محاولات أفريقية لتحريك «مفاوضات السد»

السيسي أبلغ تشيسيكيدي رفض مصر «المساس بأمنها المائي»

السيسي ونظيره الكونغولي (الرئاسة المصرية)
السيسي ونظيره الكونغولي (الرئاسة المصرية)
TT

محاولات أفريقية لتحريك «مفاوضات السد»

السيسي ونظيره الكونغولي (الرئاسة المصرية)
السيسي ونظيره الكونغولي (الرئاسة المصرية)

أبدت مصر تمسكها بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن «سد النهضة» الإثيوبي، وسط محاولات للاتحاد الأفريقي لاستعادة زمام المبادرة، وعقد قمة ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، بهدف تحريك المفاوضات. وتنظر القاهرة للسد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل بصفته «تهديداً وجودياً» لها، فيما تخشى الخرطوم أن يؤثر السد الإثيوبي على عمل سدودها، ويُصرا على إبرام اتفاق ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد. ويسعى الاتحاد الأفريقي الذي يرعى مفاوضات متعثرة بين الدول الثلاث منذ يوليو (تموز) العام الماضي إلى تخفيف حدة التوتر، في ظل إعلان إثيوبيا عزمها تنفيذ عملية ملء ثانٍ للخزان في يوليو (تموز) المقبل، بصرف النظر عن التوصل إلى اتفاق، وهو إجراء حذرت منه مصر والسودان.
وأبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الكونغولي، فيليكس تشيسيكيدي، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي أن مصر «لن تقبل بالمساس بأمنها المائي، وبالتالي ضرورة التوصل إلى الاتفاق القانوني الملزم المنشود الذي يحافظ على حقوق مصر المائية، ويجنب المنطقة مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار».
وزار رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية القاهرة مساء أول من أمس، بعد زيارة مماثلة للخرطوم، بهدف استئناف المفاوضات. ووفق بيان رئاسي مصري، فإن الرئيس السيسي أعرب عن تقدير بلاده لـ«جهود الرئيس الكونغولي، والثقة في قدرته على التعامل مع ملف (سد النهضة)، وحرصها (مصر) على دعم تلك الجهود، في إطار المسار التفاوضي برعاية الكونغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ومشاركة الشركاء الدوليين، بهدف الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد عملية الملء والتشغيل لـ(سد النهضة)».
وشهد اللقاء الذي استضافه قصر الاتحادية (شرق القاهرة) مباحثات منفردة، أعقبتها مباحثات موسعة بين وفدي البلدين، بحضور سامح شكري وزير الخارجية، ومحمد عبد العاطي وزير الموارد المائية، وعباس كامل رئيس المخابرات العامة.
وشدد السيسي على أن «مصر لن تقبل بالمساس بأمنها المائي، وبالتالي ضرورة التوصل إلى الاتفاق القانوني الملزم المنشود الذي يحافظ على حقوق مصر المائية، ويجنب المنطقة مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار». ونقل المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية عن تشيسيكيدي «تقدير بلاده الكبير لعلاقاتها التاريخية الممتدة المتميزة مع مصر، خاصة في ضوء الدور المحوري الذي تضطلع به مصر إقليمياً على صعيد صون السلم والأمن».
وأكد تشيسيكيدي حرصه خلال المرحلة الراهنة على تكثيف التنسيق بشأن هذه القضية الحساسة لمساعدة الأطراف كافة على تحقيق تقدم في المفاوضات الثلاثية ذات الصلة، مشيداً في هذا الصدد بالجهد الكبير الذي تبذله مصر سعياً إلى التوصل إلى اتفاق عادل متوازن حول «سد النهضة» يراعي مصالح الدول الثلاث.
ومطلع شهر أبريل (نيسان) الماضي، استضافت جمهورية الكونغو الديمقراطية جولة مفاوضات بين وزراء الخارجية والري بالدول الثلاث، لكنها أخفقت في التوصل إلى أي اتفاق. وأعلنت إثيوبيا أنها ستواصل تعبئة السد العام الحالي، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا. وبحسب إثيوبيا، فإن السد الكهرومائي حيوي لتلبية احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، لكن دولتي المصب مصر والسودان تخشيان تأثير السد الإثيوبي على سدودهما، وعلى مواردهما المائية.
ويعتقد الدكتور هاني رسلان، الخبير في الشأن الأفريقي، أن مبادرة الاتحاد الأفريقي الراهنة لاستئناف المفاوضات ما هي إلا «تحرك إجرائي»، عبر الدعوة لعقد قمة بين رؤساء الدول الثلاث أو رؤساء الحكومات لإعطاء دفعة للمفاوضات، وإذا لم يكن هناك توافق مسبق على تقدم حقيقي نحو اتفاق شامل ملزم، فإن مثل هذه الاجتماعات ستكون «مجرد تضييع وقت لصالح إثيوبيا».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».