط». وكتب الصحافي المقرب من مكتب خامنئي مهدي فضائلي، في «تويتر»: إنه «اختبار صعب ومهم للحنكة السياسية المخلصة، إن شاء الله يخرج فخوراً».
من جهته، نشر إسحاق جهانغيري، بياناً حول استبعاده من الانتخابات، وعدّ إقصاء الكثير من الجديرين «تهديداً خطيراً للمشاركة العامة والتنافس العادل بين التيارات خصوصاً الإصلاحيين»، معرباً عن أمله ألا «تتم التضحية بجمهورية النظام والمشاركة الفعالة للشعب في تقرير مصيره ومصالحه الوطنية ومستقبل إيران من أجل مصالح سياسية وقتية».
وفي حملة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وردت أقوى الردود على لسان النائب علي رضا بيغي، في البرلمان. وقال بيغي الذي يرأس حملة أحمدي نجاد، في خطاب أمام النواب: «أيُّ طريقةٍ هذه في إدارة البلاد؟ منذ الأمس تحاصر القوات الأمنية منزل محمود أحمدي نجاد وتزعج جيرانه».
وكتب علي أكبر جوانفكر، مستشار أحمدي نجاد عبر «تويتر»: «على خلفية رفض أهلية الدكتور أحمدي نجاد، أغلب الناس بمختلف الطريق يعبّرون عن استيائهم من هذا القرار، ويؤكدون عدم المشاركة في الانتخابات».
وأضاف: «الحضور الأمني الواسع وغير المبرر للقوات الأمنية، في مقر إقامته ومكتب خادم الشعب أيضاً سبب استياء الناس وإزعاج أهل المنطقتين».
أما رئيس مجلس بلدية طهران الإصلاحي محسن هاشمي نجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي رُفض طلبه أيضاً، فاقتبس قوله والده، قائلاً: «يجب عدم مقاطعة الانتخابات وصناديق الاقتراع تحت أي ظرف... مجتمعنا يواجه ظروفاً ملتهبة ومقلقة عشية الانتخابات».