باريس تراهن على ورقة العقوبات الأوروبية لإنجاح مبادرتها اللبنانية

مساعيها مستمرة «وفق منهج مختلف»

TT

باريس تراهن على ورقة العقوبات الأوروبية لإنجاح مبادرتها اللبنانية

بخلاف التأكيدات القائلة إن باريس تخلت عن مبادرتها في لبنان، وإن وزير الخارجية جان إيف لو دريان «دفنها» في بيروت، خلال لقاءات قصيرة جداً وصفت بـ«البروتوكولية» مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي ورئيس الوزراء المكلف بعيداً عن أي مسعى توفيقي لردم الهوة بين الأطراف السياسية المتناحرة التي حالت دون تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي أعاقت مهمة إنقاذ البلاد من مزيد من التدهور، فإن مصادر فرنسية تقول العكس، وتؤكد أن فرنسا «لم تتخلَّ» عن لبنان، وما زالت ماضية في متابعة أوضاعه، ولكن «وفق منهج مختلف» عما طرحته في مرحلة أولى.
والمقصود أن باريس التي فقدت صبرها إزاء طبقة سياسية تدفع لبنان إلى «الانتحار»، وفق كلمة لو دريان في بيروت، عمدت -في خطوة أولى- إلى فرض قيود على دخول سياسيين إلى أراضيها، إن بسبب إعاقتهم تشكيل الحكومة أو بسبب فسادهم. وعلى الرغم من أن الجانب الفرنسي لم يكشف عن الأسماء المعنية لأسباب «تكتيكية»، بحيث يبقى سيف العقوبات مسلطاً على الأطراف كافة، فإنها مستمرة في السعي لتغليظ هراوة العقوبات، وذلك عن طريقين: فرض عقوبات إضافية من جهة، والاستمرار من جهة أخرى في دفع جهود الاتحاد الأوروبي إلى الأمام من أجل التوافق على عقوبات أوروبية جماعية، على الرغم من التردد الذي أبدته بعض الأطراف داخل الاتحاد.
وأمس، أكدت الخارجية الفرنسية، في سياق مؤتمرها الصحافي الإلكتروني، إنه إذا استمرت العراقيل الحائلة دون ولادة الحكومة العتيدة، فإن العقوبات على المستوى الفرنسي «سوف تشدد وتتسع». واستعادت الناطقة باسم الخارجية تصريحات «وزير» الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل، عقب اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل أول من أمس، مشيرة إلى أن الاتحاد «يعمل على (بلورة) الأدوات التي تمكنه في ممارسة ضغوط (إفرادية) على المسؤولين اللبنانيين الذين يعيقون الخروج من الطريق المسدود الراهن».
وللتذكير، فإن بوريل أعلن ما حرفيته: «نحن نعمل على (سياسة) العصا والجزرة، وكل الخيارات تخضع للبحث من أجل ممارسة الضغوط على أطراف الطبقة السياسية التي تمنع الخروج من المأزق». وأضاف أن الوزير لو دريان الذي بقي في بيروت يومين الأسبوع الماضي «أطلع (نظراءه) على الأوضاع» في لبنان، وهو ما كان قد أشار إليه خلال لقائه الصحافي في العاصمة اللبنانية قبل مغادرتها عائداً إلى باريس.
وتشير أوساط متابعة للجهود الفرنسية أن في جعبة باريس الكثير مما هي قادرة على القيام به من الناحية «التقنية»، كتشديد الخناق على السياسيين الذين تحملهم مسؤولية الإطاحة بمبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون، وبالجهود الكبيرة التي بذلتها فرنسا منذ انفجاري مرفأ بيروت. وتعد هذه الأوساط أن «المعضلة ليست تقنية، بل سياسية». فباريس ما زالت تعد أن التلويح بالعقوبات إذا أصبحت جماعية، إن على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل أو على مستوى عدة بلدان أوروبية معنية بالملف اللبناني، في حال استمرت الصعوبات في التوصل إلى الإجماع المطلوب، من شأنها أن تشكل ورقة ضاغطة موجعة للسياسيين الذين قد يقع عليهم سيف العقوبات.
وبحسب مصرفي واسع الاطلاع، فإن فرض عقوبات مثل تجميد الأرصدة والممتلكات (شقق، منازل،... إلخ» في بلد أوروبي من شأنه أن يغلق أبواب المصارف الأوروبية كلها بوجه الأشخاص المعنيين، ويفتح في المقابل بوجههم أبواب المساءلة المفضية إلى المحاكم، ومنها الفرنسية. وعلى سبيل المثال، فإن قانون «الممتلكات غير المشروعة» المعمول به في فرنسا الذي طال كثيراً من السياسيين الأفارقة يمكن أن يطبق في حالة السياسيين اللبنانيين، كما طبق بحق نائب الرئيس السوري الأسبق رفعت الأسد الذي جمدت أرصدته وممتلكاته الفرنسية كافة. يضاف إلى ذلك أن وضع اسم سياسي لبناني على ما يمكن تسميته «اللائحة السوداء» يعني «إحراقه»، وصعوبة إخراجه منها. كذلك فإن إغلاق أبواب أوروبا أمام السياسيين المعنيين، إن تعطيلاً أو فساداً، سوف يعطل مستقبلهم السياسي، ويسد في وجههم فرص الوصول إلى الحقائب الوزارية أو أي منصب رسمي يتطلب التعامل مع الخارج.
بيد أن الوصول إلى هذه المرحلة يفترض العبور من التهديد إلى التنفيذ. وحتى اليوم، لم يتم التعرف على الأساس القانوني الذي يمكن الركون إليه لفرض عقوبات على سياسيين بحجة «تعطيل» تشكيل حكومة. فإذا كانت تهمة «الفساد» تعد جريمة يعاقب عليها القانون، فإن «تعطيل ولادة حكومة» يدخل في باب العمل السياسي، ولذا يتعين على الفرنسيين والأوروبيين البحث عن شيء ينهض على أساس قانوني، ولا يمكن دحضه أمام المحاكم «الوطنية» أو الأوروبية. ومن هنا، فإن المناقشات الدائرة داخل الاتحاد الأوروبي التي بدأت في 23 مارس (آذار) الماضي يمكن أن تمتد لأسابيع إضافية، قبل أن ترسو على تفاهمات قابلة للتنفيذ.
يبقى أن باريس التي غيرت مقاربتها تستخدم ورقة موازية للعقوبات، وهي الدفع لبروز نخب سياسية جديدة، وهذا معنى لقاء لو دريان المطول مع منظمات من المجتمع المدني وشخصيات حزبية معارضة، ورهانه على الانتخابات المقبلة لولادتها. والحال أن هذا الرهان، كما تعترف مصادر سياسية في باريس، محفوف بالمخاطر بسبب التركيبة السياسية اللبنانية الطائفية - الحزبية، وقدرة الأحزاب الممسكة بالوضع على إعادة إنتاج نفسها، كما فعلت منذ استقلال لبنان. والخلاصة أن رهاني باريس «أي العقوبات والانتخابات» صائبان نظرياً، لكن إشكالية التنفيذ موضوع مختلف. وفي أي حال، فإن مصير الأزمة اللبنانية لا يمكن فصله عن التطورات الإقليمية، وحصره بخلافات السياسيين الداخلية لا يكفي للخروج من الأزمة.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.