هل تعيد «حرب غزة» أميركا إلى الشرق الأوسط؟

حطام مبنى الجلاء الذي كان يضم مكاتب إعلامية في غزة أمس (أ.ب)
حطام مبنى الجلاء الذي كان يضم مكاتب إعلامية في غزة أمس (أ.ب)
TT

هل تعيد «حرب غزة» أميركا إلى الشرق الأوسط؟

حطام مبنى الجلاء الذي كان يضم مكاتب إعلامية في غزة أمس (أ.ب)
حطام مبنى الجلاء الذي كان يضم مكاتب إعلامية في غزة أمس (أ.ب)

«حماس» عززت وضعها السياسي في الساحة الفلسطينية، لكن ليس إلى حد قبولها «محاوراً» من المجتمع الدولي، إذ لا تزال السلطة الفلسطينية «الشريك»، كما أن الرئيس محمود عباس سجل نقاطاً عندما تجنب فتح «جبهة جديدة» وتوسيعها في الضفة الغربية، إلى جانب «جبهتي» غزة وأراضي الـ48.
في سياق هذه المعادلة، فإن أحد الأمور التي يجري بحثها وراء الكواليس، مع إزالة الدمار من غزة تحت خيمة الهدوء الحذر، هو تشكيل «حكومة وحدة» وتعميق تجربة «حكومة الوفاق الوطني» المشكلة في يونيو (حزيران) 2014. وتكييفها مع الخريطة المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، ذلك أن المعلومات الواصلة إلى الجهات الدولية، تفيد بأن «حماس وفتح جاهزتان لهذا الخيار. كما أن الاتحاد الأوروبي وأميركا والأمم المتحدة وإسرائيل مستعدون للتعامل مع حكومة كهذه. حماس تريد الحكومة ترجمة سياسة لانتصارها بعد الدمار الكبير. فتح تريدها تعبيرا واقعياً لوقف التراجع».
صحيح أن فرنسا وألمانيا تدرسان جدياً اقتراحات بالموافقة على «فتح خطوط» مع «حماس» انطلاقاً من «التعاطي مع الواقع»، غير أن القرار الجماعي لا يزال بعيداً. وعليه، فلن تكون «حماس» حاضرة بشكل مباشر في الحكومة حسب الترجيحات، بل ستكون «قادرة على لعب دور أكبر في اختيار كل وزير وشخصية فيها». وإذ يريد محمد أشتية البقاء في منصبه رئيساً لهذه الحكومة، فإن المداولات تدور حول تكليف بديل له يعكس الواقع السياسي وأولويات الإعمار، قد يكون رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار محمد مصطفى، أبرز المرشحين لذلك.
في موازاة ذلك، يجري الحديث عن إعمار غزة، حيث تلعب مصر دوراً قيادياً تحت مظلة أممية في عقد المؤتمر وتوفير نصف مليار دولار أميركي، مع جهد لإقناع جميع الأطراف لتقديم الدعم عبر هذه المنصة. وكان لافتاً، أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن أن الولايات المتحدة «ملتزمة بالعمل مع الأمم المتحدة، وسنظلّ ملتزمين بالعمل معها ومع الأطراف المعنية الدولية الأخرى لتقديم المساعدة الإنسانية السريعة وحشد الدعم الدولي لسكان غزة وجهود إعادة إعمارها».
إذن، إعمار غزة أولوية، لكنه مرتبط أيضاً بوقف النار. هنا، يجري تداول أفكار دولية لوضع آلية للرقابة لتنفيذ «هدنة طويلة لسنوات»، مع احتمال «الإفادة من تجربة تفاهم أبريل (نيسان) في جنوب لبنان»، الذي أنجز برعاية أميركية - فرنسية لضبط التوتر بين «حزب الله» وإسرائيل بعد حرب «عناقيد الغضب» في 1996، أي، شرعية سياسية لـ«المقاومة»، مقابل واقعية منها وحلفائها. هناك من يريد، أن يكون موضوع الإعمار المدعوم بفتح المعابر، مدخلاً لـ«مراقبة المواد التي تدخل إلى غزة كي لا يتم استعمالها في إعادة صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة والمواد العسكرية». على الأقل، هذا هو مطلب إسرائيلي، «كي لا تتكرر جولة الحرب كل بضع سنوات».
هذه الأولويات تخص المدى المنظور. أما في المدى الأبعد، فإن موضوع «إصلاح النظام السياسي الفلسطيني سيكون أمراً لا مفر منه»، بما يشمل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يجري تكثيف الجهود لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أجراها الرئيس عباس بعد رفض إسرائيل التصويت في القدس الشرقية.
وفي موازاة ذلك، هناك «نصائح» إلى إسرائيل بعدم فتح ملف القدس وحي الشيخ جراح حالياً، باعتباره أحد البنود المتفاهم عليها في إطار التصعيد، التي بنى كل من «حماس» وبنيامين نتنياهو عليه كي يصعد لتسجيل نقاط داخلية في وضعه الداخلي. هنا، فتحت الحرب الأخيرة، الأمور في إسرائيل باتجاه تشكيل حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتنياهو بأغلبية بسيطة بعد أن نجح بإغلاق الخيارات أمام منافسيه، أو حكومة وحدة واسعة التمثيل، أو إجراء انتخابات جديدة.
تعدد الملفات بعد حرب الأيام الـ11، طرح ضرورة عودة الدور القيادي لأميركا في هذا الملف وعودة الشرق الأوسط إلى واشنطن. بالفعل، الحرب أعادت الشرق الأوسط إلى طاولة الرئيس جو بايدن وسط تغيير في مزاج الأميركيين والكونغرس و«الحزب الديمقراطي» لصالح الفلسطينيين، وأبرز تعبير عن ذلك، كان حصول 80 اتصالاً بين مسؤولين أميركيين ومسؤولين في الشرق الأوسط، بينها 6 اتصالات هاتفية بين بايدن ونتنياهو. بالفعل، أدركت إدارة بايدن أهمية هذا الملف الذي أرادت نسيانه. واستدركت وعادت إلى استعجال توظيف فريق كبير للشرق الأوسط وسط اتجاه لتعيين نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية هادي عمرو مبعوثاً أميركياً خاصاً للشرق الأوسط - بخصوص عملية السلام، إضافة إلى وصول القنصل السابق في القدس والمسؤول السابق عن سوريا مايكل راتني إلى الأرضي لتغطية فراغ عدم وجود سفير أميركي.
صحيح أن بايدين متمسك بـ«حل الدولتين»، لكن المؤشرات لا تدل على أنه سيقفز حالياً للاستثمار في استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ستكون زيارة أنتوني بلينكن إلى رام الله وتل أبيب للقاء نتنياهو وعباس نهاية الأسبوع المقبل، مناسبة لاختبار المزاج وتحديد اتجاهات وأولويات السياسة بعد حرب غزة والتأثير في الآثار التي تركتها في الساحة الفلسطينية والشرق الأوسط، وسط مطالب بعودة الدور القيادي الأميركي... ومخاوف من هذه العودة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».