نتنياهو يستعيد قوته لتشكيل حكومة أو الذهاب لانتخابات خامسة

بنيامين نتنياهو في أحد مؤتمراته الصحافية (رويترز)
بنيامين نتنياهو في أحد مؤتمراته الصحافية (رويترز)
TT

نتنياهو يستعيد قوته لتشكيل حكومة أو الذهاب لانتخابات خامسة

بنيامين نتنياهو في أحد مؤتمراته الصحافية (رويترز)
بنيامين نتنياهو في أحد مؤتمراته الصحافية (رويترز)

في أعقاب انسحاب نفتالي بنيت، رئيس حزب «يمينا» من معسكر التغيير وإعلانه أن «الباب أغلق نهائياً أمام إمكانية تشكيل حكومة التغيير»، حقق رئيس الحكومة الانتقالية، بنيامين نتنياهو، هدفاً استراتيجياً في معركته السياسية، بشكل أكبر وأسرع من المتوقع، وعاد ليتصدر المشهد السياسي ويسعى لتشكيل حكومة برئاسته أو السعي لانتخابات جديدة.
ويحاول نتنياهو حالياً، بجانب حربه ضد حركة «حماس» في قطاع غزة، ترتيب أوراقه مع بنيت نفسه ومع رئيس حزب «اليهونية اليمينية»، بتسلئيل سموترتش، ليستطيع التكلم باسم كتلة يمين كبيرة من 59 نائباً. وعندها يخيرهما: إما أن تقنعوا غدعون ساعر بالانضمام إلينا أو تقبلوا بالشراكة في حكومة تدعمها كتلة القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية برئاسة النائب منصور عباس. فمن دون شراكة أحدهما، لن تقوم حكومة. وهو يفضل ضم كليهما معاً، حتى لا تكون حكومته متعلقة بأي حزب صغير. وإن لم ينجح في ذلك، فإنه سيتجه نحو انتخابات جديدة للمرة الخامسة. والانتخابات ستحتاج إلى نحو ثلاثة أو أربعة شهور تحضيراً، بالإضافة إلى شهرين لتشكيل حكومة جديدة، وفي كل هذا الوقت يبقى نتنياهو رئيساً للحكومة.
ويقول خصوم نتنياهو إنه يحقق بذلك مكسباً غير قليل. وربما سيتمكن من جر إسرائيل إلى انتخابات سادسة وسابعة أيضاً، حتى تستقر الأمور على حكومة قوية بقيادته أو إبقائها أزمة متواصلة تعينه على مواجهة محاكمته بتهم الفساد وحتى إجهاض هذه المحكمة. وكان بنيت قد صرح بأن «الاعتماد على القائمة الموحدة برئاسة منصور عبّاس لن تكون قادرة على التعامل مع أعمال الشغب والمواجهات في جميع أنحاء البلاد بين اليهود والعرب، إذ إن عباس سيتخذ قرارات تهدد وجودها تحت ضغط الشارع». وحسب موقع «واي نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن بنيت قال لشريكه في الجهود لإنهاء حكم نتنياهو، يائير لبيد، إن «الشأن الأمني أهم من الشأن المدني». كما أن بنيت اتصل مع عباس وأبلغه قراره معتذراً. وقال له إنه يواجه ضغوطاً غير طبيعية من ناخبيه ومن شركائه في قيادة حزب «يمينا».
وتبين أنه بعد أن خسر بنيت أحد نوابه، عميحاي شيكلي، الذي أعلن أنه ينوي التصويت ضد حكومة تستند إلى الحركة الإسلامية، وأصبح عدد نواب كتلته 6، هددته رفيقته في تأسيس «يمينا»، أييلت شكيد، بالتصويت ضد الحكومة. وقالت إن الأوضاع التي جعلتها تقف إلى جانبه في تشكيل حكومة مع اليسار والعرب تغيرت بعد الحرب في القدس ومع غزة، خصوصاً أن الصدامات بين اليهود والعرب تحتاج إلى قبضة حديدية مع المشاغبين العرب ومنصور عباس لن يوافق وسيقيد أيدي الحكومة.
وتبين أن شكيد، تدير في الأيام الأخيرة محادثات مع مبعوثي نتنياهو، وأنهم اقترحوا عليها الانضمام إلى مسار سياسي جديد مبني على الخطوات التالية: إقرار قانون انتخاب رئيس الحكومة بشكل مباشر، وإلغاء القانون الذي أقيمت بموجبه حكومة مع «كحول لفان» برئاسة بيني غانتس، وإقالة غانتس وأشكنازي من الحكومة وتعيين بنيت وزيراً للدفاع وشكيد وزيرة للخارجية، والتوجه إلى انتخابات جديدة فقط لرئاسة الحكومة، والتوقيع على تعهدات من حزب الليكود بأن يتم دمج حزب «يمينا» في حزب الليكود في الانتخابات المقبلتين خلال السنوات الثماني المقبلة، بحيث يضمن له سبعة مواقع في أول 30 موقعاً بالقائمة الانتخابية.
ومع أن بنيت لم يوافق بعد على هذه الشروط، لكنه وافق على المبدأ القائل إن تشكيل حكومة تغيير مع الحركة الإسلامية في هذه الظروف غير واقعي. وحسب مصدر مقرب منه، فإنه كان مضطراً لقبول هذا الرأي حتى لو أنه لم يقتنع به لأن أييلت شكيد كانت ستتركه. وسيدخل حكومة لبيد بخمسة نواب على الأكثر وربما يتركه آخرون. فكيف سيكون رئيس حكومة يستند إلى 5 نواب؟ وإذا كان لبيد سيقبل به بهذه القوة، فهل سيقبل به الرأي العام؟
ويتبين أن نتائج عدة استطلاعات رأي دلت على أن 25 في المائة فقط من مصوتي «يمينا» يؤيدون تشكيل حكومة مع اليسار والعرب، وأن 52 في المائة من هؤلاء المصوتين يفضلون الاتفاق مع نتنياهو والليكود. وأن «يمينا» ستخسر نصف قوتها في حال تم تقديم ووعد الانتخابات، وفي حالتها لن تتجاوز نسبة الحسم. وقد أسهم كل هذا في قراره الانسحاب من حكومة التغيير والانتظار للدخول في مفاوضات مع نتنياهو، مع العلم بأن الليكود يرى اليوم أن نتنياهو يجب أن يبقى رئيساً للحكومة، خصوصاً في ظل هذه الظروف، إذ ليس هناك قائد بقامته يدير الحرب مع «حماس»، التي قد تتطور وتتسع لتشمل حزب الله، في إشارة إلى أنه عندما كان لبيد وبنيت مجتمعين، أطلقت ثلاثة صواريخ من لبنان على إسرائيل، وقد سقطت في البحر ولكنها كانت تكفي لتعزيز مخاوف بنيت.
وقد صرح لبيد، من جهته، بالقول إنه سيواصل الجهود لتشكيل حكومة بديلة عن نتنياهو ولن يستسلم. وأضاف: «ما زال أمامنا 20 يوماً حتى تنتهي مدة تكليفي بتشكيل حكومة وسأستغلها حتى الرمق الأخير لإنجاح المهمة». وهو يبني على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية بسرعة وعودة الأوضاع إلى طبيعتها وبدء توجيه انتقادات صريحة لنتنياهو على فشله في إدارة الحرب وإدارة الصراع بين العرب واليهود. وفي الواقع، يستطيع لبيد تشكيل حكومة ذات أكثرية ضئيلة، لكنه في هذه الحالة يحتاج إلى دعم جميع النواب العرب، «القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة (6 نواب) والحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس (4 نواب)». ولدى لبيد يوجد حالياً، من دون بنيت، 17 مقعداً، وغانتس 8 مقاعد، وليبرمان والعمل 7 مقاعد لكل منهما، وميرتس وغدعون ساعر 6 مقاعد لكل منهما. المجموع: 61 نائباً. لكن هذا الرقم ليس مضموناً. فأولاً، ساعر غير متحمس لضم القائمة المشتركة. وفي القائمة المشتركة أيضاً لا يوجد اتفاق على شراكة. فيؤيدها أحمد الطيبي وأسامة السعدي فقط. أيمن عودة يؤيد ولكنه لا يستطيع إعطاء موافقة من دون الحزب وهناك توجد معارضة شديدة حتى الآن. وإن تغلبوا على هذه المعارضة فإن هناك نائباً عن حزب التجمع، سامي أبو شحادة، ينتمي إلى حزب يعارض هو الآخر الانضمام إلى الحكومة.
وفي هذه الظروف، يكون نتنياهو المستفيد الأكبر. ويستطيع أن يسجل لصالحه هدفاً استراتيجياً في معركته السياسية، من جراء الحرب العسكرية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟