خبراء ومحللون: «مؤتمر باريس» بوابة للترحيب بالسودان في المجتمع الدولي

الرئيس ماكرون مع ممثلي المجتمع المدني السوداني في باريس أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون مع ممثلي المجتمع المدني السوداني في باريس أمس (رويترز)
TT

خبراء ومحللون: «مؤتمر باريس» بوابة للترحيب بالسودان في المجتمع الدولي

الرئيس ماكرون مع ممثلي المجتمع المدني السوداني في باريس أمس (رويترز)
الرئيس ماكرون مع ممثلي المجتمع المدني السوداني في باريس أمس (رويترز)

بقدر ما يمثل مؤتمر باريس أهمية اقتصادية كبرى للسودان، تظل أبعاده السياسية الأكثر أثراً في عملية التحول الديمقراطي في البلاد خلال المرحلة الانتقالية. فتحقيق الاستقرار السياسي مرهون بنجاح الحكومة الانتقالية في التخلص من ثقل الديون الخارجية، وجذب شراكات اقتصادية كبرى للنهوض بالقطاعات الإنتاجية والخدمية في البلاد، بهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية المستفحلة.
وذهب السودان إلى المؤتمر بعدما استوفى كل متطلبات المؤسسات المالية الدولية بإجراء إصلاحات هيكلية وقانونية، تمثلت في رفع الدعم وتوحيد سعر الصرف وترشيد الإنفاق الحكومي، بصفتها شروطاً لازمة التنفيذ لوضع أسس جديدة للتعاون مع المجتمع الدولي، وذلك على الرغم من التبعات الكبيرة لهذه الإجراءات على الأوضاع المعيشية في البلاد.
ويشكل مؤتمر باريس، حسب رؤية عدد من الخبراء، محطة مهمة لدعم الانتقال، وعودة السودان من جديد دولة فاعلة في المجتمع الدولي، كما يؤمن دفعة دعم لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تحكم بخناقها على البلاد منذ سنوات طويلة، باعتبار أن الإصلاح الاقتصادي يعزز مسيرة التحول الديمقراطي. لكن خبراء آخرين، مثل المحلل السياسي خالد التجاني، يرون أن المؤتمر جاء متأخراً بعامين عن التغيير الذي حدث في البلاد. ويقول التجاني إن المجتمع الدولي لا يزال في مرحلة إطلاق الوعود دون التزام جاد، مشيراً إلى أنه في البداية كان لا يكف عن إعلان دعمه للشق المدني في الحكومة، ثم تجاوز هذه المسألة للتسليم بالشراكة المختلطة بين المدنيين والعسكريين في السلطة الانتقالية.
ويضيف التجاني أنه من الناحية الاقتصادية، يجب الاعتراف بأن الأوضاع تدهورت بصورة كبيرة، وأن الحكومة تذهب إلى المؤتمر بتشخيص خاطئ بأن الديون الخارجية هي القضية الأساسية، وأنه لا مسار لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية إلا عبر الاتفاق مع المؤسسات المالية الدولية، دون وجود رؤية لما يمكن أن يقدمه المؤتمر من حلول عاجلة أو آنية للأوضاع الاقتصادية المتأزمة في الوقت الحالي.
ومن جانبه، يقول المحلل السياسي بشير الشريف إن المؤتمر بوابة اقتصادية لإعادة إدماج السودان سياسياً في المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، لكن الرسالة الأهم تأكيد الحرص على دعم الانتقال. ويضيف الشريف أن إعفاء ديون السودان الخارجية له اشتراطات سياسية واقتصادية، وستكون له آثار وخيمة إذا اختار السودان الآن انتهاج النهج الليبرالي أو «التبعية الاقتصادية التي تبني ديمقراطية شكلية تحرس المال والاستثمار»، حسب رأيه.
ويرى الشريف في نجاح المؤتمر مؤشراً إلى أن الأوضاع في السودان ستمضي باتجاه الاستقرار السياسي والاقتصادي، مضيفاً أن البلاد ستعود دولة مركزية في الإقليم تلعب دورها التاريخي، وتقدم نموذجاً رائداً في المنطقة. ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة السودانية صلاح الدومة إن مؤتمر باريس فرصة لتثبيت جذور الحكومة الانتقالية في البلاد، وتوطيد العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي، مشيراً إلى أنه إذا نجح المؤتمر في تلبية 10 في المائة من العروض التي ستقدمها الحكومة للاستثمار، فسيمثل ذلك إنجازاً كبيراً. ويشير إلى أن المؤتمر يؤكد التحول الكبير في نظرة العالم إلى السودان الذي كان يعيش عزلة استمرت لسنوات بسبب سياسات النظام المعزول العدائية تجاه العالم، حسب قوله.
وعلى مدى أشهر، عكفت وزارات القطاع الاقتصادي في الحكومة السودانية، بمشاركة عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين، في إعداد مشاريع متكاملة لطرحها للشركات والمستثمرين المشاركين في المؤتمر.
ويرى خبراء شاركوا في ورش العمل التحضيرية للمؤتمر أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة خلال الفترة الماضية تمكن السودان من الحصول على منح وقروض من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية.
ومن أهم المشروعات التي طرحتها الحكومة السودانية في المؤتمر الاستثمار في تطوير البنى التحتية، بالتركيز على الموانئ البحرية والسكك الحديدية والنقل النهري والناقل الجوي الوطني. ويأمل السودان في أن تشكل تلك المشروعات عنصر جذب للمستثمرين العالميين، سواء عن طريق التمويل أو عن طريق الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، أو من خلال أي صيغ استثمارية أخرى.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.