عون يطيح مبادرة بري بذريعة تحالفه مع الحريري

TT

عون يطيح مبادرة بري بذريعة تحالفه مع الحريري

يقف لبنان على فوّهة انفجار اجتماعي شامل بعد أن أخذ الجوع يدق أبواب اللبنانيين من غير الذين يصنّفون على خانة العائلات الأكثر فقراً وأُدرجوا على لائحة الانتظار للحصول على البطاقة التموينية التي لن تكون في متناول اليد في المدى المنظور للإفادة منها فور إقرار الخطة الرامية إلى ترشيد الدعم بسبب تعثّر تأمين التمويل المالي كشرط لسريان مفعولها نظراً لوجود صعوبة في تمويلها مما تبقى من الاحتياطي لدى مصرف لبنان وتحديداً من أموال المودعين.
ومع أن الانفجار الاجتماعي بات وشيكاً في ظل غياب حكومة تصريف الأعمال عن المشهد السياسي متلازماً هذه المرة مع انكفاء المنظومة السياسية عن القيام بما هو مطلوب منها لإخراج لبنان من التأزم القاتل الذي يحاصره، فإنها أوقعته في «عتمة سياسية» كانت وراء تراجع الآمال المعقودة على المبادرة الفرنسية لإنقاذه ووقف انهياره الشامل الذي بات وشيكاً رغم أن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان لا يزال يؤكد أن المبادرة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، لم تمُتْ بخلاف الاعتقاد الراسخ بأنها سُحبت من التداول استناداً إلى الأجواء التي سادت اجتماعاته في بيروت.
فالوزير لودريان تصرّف -كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»- بشكل غير لائق عندما نعى المبادرة الفرنسية من خلال عدم إدراجه أزمة تشكيل الحكومة على جدول أعمال لقاءاته وانصرف للبحث عن بديل يتمثّل في اللقاءات التي عقدها في قصر الصنوبر مع ممثلين عن أحزاب ومؤسسات عاملة في المجتمع المدني، داعياً إياها إلى الاستعداد لخوض الانتخابات النيابية في ربيع 2022 بذريعة أن الفرصة مواتية لإعادة إنتاج سلطة جديدة غير المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية الحالية.
ويكشف رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه أن الرئيس المكلف سعد الحريري، كما أبلغ رؤساء الحكومات السابقين، صارح لودريان عندما التقاه في قصر الصنوبر بسؤاله: كيف يساوي بين مَن يسهّل ولادة الحكومة وبين مَن يعيق تشكيلها ويضع الجميع في سلة واحدة، مع أنه قدّم كل التسهيلات لإنجاح المبادرة الفرنسية لأنه على قناعة بأنها تعبّد الطريق لإنقاذ لبنان بخلاف من أقفل الباب في وجه المرونة التي أبداها والتضحيات التي قدّمها؟
لكن لودريان آثر عدم التعليق لأنه -حسب قول رئيس الحكومة السابق- جاء لتسويق رهانه على المجتمع المدني لإحداث تغيير يؤدي إلى إنتاج سلطة جديدة، مضيفاً أنه أخرج نفسه من المبادرة الفرنسية بشكل غير لائق ودخل على الحراك المدني بصورة غير صحيحة، وإلا كيف يصرف إصراره على أن المبادرة ما زالت قائمة وباقية على الطاولة، فيما أحجم عن الحديث عن الأزمة الحكومية؟
لذلك، فإن لبنان يدخل حالياً -كما يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط»- في أزمة سياسية مديدة غير مسبوقة تتلازم هذه المرة مع وقوفه على حافة الانفجار الشامل بعد أن أتى الانهيار على معالم الدولة التي تحوّلت إلى أنقاض من دون أن يحرّك رئيس الجمهورية ميشال عون، ساكناً لتدارك هذا الانفجار، مكتفياً بمواقف إعلامية «مدعومة بوعود معسولة»، وهذا ما برز جلياً من خلال الاجتماع الأمني الذي رعاه فور إعلان المملكة العربية السعودية عدم السماح للخضراوات والفواكه القادمة من لبنان بدخول أراضيها بعد ضبط شحنة الرمّان الملغومة بكمية من حبوب الكبتاغون المخدّرة.
ويؤكد المصدر النيابي أن التدابير والإجراءات لوقف تهريب المخدرات إلى السعودية لا تفي بالغرض المطلوب ما لم تشمل ضبط المعابر الشرعية التي تربط لبنان بسوريا قبل المعابر غير الشرعية لتجفيف «المنابع» المنتجة للكبتاغون ووقف توريدها إلى السعودية وغيرها من الدول لأنها «هدايا مسمومة»، إضافة إلى ضرورة ترسيم الحدود بين البلدين العالق على رفض النظام في سوريا حتى إشعار آخر الدخول في مفاوضات مع لبنان لترسيمها بدءاً بالمناطق المتداخلة التي تُستخدم كممرات آمنة للتهريب.
ويتوقف المصدر نفسه أمام البيان الذي صدر أخيراً عن المكتب السياسي لحركة «أمل» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويقول إن ما ورد فيه يشكّل هجوماً كهربائياً وقضائياً وسياسياً على عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من دون أن يأتي على ذكرهما بالاسم، ويقول إن اللافت للانتباه في البيان تأكيد إجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها في ربيع 2022، متهماً الحكم والحكومة بخرق الدستور بامتناعهما عن إجراء الانتخابات النيابية الفرعية لملء الشغور الناجم عن استقالة 8 نواب من البرلمان بعد الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت ووفاة اثنين من أعضائه.
ويرى أن الإصرار على إجراء الانتخابات يكمن، وبناءً على توجيهات الرئيس بري، في تمرير رسالة إلى المجتمع الدولي وتحديداً إلى باريس بأنْ لا مجال لتأجيلها في ضوء إصرار لودريان على إنجازها في موعدها، وأخرى إلى الداخل في لبنان لقطع الطريق على ما أخذ يُشيعه الفريق السياسي المحسوب على عون بأن التمديد للبرلمان يجب أن ينسحب على التمديد لرئيس الجمهورية لمنع حصول فراغ في سدة الرئاسة الأولى.
ويلفت إلى أن الإصرار على إنجازها مهما كانت الاعتبارات لتبرير تأجيلها يكمن في عدم تكرار التجربة المأساوية عندما تصدى عون للنواب ومنعهم من انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل، ولم يفرج عن تسليمه الشرعية لخلفه الرئيس الراحل الياس الهراوي إلا بعد أن أُخرج من بعبدا بعملية عسكرية قامت بها الوحدات العسكرية السورية.
ويؤكد المصدر نفسه أن المجلس النيابي المنتخب هو من سينتخب رئيس الجمهورية الجديد خلفاً لعون. ويقول إن «أمل» أرادت منذ الآن تمرير رسالة تحت عنوان وحيد بعدم التمديد قسراً لعون الذي يتشبث حالياً مع بري على خلفية التفافه على مبادرته لإنقاذ المبادرة الفرنسية وإصراره على الثلث المعطل، وبالتالي فإن لا مكان لما يتردد من حين لآخر بأن بري يتولى التوسُّط بين عون والحريري لإعادة التواصل الذي انقطع وعطّل تشكيل الحكومة.
ويعزو السبب إلى أن العائق هو عون شخصياً ومن خلال باسيل الذي يمسك بزمام المبادرة بعد أن أخلى له عمه الساحة في محاولة لإعادة تعويم نفسه بعد العقوبات الأميركية التي استهدفته، ويقول إن «حزب الله» لم ينجح في تنقية الأجواء بين حليفيه ما دام عون ينظر إلى بري على أنه ليس وسيطاً ويتهمه بالوقوف إلى جانب الحريري، وإلا لكان الأخير مضطراً للاعتذار عن تشكيل الحكومة.
وعليه، فإن لبنان يغرق في «عتمة سياسية» بعد أن قرر لودريان تعليق العمل بالمبادرة الفرنسية، رافضاً «اتهامه» بأنه حضر خصيصاً لسحبها من التداول إن لم تكن أصبحت من الماضي ما لم تؤمّن لها رافعة دولية تمكّنها من فرضها على المنظومة السياسية كأمر واقع.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.