التغيّر في الحزب الديمقراطي... المصالح قبل الأماني (تحليل إخباري)

التغيّر في الحزب الديمقراطي... المصالح قبل الأماني (تحليل إخباري)
TT

التغيّر في الحزب الديمقراطي... المصالح قبل الأماني (تحليل إخباري)

التغيّر في الحزب الديمقراطي... المصالح قبل الأماني (تحليل إخباري)

أدت اتصالات الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دوراً حاسماً في وقف العدوان على غزة، لكن هل يسمح موقف بايدن الذي كرر في أيام القتال الأولى الموقف الأميركي التقليدي عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» قبل أن ينفد صبره ويطلب وقف الأعمال العدائية، بالذهاب إلى حدود القول بحصول تغيّر ما في السياسة الأميركية من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني؟
ربطت بعض التفسيرات العربية موقف بايدن بصراع داخل الحزب الديمقراطي الأميركي بين مؤيدي إسرائيل وبين الجيل الجديد من النواب الديمقراطيين الذين تمثلهم ألكسندريا أوكاسيو - كورتيز ورشيدة طليب وإلهان عمر، ويشكّل السيناتور المخضرم بيرني ساندرز مرجعيتهم السياسية والأخلاقية. وكانت طليب قد ألقت كلمة مؤثرة أمام الكونغرس أثناء القصف الإسرائيلي على غزة ركزت فيها على الضحايا المدنيين وعلى الدمار الواسع، في حين نشرت «نيويورك تايمز» مقالاً لساندرز يدعو فيه الإدارة الأميركية إلى الامتناع عن الخضوع لابتزاز نتنياهو والتعامل معه على أساس مسؤوليته عن الحرب الأخيرة.
استندت تحليلات عدة إلى مواقف بايدن وتحركات النواب الديمقراطيين الشباب إضافة إلى المظاهرات الحاشدة التي شهدها عدد من المدن الأميركية تنديداً بالقصف الوحشي الذي مارسه الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة، للحكم على أن «تحولاً جذرياً ومزلزلاً» يجري في الحزب الديمقراطي على ما نسبت «بي بي سي» إلى الخبير في استطلاعات الرأي الأميركية جيمس زغبي.
ثمة متغير داخلي لا شك بوجوده في الحزب الديمقراطي حيال القضية الفلسطينية يتقاطع مع مواقف الحزب من جملة من القضايا كالعنصرية وقضايا العدالة الاجتماعية والمثلية الجنسية، ويشار إليه على أنه ازدياد في وزن التيار اليسار في الحزب الذي يخوض معركة ضارية ضد اليمين المتطرف الساعي إلى إطباق سيطرته على الحزب الجمهوري، بيد أن مدى تأثير الصراع المذكور على السياسات الأميركية حيال الشرق الأوسط ودرجة تأييد الناخبين الديمقراطيين للجانب الفلسطيني مقابل الدعم المطلق الذي تحظى إسرائيل به من قبل الجمهوريين، ما زال في حاجة إلى دراسة أعمق من كلمة ألقيت في الكونغرس أو انطباع عابر.
من المفيد في هذا السياق العودة إلى تاريخ العلاقات الأميركية –الإسرائيلية الذي شهد تطورات عدة وصلت إلى الإنذار الأميركي لإسرائيل بعد مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر في 1956 وتجديد الرئيس أيزنهاور حظر تصدير السلاح الذي فرضه سلفه هاري ترومان على إسرائيل في 1948، رغم دعم ترومان للاعتراف بالدولة العبرية خلافاً لتوصية وزارتي الخارجية والدفاع اللتين كانتا تخشيان ردود فعل عربية وإسلامية سلبية على المصالح الأميركية.
وبعد رفع جون كينيدي حظر السلاح في 1960 وإعلانه التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، لم تشهد العلاقات الثنائية تطوراً يُذكر إلى أن وقعت حرب يونيو (حزيران) 1967 والتي خاضتها إسرائيل بأسلحة فرنسية في المقام الأول، حيث شكلت طائرات «ميراج» العمود الفقري للسلاح الذي حسم المعركة منذ اليوم الأول، وتولت دبابات بريطانية الصنع التقدم في البرّ. كانت هذه الحرب هي التي وضعت إسرائيل على خريطة الاستراتيجية الأميركية حيث اكتشفت واشنطن فجأة القيمة الهائلة لإسرائيل كحليف نشط وناجح في التصدي للتمدد السوفياتي في الشرق الأوسط. وبالفعل لم تتأخر المساعدات العسكرية الأميركية عن الوصول، حيث تسلمت إسرائيل أول دفعة طائرات «سكاي هوك» في 1968 ليبدأ العصر الذهبي للتحالف الأميركي - الإسرائيلي الذي امتد ليغطي مجالات عدة من التعاون في مجالات الاستخبارات إلى تدريب حلفاء واشنطن في أميركا الجنوبية على عمليات قمع حرب العصابات. تجددت وظيفة إسرائيل في الاستراتيجيات الأميركية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 حيث قدّمت الدولة العبرية نفسها كضحية مشابهة لضحايا الإرهاب من الأميركيين، جراء العمليات الانتحارية التي كانت تنفذها الفصائل الفلسطينية في إطار الانتفاضة الثانية.
بكلمات ثانية، التحول في الحزب الديمقراطي ما زال في بداياته ولم تتضح الجهة التي سيمضي صوبها بعد، لكن العبارة التي تكررت إلى حدود الابتذال والقائلة إن الدول تهتم بمصالحها أولاً، لم تفقد صحتها بعد. وعليه، إذا كان المؤيدون الشباب للحق الفلسطيني في الحزب الديمقراطي يرغبون في تكريس تغيير ملموس، فلا مفر من إبراز المصلحة التي ستجنيها الولايات المتحدة بتخليها عن حليفتها التقليدية إسرائيل ونقل دعمها إلى الجانب الفلسطيني.
للأسف، لائحة المصالح المشتركة بين الفلسطينيين والولايات المتحدة لا تصمد في أي مقارنة مع المصالح الأميركية الإسرائيلية. وفي انتظار أن تتحول العواطف والآمال إلى مصالح واضحة وقابلة للتسويق والتحقق، وقادرة على جني المنافع المادية، سيبقى الكثير من التحليلات مجرد كلام و«تفكير بواسطة الأماني».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».