المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

تدرس الإنجليزية والكومبيوتر.. وعدد الهندوس المهتمين في تزايد

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
TT

المدارس الإسلامية في الهند تسعى لمواءمة العصر

إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)
إحدى المدارس الإسلامية في الهند، حيث دخلت التقنيات الحديثة إلى مجالها التعليمي بقوة («الشرق الأوسط»)

تفتح المدارس الهندية الإسلامية صفحة جديدة في تاريخها، من خلال إدخال جوانب تعليمية حديثة وتكنولوجية في المناهج التي تقوم بتدريسها، بالإضافة إلى زيادة الأماكن المخصصة لاستقبال الطلاب من الديانات المختلفة. تأتي تلك الخطوة بعد أن كان معروفا عن تلك المدارس تدريسها التعليم الإسلامي فقط للمسلمين.
وبعد أن كانت تتميز في يوم من الأيام بطبيعة دينية محافظة، يشهد ما يقرب من ثمانية آلاف مدرسة دينية مسجلة في الهند تغييرا سريعا، حيث بدأ الطلاب دراسة جميع المناهج التعليمية تقريبا، بما في ذلك اللغة الإنجليزية والكومبيوتر، على عكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان حفظ القرآن الكريم هو المنهج الرئيس في تلك المدارس.
ويساعد التحاق الطلاب الذين يبدون اهتماما بتعلم اللغة الأردية واللغة العربية، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية، على تغيير الصورة النمطية لتلك المدارس. وقد كشف تقرير حديث عن أن ما يصل إلى 15 في المائة من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الإسلامية التقليدية في الهند هم في حقيقة الأمر من الهندوس.

وخلال زيارتي مدرسة البوابة الكشميرية في نيودلهي، قابلت «سنيها»، طفلة هندوسية ترتدي «شلوار قميص» (الزي الهندي التقليدي) بلونيه الأبيض والأزرق، التي قامت بترجمة جملة من اللغة العربية من كتاب الدراسات الإسلامية الذي تدرسه إلى اللغة الأردية. وعلى مقربة منها، تجلس «بوجا»، الفتاة ذات الخمس عشرة سنة، التي استطاعت أن تحفظ القرآن الكريم عند سن الحادية عشرة فبدت كأنها مسلمة.
وبالإضافة إلى الأعداد المتزايدة للطلاب الهندوس الملتحقين بالمدارس الإسلامية، التي تشهد تطورا سريعا حيث يجري تدريس المواد العلمية جنبا إلى جنب مع كتب الدراسات الإسلامية، هناك طفرة كبيرة في أعداد الطلاب غير المسلمين من الديانات الأخرى الذين بدأت أسماؤهم تحتل أماكن متقدمة على لوحة الشرف الخاصة بتلك المدارس.
ومن بين أولئك الطلاب، تأتي الطالبة «أنجالي راج»، من مدرسة عماد العلوم، التي تحقق تفوقا كبيرا في المدارس الإسلامية، حيث احتلت الصدارة في اختبارات الصف العاشر وصارت من أشهر الطالبات في تلك المدرسة. وهناك أيضا الطالبة «هيمالات»، البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة. وتنتظم «هيمالات» في مدرسة كاجول، وتعد أول من يحفظ القرآن الكريم من غير المسلمين في ولاية بيهار، كما أنها ليست الوحيدة التي تقرأ القرآن في عائلتها الهندوسية، حيث يستطيع شقيقها قراءة القرآن أيضا.
كما استطاع طالب هندوسي أن يعتلي أخيرا قمة لوحة الشرف للطلاب المتفوقين في جميع المدارس الإسلامية بولاية غرب البنغال.
في عام 2007، أصبحت ولاية غرب البنغال، التي تقع في شرق الهند، الأولى بين الولايات التي تبدأ تنفيذ خطة تحديث المدارس الإسلامية التقليدية، وكانت تلك الخطوة جزءا من برنامج يضم 15 نقطة يتبناه رئيس الوزراء ويهدف إلى تنمية الأقليات.
وبعد تطبيق تلك الخطة بعامين، حظيت عملية تحديث المدارس في ولاية غرب البنغال بإشادة دولية واسعة، حيث قام خبراء التعليم من باكستان وبنغلاديش والولايات المتحدة ودول أخرى بجولة في بعض المدارس التي جرى تحديثها في الولاية خلال السنوات الأخيرة وأثنوا بشدة على عملية التحديث.
كما أشاد معهد بروكينغز في واشنطن بعملية التطوير والتحديث، مستشهدا بمدارس ولاية غرب البنغال كنماذج على كيفية تطوير العملية التعليمية وأوصى باكستان بأن تقوم بنقل تلك التجربة إلى مدارسها.
وقال غياث الدين صديق رئيس هيئة غرب البنغال لمدارس التعليم الديني، إن عملية تحديث المدارس الدينية أفادت المجتمع بشكل كبير، لذلك ستستمر تلك العملية. وأضاف أنه كان من الصعب في الماضي على خريجي تلك المدارس التفكير في عمل أي شيء خارج نطاق العمل في المساجد أو المؤسسات الدينية. أما الآن، فيمكن لخريج المدارس الدينية التي جرى تطوير وتحديث مناهج التعليم الخاصة بها الالتحاق بكليات الطب والهندسة وإدارة الأعمال، أو أي حقل من حقول التعليم الجامعي الأخرى. ومن ثم، أصبح من السهل معرفة السبب وراء اكتساب المدارس الدينية لتلك الشعبية في صفوف الطلاب الطموحين الذين يبحثون عن الانخراط في مسيرة تعليمية حديثة هذه الأيام. وبدأت عملية التغيير والتحديث تعم غالبية المدارس الإسلامية التقليدية بالهند في الوقت الحالي.
وتوفر الكثير من الكليات بولاية تاميل نادو، الواقعة في جنوب الهند، نظام تعليم مزدوج، حيث تتهيأ الفرصة للطلاب لتلقي التعليم الديني والتعليم الحديث في نفس المكان. وبعد إنهاء فترة الدراسة التي تستغرق سبع سنوات، يحصل الطالب المتخرج على شهادة في إدارة الأعمال أو بكالوريوس التجارة. ويحصل جميع الطلاب على دورات تعليمية في الكومبيوتر واللغة الإنجليزية. يقول مازود جمالي مدير كلية العالم البخاري للغة العربية، إن طريقة التعليم المتبعة في المدارس الدينية التقليدية يعود تاريخها إلى ما بين 400 و500 سنة مضت، مضيفا: «لقد قمنا بتسهيل طريقة التدريس، فالكلية تدرس نفس المواد التي يجري تدريسها في المدارس الدينية التقليدية، لكننا نستمد الكتب الدراسية من الهيئات التعليمية في مكة وجامعة الأزهر في القاهرة». هناك ثورة تحديث وتطوير صامتة تحدث في تلك المدارس، التي لم تعد تخرج جيوشا من العلماء في الدين الإسلامي فقط، بل تخرج أيضا أطباء ومهندسي برمجيات والكثير من التخصصات الأخرى.
يقول دكتور هومايون كبير، وهو طبيب أطفال مشهور تخرج في إحدى المدارس الدينية بولاية غرب البنغال ويعمل حاليا في دلهي: «عندما أخبرت زملاء الدراسة في كلية الطب بأنني تلقيت تعليمي ما قبل الجامعي في إحدى المدارس الدينية لم يصدقوني. ففي تلك المدرسة، درست المواد العلمية وأعددت نفسي لاختبار القبول بكلية الطب».
بالمثل، كانت فترة الطفولة الحافلة بتنشئة قائمة على الانضباط الصارم هي ما دفعت محمد أمجد، (25 سنة)، أحد خريجي مدرسة الجامعة السلفية في مدينة بيناريس، إلى العمل بجد للدخول في مجال الكومبيوتر والتمويل.
ويعمل أمجد حاليا محللا ماليا في شركة برمجيات، حيث يقوم بمتابعة أعمال الشركة في منطقة الشرق الأوسط.
ويعد أمجد من أهم العاملين في الشركة، حيث يقوم بترجمة البيانات من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، كما يقوم بإعداد وتجهيز البرامج للعملاء في العالم العربي. ويقول إعجاز أحمد رئيس هيئة مدارس التعليم الديني في ولاية بيهار، إن «الأمر الإيجابي هو أن أولياء أمور هؤلاء الطلاب المتفوقين يشعرون بأن نظام التعليم في المدارس الدينية أفضل من نظيره في المدارس العامة، حيث يجعل أولادهم أكثر التزاما وانضباطا».
ويقول أبو القاسم، الذي يروج لتدريس مناهج دراسية عن الديانات الأخرى في مدرسته: «تعد المدارس الدينية ثروة قومية لأن تعليم الأخلاق يمثل واحدا من أهم العناصر في المناهج التي يجري تدريسها في تلك المدارس».
ويرى أحد الداعمين لنظام التعليم في المدارس الدينية، وهو البروفسور عبد الحميد نعماني، عضو جماعة علماء الهند، أن تحديث المدارس الدينية سيمهد الطريق أمام الجميع في المجتمع الهندي على اختلاف دياناتهم لفهم أفضل لبعضهم البعض بشكل عام، ولفهم الإسلام بشكل خاص.
ومع سعيها لإعادة اكتشاف نفسها حتى تستطيع مسايرة العصر الحديث، تدرس إحدى المدارس الإسلامية منهجا موسعا من العلوم والكومبيوتر، والأهم من ذلك أنها تعد مؤسسة تعليم فني متنوع توفر للطلاب فرصة تنمية مهاراتهم الفنية.
وجرى إنشاء مدرسة الإصلاح منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وتحديدا في عام 1908 بمدينة ساريمير في التقسيم الإداري «أعظم كره» المجاور لدلهي، وتعد واحدة من أقدم المدارس الدينية في الإقليم. وبالإضافة إلى القرآن الكريم، يدرس الطلاب في مدرسة الإصلاح اللغة الإنجليزية واللغة الهندية والعلوم والرياضيات والعلوم السياسية والاقتصاد وعلوم الحاسب الآلي.
وتعتقد إحدى خريجات مدرسة الإصلاح، وهي اشتياق أحمد زيلي، أستاذة تاريخ متقاعدة من جامعة عليكرة الإسلامية، أن نظام التعليم في مدرسة الإصلاح نظام عملي وفريد من نوعه. وتخرجت زيلي في مدرسة الإصلاح في عام 1962 ثم قامت بعمل بحث في تاريخ الهند في القرون الوسطى.
ويقول نازيش احتشام، الذي درس الطب اليوناني في جامعة همدرد، إن «مدرسة الإصلاح ساعدتني في أن أحقق قفزة كبيرة في مسيرتي العملية، حيث وفر لي نظام التعليم المتبع فيها أفضل طريقة لدراسة اللغة العربية والعلوم الأخرى». ويعمل احتشام مفتشا طبيا في هيئة بلديات دلهي.
وتخرج مدرسة المحمدية المنصورة في مدينة ماليغاون، ولاية ماهاراشترا بغرب الهند، أطباء ممارسين، حيث تعد العلوم الطبية من أهم المناهج المميزة التي يجري تدريسها في تلك المدرسة.
وبعد أن قبلت المدارس الإسلامية في بعض الولايات الهندية إضافة مناهج التعليم الهندية القومية في نظام تعليمها، اكتسبت تلك المدارس سمعة جيدة بنجاحها في تدريس ليس فقط علوم الدين الإسلامي، بل أيضا علوم الرياضيات واللغة الإنجليزية والأحياء والفيزياء.
وبدأت عملية تحديث المدارس الإسلامية بالهند في عام 2007، غير أن تلك الفكرة لاقت احتجاجا شديدا من كثير من المعارضين، حيث يتوجس الكثير من العلماء الإسلاميين خيفة من سعي الحكومة إلى حرمان تلك المدارس من استقلاليتها تحت غطاء التحديث. ويعلق أطياب صديقي، المستشار القانوني لجامعة الملية الإسلامية والخبير الدستوري في شؤون المجتمعات المسلمة، على عملية تحديث المدارس الإسلامية في الهند بقوله: «إنها خطوة كبيرة للتعليم الإسلامي»، مضيفا أن خطة التحديث ستمكن الطلاب في شتى أنحاء الهند من الحصول على الوظائف التي يرغبون فيها.
وستساعد عملية تحديث المناهج التعليمية في المدارس الإسلامية على منح الشباب المسلم نظرة اجتماعية سياسية، كما ستساعدهم على الحصول على وظائف، وكذلك الاندماج في قصة النجاح الهندية. وتعد المدارس الإسلامية بديلا مثاليا للعائلات الفقيرة، حيث تقوم الدولة بتمويلها، كما أنها لا تفرض أي مصروفات على الطلاب الدارسين فيها الذين تقدم لهم ملابس ووجبات مجانية.
وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المدارس التي ما زالت غير مستعدة لتطبيق عملية إصلاح وتحديث أنظمتها التعليمية.
يتساءل مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «على مدى أعوام طويلة، لم يبد على الحكومة أي انزعاج من المدارس الإسلامية، فلماذا الآن (المطالبات بتحديث تلك المدارس)؟ لقد وصفت وسائل الإعلام المدارس الإسلامية بغير وجه حق بأنها أوكار للإرهاب. وتحت اسم مساعدة مجتمعنا الإسلامي، تريد الحكومة أن تفرض رقابة على ما يجري في المدارس الإسلامية».
ربما يقول أحدهم إن عملية تحديث المدارس الإسلامية لا ينبغي أن تكون مصدر قلق لأنها تسير بخطى بطيئة. غير أنه على الجانب الآخر، لا ينبغي تجاهل تلك العملية تماما. وأعلنت وزارة تنمية الموارد البشرية الهندية أخيرا أنه سيجري معاملة الشهادات التي تمنحها المدارس الإسلامية بأثر رجعي نفس معاملة الشهادات التي تمنحها الهيئة المركزية للتعليم الثانوي في الهند، مما يعني أنه يمكن لنحو 400 ألف طالب يدرسون في المدارس الإسلامية المعتمدة الالتحاق بالجامعات، ومن ثم تأهيل أنفسهم للحصول على وظائف حكومية أو حتى وظائف في القطاع الخاص.
ولدى سماعه ذلك القرار، علق عبد الله، الطالب بالسنة النهائية في مدرسة الجامعة الإسلامية سنابل بنيودلهي، بحماس قائلا: «هل هذا يعني أنه يمكنني الحصول على أي فرصة عمل مهما كان نوعها؟» ويعترف عبد الله بأنه يشعر بالإثارة لأن بإمكانه إعادة النظر في خططه المستقبلية، حيث يشير إلى أنه بدأ بالفعل الانتقال لتنفيذ الخطة البديلة، حيث يقول: «في البداية، سأسعى للحصول على بكالوريوس تجارة حتى يمكنني الحصول على فرصة عمل في شركة متعددة الجنسيات. وإذا زاد فضل الله علي، فيمكنني عمل رسالة ماجستير في إدارة الأعمال».
تبدو ابتسامة عريضة على وجه أنور، زميل عبد الله في الدراسة، وهو يعلق على حديث عبد الله بقوله: «لقد تداعت الكثير من الخيارات في مخيلتي! فأنا أفكر الآن في أنه يمكنني الالتحاق بكلية الهندسة أو الطب أو الحصول على شهادة جامعية أخرى». ويواصل أنور حديثه، بينما ينظر إلى عبد الله: «لقد استسلمت لفكرة أنه ليس لدي خيار في اختيار مجال التدريس، لذلك كبحت جماح طموحاتي بسبب انعدام الوسائل واعتقدت ساعتها أن أحلامي قد ماتت، لكن يبدو أنه يمكنني إحياء تلك الأحلام مرة أخرى». غير أن قرار الهيئة المركزية للتعليم الثانوي ربما لا يجعلهم مؤهلين بالقدر الكافي للتقدم لوظائف القطاع الخاص. لكن لحسن حظ هؤلاء الشباب، تعد مدرستهم من المدارس القليلة في الهند التي تدرس التاريخ واللغة الهندية واللغة الإنجليزية والرياضيات.
ومن المنتظر أن يجري إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية التي ستوفر تمويلا للمدارس الدينية التي ستنضم إليها، لكن العمل تحت مظلتها سيكون اختياريا.
وكانت الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، التي تتمتع باستقلالية الإدارة وقادت مسيرة المدارس الإسلامية في الهند منذ عام 1866، من أوائل الهيئات التي عارضت إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية. ورغم أن الانضمام إلى تلك الهيئة سيكون اختياريا، فإن دار العلوم تعتقد أن «النوايا غير المخلصة» للحكومة سوف تضع الكثير من الضغوط على المدارس الإسلامية. يقول مولانا عبد الخالق، نائب رئيس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند: «إنهم يريدون أن يتشابه نظام التعليم في المدارس الإسلامية مع نظام التعليم في المدارس العادية، لكننا لا نقبل ذلك». ويشير أرشاد علم، المدرس المساعد بمركز نهرو للدراسات في جامعة الملية الإسلامية في نيودلهي، إلى أن الكثيرين يعارضون تدخل الحكومة، ليس فقط بسبب القلق من حدوث تدخل في مناهج المدارس الإسلامية التعليمية، بل لأسباب أخرى كثيرة، مضيفا أن «معارضي التحديث يخشون أن يخسروا الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المدارس الإسلامية. في الوقت الحالي، تعتمد المدارس الإسلامية على المساهمات المالية من المسلمين، ولا أحد يسأل عن كيفية إنفاق تلك الأموال. ومن ثم، إذا ما جرى إنشاء هيئة مركزية للمدارس الإسلامية، فإنها سوف تقوم بمراجعة والإشراف على حسابات تلك المدارس».



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).

عاجل صفارات الإنذار تدوي في عدة مناطق بوسط إسرائيل من بينها تل أبيب