عقبات رئيسية تحول دون بلوغ اتفاق سريع في مسار فيينا

المدير السياسي لدائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا يغادر بعد اجتماع ثنائي حول البرنامج الإيراني في فيينا(إ.ب.أ)
المدير السياسي لدائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا يغادر بعد اجتماع ثنائي حول البرنامج الإيراني في فيينا(إ.ب.أ)
TT

عقبات رئيسية تحول دون بلوغ اتفاق سريع في مسار فيينا

المدير السياسي لدائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا يغادر بعد اجتماع ثنائي حول البرنامج الإيراني في فيينا(إ.ب.أ)
المدير السياسي لدائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا يغادر بعد اجتماع ثنائي حول البرنامج الإيراني في فيينا(إ.ب.أ)

مع انطلاق الجولة الرابعة من محادثات فيينا لعودة إيران والولايات المتحدة للالتزام مجددا بمقتضيات الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 ترى مصادر أوروبية في باريس أن الأمور ولجت مرحلة «بالغة الحساسية»، لأنها انتقلت من مرحلة تحديد المبادئ إلى مرحلة معالجة المسائل العملية بالغة التعقيد، بحيث يتعين على كل طرف أن يطرح أوراقه بوضوح، ويبين ما يستطيع قبوله أو يتوجب عليه رفضه.
وكالعادة، يسعى الطرف الإيراني، أكان في فيينا أو في طهران، للضغط على المفاوضات غير المباشرة من أجل التسريع في التوصل إلى اتفاق ترفع بموجبه العقوبات الأميركية وتمكن الرئيس حسن روحاني من إبراز نجاح سياساته بحسب التصريحات التي أدلى بها أول من أمس.
وتتشكل الأوراق الإيرانية الضاغطة اليوم، بحسب المصادر المشار إليها، من سلة تتداخل فيها الضغوط الميدانية كالاحتكاكات الأخيرة بين قوارب سريعة إيرانية وقطع بحرية أميركية في مياه الخليج، أو في تواصل استهداف المواقع الأميركية في العراق من قبل ميليشيات تدعمها طهران. وشقها الآخر، تسريع البرنامج النووي لجهة الاستمرار في التخصيب بنسبة 60 في المائة، ونصب المزيد من الطاردات المركزية الحديثة «آي آر 4 وآي آر 6» التي تمكن طهران من مراكمة اليورانيوم المخصب بنسبة عالية، والاقتراب بخطوات واثقة من الكمية المطلوبة لإنتاج أول قنبلة نووية. يضاف إلى ذلك، استمرار التهديد بوقف المفاوضات إذا كان الغرض منها «استنزاف» الفريق الإيراني والتعطيل مع التذكير بأن استحقاق الانتخابات الرئاسية أصبح على الأبواب ويتعين على الغربيين الإسراع إذا رغبوا باستبعاد فريق جديد أكثر تشددا. وأخيرا، يمسك الإيرانيون بورقة جديدة - قديمة مزدوجة: من جهة، انتهاء الاتفاق بين طهران ومدير الوكالة الدولية للطاقة النووي الذي ينتهي مفعوله في العشرين من الشهر الجاري وإذا حل التاريخ المذكور من غير التوصل إلى اتفاق، فإن طهران ستعمد إلى تدمير أشرطة فيديو المراقبة المنشورة في عدد من المواقع النووية ومنها نطنز بحيث ستجهل الوكالة الدولية ما حصل في الأشهر الثلاثة المنقضية. ومن جهة ثانية، تفعيل شامل لوقف العمل بالبروتوكول الإضافي ووقف الأنشطة الإضافية للتحقق الذي قبلت إيران العمل بموجبه ما سيترك لها الحبل على الغارب بعيدا عن أعين الوكالة المذكورة.
وبينما يبدو الطرف الإيراني مستعجلا للوصول إلى اتفاق بحيث يبشر الرئيس روحاني مرة تلو الأخرى، بأنه بات قريبا، فإن الطرف الأميركي «يتمهل»، والدليل تصريحات المسؤولين في الـ48 ساعة الماضية. ومثالا على ذلك، عد الوزير أنتوني بلينكن في تصريحات صحافية أنه «لا يزال أمامنا طريق طويل وعلينا أن نرى ما إذا كانت إيران مستعدة وقادرة على اتخاذ القرارات اللازمة للعودة إلى الاتفاق». يضاف إلى ذلك أن واشنطن تخطت عقبة الانتخابات الرئاسية في إيران بقول بلينكن نفسه إن «صاحب القرار في النظام الإيراني هو المرشد أي الشخص الذي عليه اتخاذ القرارات الأساسية». وبكلام آخر، لن يحصل تغير في السياسة الإيرانية جرت الانتخابات أو لم تجر لأن صاحب القرار سيبقى في موقعه.
بيد أن هذه التعقيدات مردها وجود «هوة» واسعة بين مواقف إيران من جهة، والغربيين من جهة أخرى، وتضارب التوقعات. فالجانب الإيراني لا يكتفي بطلب رفع العقوبات كلها، أكانت المتعلقة بالملف النووي أو تلك التي فرضت خارجه، بل يريد أيضا ضمانات صلبة تمنع الولايات المتحدة لاحقا من الخروج من الاتفاق مجددا، واللجوء إلى فرض عقوبات مختلفة على غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترمب.
وفي أي حال، فإن أعضاء جمهوريين في الكونغرس الأميركي يهددون أنه في حال وصول رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض في العام 2025، فإن العقوبات ستفرض مجددا. يضاف إلى ذلك، أن ما قبلته واشنطن حتى الآن، وفق تسريبات عديدة جاء بها في الساعات الأخيرة موقع «أكسيوس» الإخباري وقناة «تي في برس» الإيرانية الناطقة بالإنجليزية، هو «تعليق» العقوبات وليس رفعها بشكل نهائي وكامل كما تطالب طهران. ووفق تقارير جديدة، فإن الطرف الأميركي ما زال متمسكا برفض رفع العقوبات بخصوص المسائل المتعلقة بالإرهاب، كما أنه يرفض أيضا رفعها عن عدد من الكيانات والشخصيات الإيرانية أبرزها مكتب «المرشد» علي خامنئي. وما خرج إلى العلن مؤخرا الخلاف بصدد أجهزة الطرد المركزي المتطورة(آي آر 4، آي آر 6، آي آر 9) التي نشرتها طهران والتي يطالب الغربيون بتدميرها بينما يتذرع المفاوض الإيراني بأن اتفاق العام 2015 ينص على تخزينها تحت رقابة المفتشين الدوليين وليس إخراجها من إيران أو تدميرها. والمعلومات التي توافرت للموقعين الأميركي والإيراني المشار إليهما سابقا بشأن مصير هذه الطاردات من الجيل الجديد متطابقة.
يبدو الخلاف حول هذه الطاردات أساسيا ويمكن أن يشكل عائقا يحول دون التوصل إلى تفاهم. ذلك أن بقاءها بأيدي الإيرانيين يعني تمكينهم من تقصير المسافة الزمنية التي يحتاجون إليها للتوصل إلى إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج السلاح النووي. ووفق ما تسرب، فإن الغربيين مصرّون على ألا تقل الفترة الزمنية الفاصلة عن عام. يضاف إلى ذلك المخاوف الغربية من الخبرات التكنولوجية والنووية التي تمكنت منها طهران في الأشهر المنقضية، منذ أن بدأت بالتحلل من الاتفاق النووي في ربيع العام 2019، وبالتالي فإن الغربيين يعتبرون أن الاتفاق «القديم» لم يعد صالحا كما وقع عليه، ويتعين بالتالي تحديثه، وهو ما أشار إليه، في أكثر من مناسبة، رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية.
وفي أي حال، فإن ضغوطا شديدة تمارس على إدارة الرئيس بايدن إن كان من داخل الكونغرس أو من مجموعات الضغط داخل الولايات المتحدة أو من حلفاء واشنطن في الإقليم لدفعه للتمسك بما وعد به وذلك قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وتحديدا تحسين الاتفاق من جهة وضبط البرنامج الباليستي الإيراني وسياسة طهران الإقليمية المزعزعة للاستقرار من جهة أخرى، فضلا عن مسألتي الإرهاب وحقوق الإنسان.
ولذا، فإن واشنطن متمسكة حتى اليوم برفع تدريجي للعقوبات مقابل خطوات إيرانية يمكن التحقق منها والإبقاء على عدد من العقوبات كوسيلة ضغط من أجل إلزام طهران على التفاوض بخصوص الملفات الرديفة. ثمة قناعة تقول إن رفع العقوبات كلها يعني أن الإدارة الأميركية قد تخلت عن الورقة الرابحة في جعبتها، وأن طرحها مبكرا سيعني افتقارها لاحقا لأسلحة دبلوماسية واقتصادية قادرة على التأثير على الأداء الإيراني. لكن السؤال الذي تطرحه المقاربة الأميركية يتناول معرفة ما إذا كانت العقوبات المتبقية ذات وزن إذا مكنت إيران من تصدير نفطها مجددا والعودة إلى الدورة المالية الدولية عبر بنوكها وحصلت على أموالها المجمدة في الخارج والمقدرة بالمليارات بفعل العقوبات وإبرام الصفقات التجارية والشراكات الاقتصادية المختلفة.



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.