الصحافيون العراقيون غاضبون من استمرار مسلسل استهدافهم

هددوا بمقاطعة نشاطات السياسيين في مظاهرة حاشدة وسط العاصمة بغداد

الصحافيون العراقيون غاضبون من استمرار مسلسل استهدافهم
TT

الصحافيون العراقيون غاضبون من استمرار مسلسل استهدافهم

الصحافيون العراقيون غاضبون من استمرار مسلسل استهدافهم

موجة من الغضب والاستياء، اجتاحت الوسط الصحافي في العراق، إثر استمرار مسلسل الاعتداء عليهم بالضرب أو الشتائم أو منعهم من ممارسة مهامهم الإعلامية من قبل المؤسسات الحكومية وحمايات المسؤولين الكبار، لأسباب شتى، كان آخرها الاعتداء بالضرب المبرح على مجموعة من الإعلاميين وهم يحاولون تغطية مؤتمر صحافي داخل المنطقة الخضراء ببغداد، بعضهم بحالة خطرة، الأمر الذي استنكره إعلاميون وأكاديميون في مظاهرة كبيرة نظموها صباح أمس (الخميس) في ساحة التحرير وسط العاصمة، مطالبين بوضع حد لتلك الممارسات ومقاضاة المعتدين.
المفارقة التي زادت من غضب المحتجين، الذين لوحوا في هتافاتهم بمقاطعة تغطية كل المؤتمرات الحكومية في حال عدم معاقبة المعتدين، هي تواصل الاعتداءات عليهم من قبل القوات الأمنية التي كانت مرابطة في المكان، وحصلت مشادات ومواجهات بالأيدي بين بعض الإعلاميين والقوات الأمنية بعد أن حاولت منعهم من التصوير بحجة عدم الحصول على الموافقات الأمنية.
ويعاني المناخ الإعلامي في العراق بعد عام 2003 من تحديدات كبيرة لا تبدأ بمسلسل استهداف الصحافيين وتعرضهم للإصابة بسبب سخونة الأوضاع الأمنية خصوصا في المناطق التي تشهد مواجهات مع عناصر داعش الإرهابية ولا تنتهي مع تضييقات تمارسها الجهات الحكومية وتعديها بالضرب والتنكيل خاصة من أفراد حمايات المسؤولين لمنع الصحافي من الحصول على المعلومات أو الصور، الأمر الذي أوقع الكثير من الضحايا، حتى تغيرت صفة بحثهم عن المتاعب في مهنتهم إلى صفة بحثهم عن الأمان في العمل.
ويعد العراق واحدًا من أخطر البلدان في ممارسة العمل الصحافي على مستوى العالم، حيث شهد مقتل أكثر من 360 صحافيًا وإعلاميًا منذ سقوط النظام السابق في عام 2003.
وكانت الشرارة التي أطلقت ثورة وغضب الإعلاميين في بغداد، هي حادثة الاعتداء والضرب المبرح الذي تعرض له عدد من زملائهم خلال تأدية عملهم يوم الأربعاء الماضي داخل المنطقة الخضراء من قبل عناصر من حماية مركز النهرين التابع لمستشارية الأمن الوطني، الذين اعتدوا لفظيًا وبالضرب المبرح على مراسل قناة «السومرية» الفضائية سنان السبع ومراسل قناة «الغدير» أحمد البديري اللذين نقلا إلى المستشفى للعلاج إثر إصاباتهما البالغة في الاعتداء الذي شمل زملاء آخرين من قنوات «السومرية» و«البغدادي»ة و«دجلة» و«تركمان إيلي» ممن كانوا في المكان في الوقت نفسه.
ونددت النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين، بقوة بالاعتداء في بيان صدر عنها بعد الحادث وطالبت بالتحقيق مع الجناة ومحاسبة من تطاولت أيديهم وألسنتهم على الزملاء الذين كانوا يؤدون عملهم بدعوة من المركز نفسه لتغطية نشاط له.
ووصفت النقابة الاعتداء بـ(الانتهاك السافر) لحقوق الإنسان وهو يضاف إلى سلسلة طويلة من التجاوزات التي مارستها أجهزة أمنية وعناصر الحمايات ضد العاملين في مجال الإعلام.
وطالبت بإعادة النظر في قانون حقوق الصحافيين بما يضمن فعلا حقوق الصحافيين، وأولها حقهم في الوصول الحر إلى المعلومات وحقهم في البث الحر لهذه المعلومات، وبما يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية والمهنية، ويعاقب من يعتدي عليهم جسديًا أو لفظيًا. ورغم دعوة وجهها المكتب الإعلامي لوزير الداخلية العراقي محمد سالم الغبان إثر الحادث لجميع الصحافيين والإعلاميين الذين تمّ الاعتداء عليهم يومي الأربعاء والخميس إلى تقديم شكوى إلى مركز الشرطة، ورفع دعوى قضائية ضد القوات الأمنية التي اعتدت عليهم، واعدا إياهم بمتابعة الأمر بكل حزم وإسراع مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية المكان الذي حصلت فيه الحادث إلى الاعتذار عن حادثة الاعتداء والتأكيد على حرصه على حماية الصحافيين وتسهيل عملهم وتشكيل لجنة تحقيقية حول الحادث، وتوجيه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي الوزارات والمؤسسات باحترام عمل الصحافيين ومحاسبة المعتدين، وإدانة الحادث من قبل رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، فإن صحافيين عراقيين عدوه غير كاف أو ضامن لكرامتهم خلال أدائهم لعملهم في ظل استمرار مسلسل الاعتداء عليهم.
يقول الإعلامي علي السراي أحد أعضاء مجموعة بيت الإعلام العراقي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «ثقافة الاستعداد الدائم لضرب الصحافيين بوحشية ثقافة أصيلة يكتسبها رجال الأمن من النخبة السياسية، عندما يوجهون بالقمع لأنهم فشلوا في تدجين نماذج من الصحافيين تصلح أن تسمى بـ(دجاج الصحافة) تساق أو تذبح في عيد الفساد الطويل».
وأضاف: «لا يجرؤ أحد مع كل المتضامنين ضد حادثة الاعتداء، على فعل شيء لوقف هذا الاستهتار لأن الغالبية تريد أن تبقى في (الحقل) تركض وراء حبوب تسقط من الجيب الخلفي للنخبة الفاسدة».



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام