رئيس «يونيتامس» إلى السودان: لسنا مستعمرين جدداً

فولكر بيرتس قال لـ«الشرق الأوسط» إن الشراكة بين العسكر والمدنيين «زواج عقل» وليس حباً

فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» الأممية إلى السودان (تصوير: مبارك الكردي)
فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» الأممية إلى السودان (تصوير: مبارك الكردي)
TT

رئيس «يونيتامس» إلى السودان: لسنا مستعمرين جدداً

فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» الأممية إلى السودان (تصوير: مبارك الكردي)
فولكر بيرتس رئيس بعثة «يونيتامس» الأممية إلى السودان (تصوير: مبارك الكردي)

قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، فولكر بيرتس، إن المجتمع الدولي على استعداد لمساعدة السودان، ليستمر الانتقال السياسي ويفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي، مع استمرار عملية السلام، ومشاركة الأطراف غير الموقِّعة على اتفاقيات سلام في العملية الانتقالية.
وأوضح فولكر في مقابلة من «الشرق الأوسط»، أن بعثته صغيرة بمهام كبيرة، ولا تقوم بتمويل أي مشاريع تنموية، لكنها تسهم في حثِّ المجتمع الدولي على مساعدة السودان، وتيسير الحصول على المساعدات.
وكشف فولكر عن إجراء مشاورات تمهيدية لتوحيد مقاتلي الفصائل المسلحة، التي قدِمت من الخارج، في جيش واحد، مشيراً إلى أن الأمر في غاية الحساسية، وأن الأجهزة المختصة بهذا الشأن لديها تحفظات على ما تسميه التدخل الأجنبي.
وقال إن النزاع الإثيوبي الداخلي، والحرب في إقليم «تيغراي»، فرضا أعباء إضافية على السودان، وبسببهما استقبلت أراضيه أكثر من 70 ألف لاجئ إثيوبي، ورغم ظروفه قدم السودان مساعدات كثيرة للاجئين، إلى جانب الأمم المتحدة.
واستبعد الممثل الأممي أي احتمالات لتغيير مهمة البعثة من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وقال: «إن ذلك لن يحدث، ولن أشارك في أي محاولة لتغيير في مضمون مهمة البعثة»، فضلاً عن أن بعثته ليست تدخلاً أجنبياً في السودان، ولا تشكل نوعاً من أنواع الاستعمار، وأنه ليس حاكماً عاماً للسودان كما تردد وسائط التواصل الاجتماعي.
> أين وصلت البعثة في إنفاذ مهمتها الرئيسية بدعم الانتقال في السودان؟
- بعثة الأمم المتحدة المتكاملة (يونيتامس) لدعم المرحلة الانتقالية في السودان جاءت بطلب من الحكومة السودانية، وبناءً على مضامين الوثيقة الدستورية واتفاقية السلام، للمساعدة في الانتقال السياسي، بما في ذلك الانتخابات وكتابة الدستور، وتأسيس دولة حكم القانون، وإنفاذ وتطبيق اتفاقية السلام، والمساعدة في المفاوضات المقبلة وبناء السلام، ودعم ومساندة السودان للحصول على مساعدات ومعونات خارجية، ومساعدة مفوضية مكافحة الفساد، فضلاً عن تقديم المساعدات الفنية الممكنة للحكومة.
> ما الآليات والأدوات التي تعتمدها البعثة في عملها؟
- تعمل البعثة مع الحكومة والسلطة الانتقالية والمجتمع المدني والمؤسسات الحزبية، وهي بعثة صغيرة جداً، لكن مهامها كبيرة. وحتى الآن هناك نحو 50 شخصاً منها موجودين في السودان. وتعمل البعثة بشكل تكاملي مع وكالات ومؤسسات الأمم المتحدة الموجودة في السودان، وتشارك هذه الوكالات في وضع وتنفيذ البرامج المختصة، كالإحصاء السكاني، والانتخابات والدستور. وسيكون للبعثة قسم للمساعدة على الانتخابات، لتدريب الخبراء في مؤسسات الدولة والموظفين المختصين في لجان الانتخابات، وتدريب المرشحين والمرشحات، كما ستساعد في كتابة قانون الانتخابات. كل هذه المهام ستقوم بها البعثة بالتنسيق مع وكالات متخصصة في الأمم المتحدة.
> ما حجم البعثة الفعلي؟
- الحجم المقرر للبعثة هو 269 موظفاً، حسب الميزانية المرصودة من اللجنة المختصة في الأمم المتحدة. ونسعى للاستعانة ببعض الخبراء الإضافيين، ويساعدنا في ذلك بعض الدول في الأمم المتحدة، وسيكتمل حجم البعثة في العام المقبل.
> أليس هذا الحجم قليلاً مقارنةً بمهام البعثة؟
- بالتأكيد، البعثة صغيرة جداً، بمهام واسعة وكبيرة، وهي لا تتضمن قوات لحفظ السلام، بل لدينا، فقط، خبراء في السياسة وحقوق الإنسان وحماية المدنيين والانتخابات والدستور. بعثة «يونيتامس» لا تقوم بتمويل مشاريع، وهذه ليست وظيفتها، لأن هذه برامج ينفّذها بعض الوكالات المختصة في الأمم المتحدة، أو عن طريق دول خارجية تريد مساعدة السودان. أحياناً، نتوسط هذه الدول والحكومة السودانية لتحصل الحكومة على المساعدات والمعونات الخارجية.
> ما حجم ميزانية البعثة؟
- تُقدَّر ميزانية البعثة بنحو 30 مليون دولار.
> هل هي كافية؟
_ لا أبداً، ليست كافية، لكن البعثة تعمل على قاعدة الإمكانات الموجودة، وما دامت لا تقوم بتمويل مشاريع أو برامج إنمائية، نستطيع أن نشتغل بشكل فاعل حتى مع طاقمٍ صغيرٍ وميزانية صغيرة نسبياً.
> كيف تقيِّم تعاون الأجهزة المختلفة مع مهمة البعثة؟
- منذ وصولنا شرعنا في بناء علاقات مع السلطات الانتقالية، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك، والقضاء والنيابة العامة، وحتى مع منظمات المجتمع المدني، وكذلك مع الصحافة والإعلام. وللإعلام دور فاعل ومهم في التطورات الداخلية، وصوت الصحافة مهم جداً في المرحلة الانتقالية.
وقد أقمنا علاقات مع بعض الجامعات ومراكز السلم والتنمية. وهناك خبراء سودانيون نريد أن يتعاونوا معنا لخلق شراكة طبيعية في مساعدة البلاد للتقدم في الانتقال السياسي. وطيلة الأشهر الماضية، كنا نبني علاقات لاستكشاف وفهم الأوضاع في البلاد، كما قمنا بزيارات إلى ولايات دارفور والشرق والجزيرة، وبدأنا التعاون مع وزارة الداخلية واللجنة الوطنية لحماية المدنيين.
في الميزانية هنالك 21 شرطياً وصل منهم 12 تم ابتعاثهم إلى دارفور ليعملوا على تدريب الشرطة وإعداد المدربين في مجالات مهمة، مثل التحقيقات ومكافحة العنف الجنسي وحماية المدنيين. ونرى أن تمكين الشرطة السودانية من أهم وظائف البعثة، لأننا على قناعة بأن دور الدولة الحقيقي هو حماية المدنيين، والجهاز الذي يحمي المواطنين هو «الشرطة» وليست الميليشيات أو الجيش، وفي أي دولة متطورة يتجه المواطنون إلى جهاز الشرطة.
> هل بدأت البعثة مشاورات في توحيد الجيوش حسب الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا؟
- هنالك مشاورات تمهيدية في هذا الشأن. فخلال الأشهر الماضية وصل مقاتلون من بعض التنظيمات العسكرية، من ليبيا وغيرها، إلى الخرطوم. وهنالك مناقشات وخطوات أولية لتأسيس قوات مشتركة لحماية المدنيين في دارفور. حتى الآن، ليس للبعثة دور مباشر في هذه العمليات، لكننا نرفع صوتنا لتسمعه التنظيمات المسلحة والسلطات. فليس لديَّ سلاح غير صوتي وكلماتي.
> أنت مدعوم من المجتمع الدولي.
- وسيلتي هي صوتي في مجلس الأمن الدولي، ونعطي نصائح للسلطات السودانية وشركاء السلام، لكننا ندرك أن مسألة توحيد الجيوش في غاية الحساسية، والأجهزة المختصة بهذا الشأن لديها تحفظات معينة تجاه ما يسمونه التدخل الأجنبي.
> هل لمست استعداداً أو تناغماً بين مكونات السلطة، من المدنيين والعسكريين، إزاء الانتقال السياسي؟
- تحليلي لهذه المسألة هو أن التعاون بين المكونات المختلفة ليس نتيجة «زواج حب»، لكنه «زواج عقل»، والطرفان انتبها باكراً إلى أن أحدهما لا يمكنه السيطرة على الأوضاع دون الآخر. لذلك، بمساعدة المجتمع الدولي وفاعلين خارجيين، توافقا على شراكة في السلطة، وهي تجربة غير موجودة في الدول المحيطة، التي بعد مرور 10 سنوات من اندلاع الثورات والانتفاضات في الدول العربية، لم تتوصل إلى شراكة في السلطة أو تحولٍ ديمقراطي، بل وصلت إلى حروب داخلية أو إلى سلطوية جديدة. بالتأكيد، هناك تناقضات ومتناقضات، لكن الشيء الأهم في السودان هو أنه قدم لدول الجوار والمحيط الإقليمي نموذج هذه الشراكة. فهي حتى لو كانت صعبة، لكنها فعّالة ويمكن أن تمضي إلى الأمام. ووظيفتي أن أساعد السودانيين على الحفاظ على هذه الشراكة.
الآن، المعادلة أصبحت أكثر صعوبة. فبعد أن كان هناك طرفان هما العسكريون من جهة، والمدنيون في قوى الحرية والتغيير من الجهة الأخرى، أصبح يوجد أكثر من طرف. وقد حدث «تشتت» داخل معسكر «الحرية والتغيير»، ودخلت الجماعات العسكرية التي وقّعت على اتفاقية «جوبا» كطرف ثالث في الشراكة، ما جعل المعادلة أصعب. لكن في الوقت نفسه، من المهم جداً أن تصبح كل هذه المكونات داخل المعادلة، وتستمر في الحفاظ على هذه الشراكة.
> يرى البعض أن وجود البعثة هو الضمانة لعدم ارتداد نظام سلطوي ديكتاتوري، أو العودة إلى حكمٍ عسكري. إلى أي مدى يمكن أن تسهم البعثة في الانتقال الآمن في السودان؟
- ليس للبعثة قوات عسكرية، ولا يمكن أن تفرض إرادة دولية أو أن أفرض إرادتي. فنحن نسهم في الحوار السياسي بين الأطراف، ونرفع أصواتنا للتعبير عن مواقفنا ونقدم النصائح، وهذا أمر مهم، لأن السودان قرر أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع الدولي، وهي عملية صعبة لكنها مهمة لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية، السياسية والاقتصادية.
الأمم المتحدة وبعثة «يونيتامس» تسهم بشكل فعال في إعفاء السودان من الديون الخارجية، عن طريق الإصلاحات الداخلية، والعلاقات مع الخارج. وهي على استعداد لمساعدة السودان، شريطة استمرار الانتقال السياسي، ليُفضي إلى تحول حقيقي واستمرار عملية السلام، بمشاركة الأطراف غير المشاركة حتى الآن.
> كيف يمكن أن تؤثر المتغيرات المستجدة، مثل أزمة سد النهضة والتوتر على الحدود الشرقية مع إثيوبيا، على مهمة البعثة؟
- التغيرات في المحيط الجيوسياسي للسودان، وأزمة إقليم «تيغراي» الإثيوبي، أضافت أعباء جديدة عليه، تتمثل في أكثر من 70 ألف لاجئ إثيوبي دخلوا أراضيه. صحيح أن الأمم المتحدة، عبر وكالة اللاجئين، قدمت مساهمات كبيرة، لكن السودان ساعد كثيراً في هذه الأزمة.
ويؤثر الصراع الداخلي الإثيوبي، بما في ذلك النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، على السودان. ودوري، كممثل خاص للأمم المتحدة، إبلاغ الأمين العام بهذه التطورات. لكنني لا أملك سلطة لعب دور في الوساطة بين البلدين، لأن هذه المهمة هي من صلاحيات الأمين العام. ومن المؤكد أنني لو تدخلت، سينظر الإثيوبيون إليَّ كطرف غير محايد.
ففي قضية «سد النهضة»، اقترح السودان الوساطة الرباعية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، لكن يبدو أن إثيوبيا غير مقتنعة بهذا الاقتراح. لكن، من حيث المبدأ، الأمم المتحدة قبلت الاقتراح السوداني.
> إلى أي مدى يمكن أن يؤثر انسحاب قوات حفظ السلام المشتركة (يوناميد) من إقليم دارفور على مهام بعثتكم؟
- لم يتبقَّ لبعثة «يوناميد» مهام في السودان. والعناصر الباقية تؤدي مهام لوجيستية محددة، ولا دور لها في حماية المدنيين، بل هم يحمون أنفسهم فقط، وقد شرعوا في الانسحاب وتسليم المعسكرات والمباني إلى السلطات. وبالتأكيد سيكون هناك أثر لانسحاب «يوناميد»، فمهمتها في حماية المدنيين في معسكرات النازحين داخلياً، تقوم بها حالياً الشرطة وأجهزة الأمن السودانية. ومع ذلك، رأينا النزاعات في مدينة «الجنينة» في ولاية غرب دارفور وغيرها من المناطق، لأن حماية المدنيين مهمة كبيرة جداً، وتمثل تحدياً للأجهزة الرسمية السودانية. وقد سمعتُ الكثير من الآراء التي كانت تتمنى استمرار بعثة «يوناميد»، لكن القرار اتُّخذ في مجلس الأمن ولا رجعة فيه، ومسؤولية المجتمع الدولي أن يساعد في بناء قدرات الحكومة السودانية لتقوم بمهمة حماية المدنيين. فقدرات الشرطة السودانية في دارفور دون المطلوب، وهناك ضرورة حقيقية لبناء قدرات هذه القوات بالتدريب، ونحن نقوم بجزء من هذه المهمة. بعض المسؤولين السودانيين لم يلحظوا حجم التحدي الناتج عن انسحاب قوات «يوناميد»، وما قد يحدث للمعسكرات التي سلّمتها البعثة للسلطات السودانية. فقد شهدت المباني عمليات نهب حالت دون استفادة المجتمع المحلي منها. هذه مسائل تؤثر على صورة السودان الخارجية.
> ما الصعوبات التي تواجه بعثة «يونيتامس»؟
- بسبب تاريخ معقّد بين السودان والبعثات المختلفة، راجت شائعات من جهات معينة بأننا «مستعمرون جدد»، أو أنني حاكم عام للسودان. وأنا أطَّلِع على هذه الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنني لا أوليها أهمية. فأنا رئيس بعثة، ومنسّق بين كل وكالات الأمم المتحدة، ولست حاكماً، ولا سلاح لديّ ولا قوة حفظ سلام. فأقوى أسلحتي هي كلمتي وتقريري.
هذه الشائعات التي يتم ترديدها أحياناً، ليست موجهة ضدي، وإنما يوجهها طرف داخلي سوداني ضد طرف داخلي آخر، ويستخدمون «يونيتامس» ككرة قدم بينهم. وعادةً، لا أردّ على مثل هذه الشائعات.
نحن الآن في المرحلة الأخيرة من التفاوض مع الحكومة السودانية على وضع البعثة، فنحن بعثة دبلوماسية ولسنا سفراء لأي دولة، وعادةً تتفاوض الأمم المتحدة مع الدول في ذلك، وقد أخذ هذا الأمر وقتاً أكثر من المتوقع، لكننا توصلنا، تقريباً، إلى اتفاق، وأتوقع بعد أسبوع توقيع الاتفاق مع الحكومة.
> هل لدى البعثة أي اتصالات مع الحركات التي لم تشارك في مفاوضات السلام؟
- نحن على اتصال معهم، وسألتقي خلال زيارتي لجوبا (وصل بيرتس لاحقاً إلى جوبا) الوسطاء في دولة جنوب السودان، والأطراف التي لم توقِّع على اتفاقية سلام، والممثلين عن حركتي عبد العزيز آدم الحلو وعبد الواحد النور.
> هل تواصلتم مع رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد النور؟
- نعم، هناك اتصالات لا أستطيع الاسترسال في تفاصيلها، أما فيما يتعلق بحركة عبد العزيز الحلو، فستبدأ المفاوضات في 24 مايو (أيار) الجاري، وستكون البعثة موجودة بصفة «ميسِّر» للتفاوض، وسنناقش مع الوسطاء والحركة تفاصيل مساهمتنا في طاولة التفاوض.
> السودان على أعتاب مؤتمر الشركاء في باريس. هل للبعثة دور في المؤتمر؟
- ستشارك «يونيتامس» في المؤتمر، وسيلقي الأمين العام للأمم المتحدة خطاباً. وقد قدمنا بعض النصائح والاستشارات للحكومة والقطاع الخاص.
> هل هناك احتمالات بنقل مهمة «يونيتامس» من الفصل السادس إلى الفصل السابع، وفي أي ظروف يتم ذلك؟
- لن يحدث هذا لأسباب عدة. فالدولة المضيفة لا تريد ذلك، وأي مشروع قرار بهذا الصدد يحتاج للحصول على عدد الأصوات المطلوبة في مجلس الأمن، وموافقة الدول الخمس دائمة العضوية. وأنا لن أشارك في أي محاولة لتغيير مهمة البعثة، لأنني جئت وفقاً لنص القرار 2524، أي كبعثة سياسية خاصة تساعد السودان، وليست بعثة سلام تأتي ضد إرادة السودانيين. وأنا واثق من أن هذا الأمر لن يحدث.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.