«مذبحة الأطفال» تصب الزيت على نار التصعيد في غزة

«القسّام» تقتل إسرائيلياً في تل أبيب وتقول إنها مستعدة لقصف المدينة 6 أشهر متواصلة

دفن أفراد عائلة أبو حطب في غزة أمس (إ.ب.أ)
دفن أفراد عائلة أبو حطب في غزة أمس (إ.ب.أ)
TT

«مذبحة الأطفال» تصب الزيت على نار التصعيد في غزة

دفن أفراد عائلة أبو حطب في غزة أمس (إ.ب.أ)
دفن أفراد عائلة أبو حطب في غزة أمس (إ.ب.أ)

صبت الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وراح ضحيتها 10 أطفال ونساء، بضربة واحدة، الزيت على نار التصعيد في الأراضي الفلسطينية، وجهت معها حركة «حماس» ضربات صاروخية جديدة ومكثفة لتل أبيب ومستوطنة قرب رام الله، فيما تواصل القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة وتسبب في تدمير مبنى يضم عدداً من وسائل الإعلام.
وأعلنت «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» أنها وجهت ضربة صاروخية لتل أبيب رداً على مجزرة مخيم الشاطئ في غزة. وتسببت هذه الضربة الواسعة من «حماس» بمقتل إسرائيلي في رمات غان، شرق تل أبيب، وهي جاءت بعد ساعات من ضربة أخرى استهدفت المدن الإسرائيلية من بئر السبع جنوباً وحتى الجديرة شمالاً.
وشوهدت الصواريخ، أمس، تنطلق من غزة نحو تل أبيب وسمعت صفارات الإنذار في مناطق واسعة حول تل أبيب، قبل أن تسمع أصوات انفجارات عنيفة ناجمة عن محاولات القبة الحديدية التصدي للصواريخ أو سقوطها على الأرض. وشملت الصواريخ المنطلقة من غزة أيضاً مستوطنة «موديعين» قرب رام الله، في ضربة قالت «القسام» إنها «هدية لشهداء» الضفة الغربية التي دخلت أيضاً على خط المواجهة مع إسرائيل. وقال الناطق باسم «كتائب القسام» أبو عبيدة، إن الكتائب جهزت نفسها لقصف تل أبيب لـ6 أشهر متواصلة. وأضاف: «إنه بمجرد التلويح بقصف برج مدني في غزة وجهنا قبل دقائق رشقة صاروخية تجاه تل أبيب». ودمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية بالفعل لاحقاً برج «الجلاء» وسط مدينة غزة. وذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، أن «طائرات الاحتلال استهدفت برج الجلاء السكني المكون من 12 طابقاً، بسبعة صواريخ، ما أدى إلى تدميره بالكامل وتسويته بالأرض». ويضم البرج مقرات للعديد من وسائل الإعلام العالمية والعربية (مثل الاسوشييتد برس والجزيرة) وأيضاً عيادات ومراكز طبية وشققاً سكنية.
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي أن البرج الذي دمره في مدينة غزة بعد ظهر أمس كان أحد مقرات استخبارات «حماس» التي استخدمت وسائل الإعلام الأجنبية التي تعمل انطلاقاً من البرج غطاء لأنشطتها، حسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني.
وفي جنوب إسرائيل، لم يتوقف دوي صفارات الإنذار ليل الجمعة السبت مع إطلاق نحو 300 صاروخ من غزة، حسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال الجيش الإسرائيلي إنه تم إطلاق أكثر من ألفي صاروخ على الأراضي الإسرائيلية منذ الاثنين ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، بينهم طفل وجندي، وإصابة أكثر من 560 آخرين بجروح. وأوضح الجيش أن الدرع الصاروخي (القبة الحديدية) اعترض نحو 90 في المائة من هذه الصواريخ. كما أكد الجيش الإسرائيلي في وقت مبكر من السبت أن طائراته الحربية قصفت ليل الجمعة - السبت «مكتب عمليات» تابعاً لـ«حماس» بالقرب من وسط مدينة غزة، بضربات ليلية إضافية استهدفت ما سماه الجيش «مواقع إطلاق» صواريخ تحت الأرض. كما قصف «موقعاً للاستخبارات العسكرية» و«مواقع إطلاق صواريخ أرض - أرض» و«مجموعتين إرهابيين»، كما كتب الجيش في تغريدة على «تويتر» أوردتها الوكالة الفرنسية.
ورغم الدعوات الدولية لوقف التصعيد، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من أن جيشه سيلحق «انتكاسات خطيرة» بحركة «حماس الإرهابية». وقال «إنهم يدفعون وسيواصلون دفع الثمن غالياً. الأمر لم ينته بعد».
كانت الطائرات الإسرائيلية شنت فجر السبت هجوماً على منزل يعود لعائلة أبو حطب في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، أودى بحياة 8 أطفال وامرأتين. واحتاج رجال الإنقاذ وقتاً طويلاً لانتشالهم من تحت الركام في مشهد أدمى قلوب الفلسطينيين. وظهر علاء أبو حطب والد الأطفال وهو يقول إن الله سبحانه وتعالى ترك له رضيعه الصغير (7 شهور) بعدما فقد البقية (الزوجة و4 أطفال) في الضربة، فيما غالبته الدموع وهو يحاول تمالك نفسه ويردد «الحمد لله». والضحايا هم مريم علاء أبو حطب (15 عاماً)، وبلال علاء أبو حطب (10 أعوام)، ويوسف علاء أبو حطب (11 عاماً)، ويامن علاء أبو حطب (5 أعوام)، وياسمين محمد حسان (31 عاماً)، وعبد الرحمن محمد الحديدي (8 أعوام)، وصهيب محمد الحديدي (14 عاماً)، ويحيى محمد الحديدي (11 عاماً)، ومها محمد الحديدي (34 عاماً)، وأسامة محمد الحديدي (11 عاماً).
وقال محمد الحديدي، إن أطفاله «كانوا آمنين في منزلهم ولا يحملون سلاحاً، ولم يطلقوا صواريخ». وأضاف أن الأطفال قتلوا «فيما كانوا يرتدون ملابسهم الجديدة لمناسبة عيد الفطر».
وقصفت إسرائيل المنزل في ليلة مجنونة استهدفت فيها أيضاً مسجداً ومنازل ومؤسسات في قطاع غزة ومجمعاً حكومياً.
ودانت الرئاسة الفلسطينية «الجريمة البشعة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي، فجر يوم النكبة 15/5، التي راحت ضحيتها عائلة كاملة من أبناء شعبنا». وقالت إنها «جريمة لا يمكن السكوت عليها». وأضافت الرئاسة: «إن الحرب الإسرائيلية مستمرة على الشعب الفلسطيني منذ 73 عاماً، وآخر هذه الجرائم، إبادة عائلة أبو حطب بأطفالها ونسائها وشيوخها، تتحمل حكومة الاحتلال مسؤولية وتداعيات ذلك».
وأضافت الرئاسة: «إن أي دعوات بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها هي تحريض على استمرار القتل، وضوء أخضر للعدوان واستمرار عمليات التهجير وتدمير الممتلكات وتشريد المواطنين، وتشجيع للعنف والتطرف ضد الشعب الفلسطيني».
وجددت الرئاسة «التأكيد على ضرورة تدخل المجتمع الدولي وفي مقدمه مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية الدولية، لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي غاشم، والضغط على حكومة الاحتلال لوقف عدوانها بشكل فوري، والبدء بالعمل الجاد لإنهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية»، مشددة على أنه من دون دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية «لن يكون هناك سلام أو أمن لأحد».
وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن «هجمات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين ليست دفاعاً عن النفس، ومنع المصلين من الوصول على الأماكن المقدسة ليس حفاظاً على الأمن، وتهجير وتدمير بيوت المواطنين ليس سوى عدوان لا يمكن السكوت عليه».
وأضاف أن حملة التضامن الدولية الداعمة للهبة الفلسطينية في القدس، والرافضة للعدوان على غزة، «دليل واضح على عدالة وقوة قضية فلسطين وشعبها البطل الصامد».
وتابع أبو ردينة أن الشعب الفلسطيني وبعد 73 عاماً يملك العزيمة والإرادة نفسهما، وأن «أرض فلسطين هي أرض مقدسة ستحرق كل من يحاول مسها أو يعتدي أو يتآمر عليها».
وقال «إن ما يجري الآن من صمود وثبات ورفض للعدوان والاستسلام، هو بمثابة رسالة واضحة لإسرائيل والعالم بأسره، بأن هذه الجرائم المستمرة ستضر بمصالح المنطقة والعالم، وأنه لم يعد مقبولاً أن يبقى أحد في موقف المتفرج، فإما سلام يرضى عنه الشعب الفلسطيني أو لا سلام لأحد».
كما قال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، إن مجزرة الاحتلال في مخيم الشاطئ هي امتداد لمجازره التي نفذها في مناطق مختلفة من القطاع. وأكد هنية في تصريح أن ارتكاب الاحتلال المجزرة «ناتج عن عجزه وفشله، ويعكس حجم المأزق الذي يعيشه أمام عظمة المقاومة ومفاجآت رجالها الأوفياء».
وحمل هنية الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن استمرار استهداف المدنيين والآمنين، مؤكداً أن «المقاومة ستواصل الدفاع عن شعبها الأبي، وستلحق الهزيمة بجيش العدو وردعه عن الاستمرار في مجازره».
وقال المتحدث باسم الصحة الفلسطينية في غزة الطبيب أشرف القدرة، إن 12 عائلة فلسطينية خرجت من السجل المدني نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وبواقع «38 شهيداً». وأضاف القدرة: «هؤلاء الشهداء هم جزء من إجرام العدو الإسرائيلي، حيثُ ركز الاحتلال على المواطنين العزل».
وارتفع إلى أكثر من 140 عدد الذين قتلتهم إسرائيل في قطاع غزة منذ بدء العدوان الاثنين الماضي، بينهم 39 طفلاً و22 سيدة. وأعلنت الأمم المتحدة، أمس، نزوح نحو 10 آلاف فلسطيني جراء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. وجاء في بيان نشرته المنسقة الإنسانية الأممية، لين هاستينغز، أن «تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن نحو 10000 فلسطيني اضطروا إلى الرحيل عن منازلهم في غزة بسبب استمرار الأعمال القتالية».
وأضاف البيان: «يتخذ هؤلاء من المدارس والمساجد ومن أماكن أخرى مأوى لهم في ظل جائحة (كورونا) التي تعصف بالعالم، ولا تتيسر لهم سوى إمكانية محدودة للحصول على المياه والغذاء والخدمات الصحية». وتابع البيان أنه ينبغي للاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية السماح على الفور للأمم المتحدة وشركائها الإنسانيين بإدخال الوقود والغذاء واللوازم الطبية ونشر العاملين في المجال الإنساني، مؤكداً ضرورة «التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان».
وكررت هاستينغز الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة «لإنهاء التصعيد ووقف الأعمال القتالية في غزة وإسرائيل فوراً. لقد فقد عدد كبير جداً من المدنيين أرواحهم أو أصيبوا بجروح». ومع استمرار انقطاع الكهرباء في غزة، فتحت مصر، السبت، معبر رفح الحدودي مع القطاع للسماح بدخول عشر سيارات إسعاف تنقل فلسطينيين مصابين بجروح خطيرة لتلقي العلاج في مستشفيات مصرية، حسب مسؤولين طبيين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.