ديون السودان الخارجية

الرئيس ماكرون يلقي كلمته في مؤتمر دعم السودان في باريس أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون يلقي كلمته في مؤتمر دعم السودان في باريس أمس (رويترز)
TT

ديون السودان الخارجية

الرئيس ماكرون يلقي كلمته في مؤتمر دعم السودان في باريس أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون يلقي كلمته في مؤتمر دعم السودان في باريس أمس (رويترز)

يسعى السودان لتخفيف ديونه الخارجية التي تتجاوز ‭‭50‬‬ مليار دولار خلال اجتماع للدائنين في باريس يستهدف دفع هذه العملية إلى الأمام. وتخفيف الديون خطوة ضرورية للسودان، الذي يقع في منطقة مضطربة بين القرن الأفريقي وشمال أفريقيا، بينما يحاول التعافي من أزمة اقتصادية عميقة والعودة إلى الاقتصاد العالمي بعد عقود من العزلة، حسب تقرير لوكالة «رويترز».
ما حجم الديون القائمة؟
بلغ إجمالي ديون السودان ‭‭50‬‬ مليار دولار على الأقل بنهاية 2019؛ وفقاً لصندوق النقد الدولي. وما زال البلد يعمل مع دائنيه لتسوية ديونه حتى نهاية العام الماضي، ويقول المسؤولون إن الإجمالي النهائي ربما يصل إلى ‭‭60‬‬ مليار دولار.
بحسب صندوق النقد، هناك ‭‭5.6‬‬ مليار دولار مستحقة لمنظمات متعددة الأطراف مثل الصندوق والبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية. وهناك أيضاً ما يقدر بنحو ‭‭19‬‬ مليار دولار مستحقة لدائني نادي باريس، أكبرها لفرنسا والنمسا والولايات المتحدة، حسب تقرير «رويترز». ثمة كذلك مبلغ مماثل مستحق لدول غير أعضاء في نادي باريس، منها الكويت، أكبر دائن للسودان بقيمة ‭‭9.8‬‬ مليار دولار، والسعودية والصين. وأخيراً، ينوء السودان بما يقول مسؤول في صندوق النقد إنه مبلغ أكبر من المعتاد من الديون المستحقة لمقرضين تجاريين، يقدر بنحو ستة مليارات دولار.
ونظرا لانعزال السودان عن النظام الدولي لعقود من الزمان، فإن حوالي ‭‭85‬‬ في المائة من ديونه متأخرات - وفوائد غير مدفوعة وغرامات.
كيف سيُخفض الدين؟
بعد رفع اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب في أواخر 2020 صار السودان مؤهلاً لمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي تتيح تخفيف أعباء ديون الدول منخفضة الدخل. وبموجب المبادرة، سيتوصل جميع دائني السودان إلى اتفاق لإعادة هيكلة الديون وتخفيفها.
وقال مسؤول في صندوق النقد إن ديون السودان هي الأكبر على الإطلاق ضمن المبادرة، وإن التقدم المحرز حتى الآن سريع.
وفي حين قد يستغرق تنفيذ المبادرة حتى ‭‭2024‬‬، قال مسؤول سوداني إن الدائنين يمكنهم بسرعة رفع جزء كبير من العبء من خلال تخفيف معظم متأخرات السودان بعد بلوغه «نقطة القرار» المتوقعة في يونيو (حزيران) لبدء عملية المبادرة.
لكن بعد نقطة القرار تلك، سيتعين على السودان البدء في سداد مدفوعات خدمة الديون.
وتمت بالفعل تسوية متأخرات السودان للبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، وتأمل الخرطوم أن تدبر في باريس تمويلا لسداد متأخرات لصندوق النقد أيضاً، مما سيسمح بالمضي نحو نقطة القرار.
وللوصول إلى هنا، أجرى السودان إصلاحات اقتصادية يراقبها صندوق النقد وألغى دعم الوقود وخفض قيمة عملته خفضاً حاداً.
وعلى السودان تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية للوصول إلى «نقطة التمام»، بموجب المبادرة، بعد ما يقدر بثلاث سنوات يأمل حينها في التخلص من جميع ديونه تقريباً.
ما أهمية هذا الأمر؟
من خلال تخفيف الديون، يفتح السودان خطوط ائتمانه مع المنظمات متعددة الأطراف والدول الأخرى، مما يسمح له بتلقي منح وقروض جديدة بفائدة منخفضة أو معدومة.
وهناك حاجة ماسة لهذا التمويل منذ سقط السودان في براثن أزمة اقتصادية طويلة أدت إلى انتفاضة ضد الرئيس السابق عمر البشير الذي أُطيح به في أبريل (نيسان) ‭‭2019‬‬.
يمر السودان بمرحلة انتقال سياسي هشة إذ يتقاسم الجيش والمدنيون السلطة حتى نهاية 2023.
وتلقى السودان بالفعل تعهداً بمنحة بملياري دولار لإنفاقها على مدى العامين المقبلين نتيجة لتسوية متأخراته للبنك الدولي، إضافة إلى منحة قدرها ‭‭207‬‬ ملايين دولار من البنك الآسيوي للتنمية.
ويعتزم صندوق النقد تقديم تسهيل ائتماني ممدد لتمويل جديد في مجالات منها الصحة والتعليم والبنية التحتية والزراعة، بالتزامن مع إجراء مزيد من الإصلاحات.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.