تحقيق السلام... «معركة شاقة» تخوضها الحكومة الليبية المؤقتة

وسط تخوفات من عدم قدرتها على إجراء الانتخابات في موعدها

عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة (أ.ب)
عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة (أ.ب)
TT

تحقيق السلام... «معركة شاقة» تخوضها الحكومة الليبية المؤقتة

عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة (أ.ب)
عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة (أ.ب)

عزز تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» في ليبيا آمالاً عريضة في عبور هذه الدولة، التي مزقتها الحرب، منعطفاً باتجاه السلام، لكن محللين يحذرون من أن العقبات الرئيسية لا تزال قائمة، وأبرزها وجود آلاف «المرتزقة» الأجانب، في حين الفصائل السياسية منقسمة بشدة، كما يبدو أن الأمل بإجراء انتخابات في ديسمبر (كانون الأول) بات ضعيفاً.
يقول المحلل عماد الدين بادي «انقضت فترة شهر العسل في حكومة الوحدة الوطنية منذ وقت طويل». وأدت الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي، وقتله في انتفاضة عام 2011، التي دعمها حلف شمال الأطلسي إلى إغراق ليبيا في صراع دموي على السلطة استمر عقدا. وبعد معركة شرسة دامت عاما للسيطرة على العاصمة طرابلس، التي حظيت فيها المعسكرات المتناحرة بدعم قوى أجنبية، أدت هدنة الصيف الماضي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) .
وأعقب ذلك في مارس (آذار) الماضي تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية»، لتحلّ مكان الإدارتين المتنافستين في الشرق والغرب. وكُلفت إدارة رئيس الوزراء المؤقت، عبد الحميد الدبيبة، توحيد المؤسسات الليبية، والتحضير لانتخابات 24 ديسمبر. لكن رغم موجة التفاؤل النادرة، بدأت الصراعات المتجذّرة في ليبيا تعود إلى الظهور.
يقول المحلل السياسي الليبي عماد جلول «بعد انفراج غير مسبوق على المستوى السياسي خلال الشهرين الماضيين، وولادة سلطة سياسية موحدة، دخلنا مرحلة شك جديدة، وطفت الخلافات مجدداً بين الشرق (بنغازي) والغرب (طرابلس)».
والأسبوع الماضي نظم عشرات المسلحين استعراض قوة، بعد اقتحام فندق يستخدم كمقر عام للمجلس الرئاسي الليبي في طرابلس. وجاء ذلك، بحسب الصحافة المحلية، رداً على دعوة وجّهتها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش لانسحاب «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب المتمركزين في البلاد، بمن فيهم القوات التركية.
ولعب الدعم التركي لحكومة «الوفاق» السابقة دوراً بارزاً في إفشال هجوم المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، في أبريل (نيسان) 2019 في محاولة للسيطرة على طرابلس. وأرسلت تركيا طائرات مسيّرة، ومدربين ومستشارين عسكريين باتوا يدرّبون تلاميذ ضباط، وذلك في إطار التعاون المكثّف بين الطرفين. ومنذ ذلك الحين، دعا مجلس الأمن الدولي إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية و«المرتزقة»، الذين يقدر عددهم بنحو 20 ألفاً.
ويتوزع المقاتلون الأجانب على مجموعات عدة، وهم من جنسيات مختلفة: روس من مجموعة «فاغنر» الخاصة المرتبطة بالكرملين، وتشاديون وسودانيون، بالإضافة إلى سوريين مدعومين من أنقرة، وجنود أتراك منتشرين بموجب اتفاق ثنائي مع الحكومة السابقة في طرابلس.
وواجهت وزيرة الخارجية الليبية، المتحدّرة من بنغازي (شرق)، سيلاً من الانتقادات في طرابلس، ودعوات كثيرة لتقديم استقالتها، بعدما دعت مطلع مايو (أيار) تركيا إلى «التعاون في إنهاء تواجد جميع القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا». وفي حين أحرزت جهود الوساطة، التي تقودها الأمم المتحدة تقدماً «من الواضح أن المسار الأمني لم يلحق بالمسار السياسي»، كما كتب بادي في تغريدة على «تويتر»، بعد اقتحام مقر المجلس الرئاسي.
وأحد العوامل الرئيسية هو اعتماد الدبيبة على «المحاصصة» لتقاسم السلطة. وأضاف بادي، أن سبب التوترات الأخيرة هو «شعور بعض الفصائل المسلحة في غرب ليبيا بأن خصومها سيتمكنون تحت غطاء (المحاصصة) من أن يحققوا في السلم ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب».
ولم يكن حادث المجلس الرئاسي الأسبوع الماضي هو العثرة الأولى في مسيرة السلام. ففي أواخر أبريل (نيسان) الماضي أعلنت حكومة «الوحدة الوطنية» إرجاء أول زيارة لها إلى بنغازي، كبرى مدن شرق البلاد، في خطوة أتت بُعيد منع سلطات مطار المدينة مسؤولين أمنيين تابعين للحكومة من تولّي الترتيبات الأمنية للزيارة. ورغم أن حكومة الدبيبة تبسط سيطرتها من الناحية النظرية على كل أنحاء ليبيا، ما زالت قوات «الجيش الوطني» تسيطر على الشرق وجزء من الجنوب.
وقال المحلل عماد جلول «باعتقادي أن الحكومة التي اختيرت ضعيفة جداً، وفرصة نجاحها في الوصول بليبيا إلى الانتخابات بعد أقل من سبعة أشهر، ضئيلة جداً، وتحتاج إلى معجزة»، مبرزاً أن البرلمان ومجلس الدولة «لم يتوصلا حتى الآن إلى قاعدة دستورية تمهد للانتخابات. وفي حال فشل ذلك خلال شهر يونيو (حزيران) المقبل، أعتقد أن الأمور ستتعقد وموعد الانتخابات سيظل في مهب الريح».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.