شاشة الناقد

قصة حياة زوجين: فنانة ومحتال

آمي أدامز ترسم عينين كبيرتين
آمي أدامز ترسم عينين كبيرتين
TT

شاشة الناقد

آمي أدامز ترسم عينين كبيرتين
آمي أدامز ترسم عينين كبيرتين

قلما يمر فيلم من أعمال المخرج تيم بيرتون من دون أن يثير من حوله الاهتمام أو - بالتالي - النجاح نقديا أو تجاريا أو كلاهما معا. «عينان كبيرتان» فعل ذلك. دخل وخرج من الأسواق بأقل ضجيج صاحب أي فيلم للمخرج الأميركي بيرتون (يعيش في لندن). لم يصب حظا في موسم الجوائز ولا دخلت بطلته آمي أدامز أو ممثله الأول كريستوف وولتز مجال التنافس على أي من جوائز الأوسكار.
للإنصاف، هي تستحق.. أما هو فحكاية أخرى.
«عينان كبيرتان» هي حكاية تقع أحداثها قبل نحو 50 سنة ومقتبسة عن شخصيات واقعية. مرغريت كين كانت رسامة وجوه، اسمها الحقيقي بغي دوريس هوكينز (مواليد 1927). تزوجت وطلقت ولديها ابنة اسمها جين. في مطلع الستينات نزحت بعد طلاقها إلى سان فرانسيسكو الجميلة وأخذت ترسم الوجوه لقاء دولار للوحة. لكن لوحاتها الخاصة كانت تتميز بعينين كبيرتين حزينتين كانت الرسامة تراهما كنافذتين إلى الداخل المعتم. في تلك المدينة المشمسة تتعرف على وولتر كين، رسام ما زال مبتدئا مال إلى رسم لوحات متواضعة لشوارع باريسية. لاحقا ما تواجهه مرغريت بقولها إنها لا تعرف إذا ما كان رسم ما كان يدعيه لنفسه «لم أشاهدك في الحقيقة والفرشاة بيدك». وهي كان لديها سبب مهم لذلك الاتهام: لقد غمرها بحب لم تكن تتوقعه وعرض عليها الزواج (التي قبلت به، جزئيا، لضمان بقاء ابنتها معها عوض إعادتها لوالدها) ثم اقترح عليها أن تقوم هي بمهام الرسم ويقوم هو بمهام البيع. لكن وولتر كين (كريستوف فولتز) كان لديه طلبا غير مألوف: طلب منها توقيع رسوماتها باسمه هو مكررا «كلانا كين».
استجابت مرغريت غصبا عنها، والفيلم يرينا، وهو المقتبس عن شخصيات وأحداث حقيقية، كيف بدأت تدرك الوضع الغريب التي وجدت نفسها فيه: عليها أن تبقى في الظل، بينما يبرز زوجها في المجتمع كفنان ترتفع قيمة اللوحات التي لم يرسمها بل ادعاها لنفسه. تيم بيرتون يقدم لنا شخصية محتال من الدرجة الأولى وضع خصاله في آتون الاستهلاك وحده ليزداد ثراء وشهرة. صحيح أنه أبدى الحب لزوجته ومنحها منزلا كبيرا تعيش فيه، لكنه أبقاها سجينة إحباطاتها كفنانة إلى أن تقرر أن شيئا يجب فعله وتقوم بفعله. كتب الفيلم الماثل كل من لاري كارزوفسكي وسكوت ألكسندر وكلاهما سبق لهما أن تعاونا على الكتابة سويا مستوحيان سير حياة واقعية. هما الواقفان، مثلا، وراء فيلم ميلوش فورمان «الشعب ضد لاري فلينت» (1996). وقبل ذلك كتبا سيناريو «إد وود» الذي قام بيرتون بإخراجه سنة 1994 حول المخرج (الذي عرف بأنه «أسوأ مخرج في هوليوود») إدوارد وود.
آمي أدامز ممثلة رائعة دوما. لديها إحساس شبه فريد مع الشخصية التي تلتقي وإياها أمام الكاميرا. دائما ما نجحت في إظهار جانب واقعي لها حتى ولو كانت شخصية خيالية.
كريستوف فولتز (بلكنة أميركية شبه كاملة) يبدأ أداءه ولمنتصف الفيلم جيدا. لكن ضعفه وضعف إدارته، يبدأ من حين أن أصبح مكشوفا أكثر مما يجب لزوجته ولنا كمشاهدين. هنا يميل الأداء إلى المباشرة ويهبط بضع درجات في خانة تجسيد لحظات التغيير التي تتناوب على شخصيته.
الفيلم مختلف عن غرائبيات وفانتازيات بيرتون، لكنه يتميز بخيالاته الخاصة. بيرتون لم يطلق أسلوبه كاملا بل ألبسه فيلما ذا حكاية وشخصيات واقعية هذه المرة.



شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.