دمشق تشجع الاستثمار الخارجي... والقامشلي تتراجع عن رفع سعر الوقود

بعد احتجاجات في شمال شرقي سوريا

من احتجاجات شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
من احتجاجات شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT
20

دمشق تشجع الاستثمار الخارجي... والقامشلي تتراجع عن رفع سعر الوقود

من احتجاجات شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
من احتجاجات شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

ألغت «الإدارة الذاتية» شمال شرقي سوريا، قرارات زيادة غير مسبوقة بأسعار الوقود والمحروقات والغاز، بعد استمرار الاحتجاجات في مدينة القامشلي ومدن ثانية بمناطق شرقي الفرات، وسقوط ضحايا جنوبي مدينة الحسكة، في وقت أصدرت فيه أحزاب وجهات سياسية بيانات ومواقف رافضة لزيادة الأسعار، ومن جانبها حذرت القيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» و«قوات الأسايش» من خلق الفتنة وعدم تحول المظاهرات الاحتجاجية إلى وسيلة لضرب الأمن والاستقرار.
وأصدرت الإدارة الذاتية، أمس، قراراً يقضي بإلغاء القانون 119 الذي نص على رفع أسعار الوقود والمحروقات والمشتقات النفطية بنسبة تجاوزت 300 في المائة، بعد سلسلة اجتماعات مع اللجان والهيئات الخدمية، واتخذت قراراً بالعدول عن قراراتها، وتسببت مواجهات بين محتجين وقوى الأمن الداخلي بسقوط قتيل وعشرات الجرحى.
ولدى حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط»، قال عبد حامد المهباش، رئيس المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، إن قرار إلغاء رفع الأسعار «جاء نزولاً عند المطالب الشعبية في المناطق التي تديرها الإدارة، والتي أعادت النظر بالقرار وقررت العودة للأسعار السابقة إلى حين التوصل للائحة أسعار جديدة تناسب الوضع الاقتصادي للسكان».
ولليوم الثاني على التوالي، شارك مئات التجار وسكان محليون من مدينة القامشلي في إضرابات وحركات احتجاجية، وأغلقوا المتاجر والمحال حتى ساعات الظهر، وكان المحتجون قرروا الدخول في إضرابات مفتوحة للتعبير عن غضبهم من السلطة الحاكمة التي تدير مدناً وبلدات خاضعة لنفوذ الإدارة، والأخيرة قالت، في بيان نشر على حسابها الرسمي، أول من أمس، إن قرار الزيادة يهدف إلى خدمة سكان المنطقة وتحسين الواقع الاقتصادي المتردي، الذي شهد تراجعاً كبيراً جراء موسم الجفاف الذي تشهده المنطقة وباقي أرجاء البلاد.
وبموجب قرار الإدارة رفع زيادة الأسعار، وصلت مشتقات النفط من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، حيث رُفع سعر المازوت إلى 250 ليرة سورية وكان 70 ليرة فقط، بينما ارتفعت جرة الغاز إلى 8000 ليرة بعدما كانت تسعيرتها قبل القرار 2300 فحسب، والبنزين 700 ليرة فيما كان سعره قبل القرار 170 ليرة.
وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية على أبرز حقول النفط وأكبرها في سوريا، وأيضاً على حقول غاز أساسية، وخلال سنوات النزاع أنشأت هذه الإدارة مصافي نفط بدائية وحراقات صغيرة محلية الصنع لتكرير النفط في بعض الآبار.
ولم يقتصر قرار الرفض على المستوى الشعبي بعد خروج احتجاجات وتنفيذ إضرابات وعصيان مدني في مناطق الإدارة؛ حيث تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الزرقاء مع هذه القرارات، ونشروا صوراً وهاشتاغات تطالب قادة الإدارة بالعدول عن زيادة رفع الأسعار، واعتبر نشطاء أن هذه القرارات جاءت في عام يشهد جفافاً وأزمة اقتصادية ومالية تعصف بالمنطقة وعموم سوريا، حيث يسجل سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية قرابة 3200 وقد وصل إلى حدود 5000 ليرة، وكان قبل الأزمة 47 ليرة فقط.
بدورهما، نشر حزبا «التقدمي الكردي» و«الوحدة الكردي» بياناً عبرا فيه عن رفضهما للزيادة المُعلنة. أما أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المعارض، قالت إن قرار «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«قوات قسد» التي تهمين على السلطة، ستكون له تداعيات خطيرة.
من جانبها، اتهمت القيادة العامة لـ«قوات قسد» وقيادة قوى الأمن الداخلي (الأسايش) مَن وصفتهم بالمتربصين ذوي الارتباطات الخارجية بالاعتداء بالسلاح على متظاهرين وقواها، ليخلقوا الفوضى في ناحية الشدادي جنوبي الحسكة، ودعت أبناء المنطقة إلى الحذر وعدم الانجرار خلف الفتنة التي تحاول بعض الأطراف إثارتها.
إلى ذلك، سعرت الإدارة الذاتية شراء مادتي القمح والشعير لموسم العام الجاري، وحددت سعر شراء كيلو القمح بـ(1150) ليرة سورية ما يعادل (36 سنتاً أميركياً)، و(850) ليرة عن كيلو الشعير (ما يعادل 3 سنتات أميركية).
في دمشق، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء، قانوناً جديداً للاستثمار في سوريا لتأسيس مشاريع صناعية وإنتاجية كبيرة ولتحقيق العدالة ومنع الاحتكار والحجز الاحتياطي على المشاريع أو فرض حراسة قانونية.
وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن «قانون الاستثمار الجديد يضمن تحقيق بيئة استثمارية تشجع رؤوس الأموال الخارجية وتحمي رؤوس الأموال المحلية، وتوفر لها وسطاً مشجعاً ومناسباً لتأسيس الاستثمارات، والمشاريع الصناعية والإنتاجية الكبيرة، وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي يرفع المداخيل المالية للبلاد، ويؤمن فرص عمل جديدة تعتمد على الخبرات، والمهارات البشرية السورية».
ويشمل هذا القانون المشروع الذي يقيمه المستثمر بمفرده، أو عبر شراكات مع القطاع العام، ويركز قانون الاستثمار الجديد على العدالة في منح فرص الاستثمار، ومنع احتكاره، وتبسيط إجراءاته الإدارية، ويمنع هذا القانون إلقاء الحجز الاحتياطي على المشروع، أو فرض الحراسة عليه إلا بموجب قرار قضائي.
وكان مجلس النقد والتسليف أصدر قراراً يقضي بالسماح للقادمين إلى سوريا بإدخال الأوراق النقدية الأجنبية (البنكنوت) حتى مبلغ 500 ألف دولار أميركي أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى، شريطة التصريح عنها أصولاً وفق النماذج المعتمدة من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لهذا الغرض والاحتفاظ بنسخة من هذا التصريح.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.