بايدن يأمل لقاء بوتين قريباً في أوروبا

TT

بايدن يأمل لقاء بوتين قريباً في أوروبا

يأمل الرئيس الأميركي جو بايدن، أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال جولته الأوروبية الأولى القادمة كرئيس للولايات المتحدة من 11 إلى 14 يونيو (حزيران) والتي تتضمن زيارة المملكة المتحدة، وحضور قمة السبع العظام، واجتماعات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل، حيث يعمل بايدن على استعادة العلاقات الدافئة عبر الأطلسي.
ويكتنف الغموض المشاورات التي يقوم بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، مع نظيره الروسي حول ترتيب اللقاء بين الرئيسين. واكتفى بايدن أول من أمس (الثلاثاء)، بعد خطابه حول اللقاحات بالقول إنه لم يتم بعد تحديد موقع أو موعد للقمة، لكن المناقشات جارية بنشاط. وقال سوليفان إن الهدف من القمة ليس بالضرورة تغيير سلوك بوتين، مؤكداً أن القمة ستكون ذات قيمة في الوصول إلى تفاهمات أفضل بين البلدين وجعل العلاقة على مسار أكثر استقراراً. وتتراوح الخيارات لعقد القمة في النمسا، خصوصاً أن العاصمة النمساوية استضافت محادثات روسية أميركية لتجديد معاهدة الأسلحة النووية في وقت سابق من العام الجاري وتستضيف أيضاً حالياً المحادثات غير المباشرة بين إيران والدول الكبرى حول الاتفاق النووي. وقد أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده للمشاركة في القمة بعد فترة من دعوة بايدن في 13 أبريل (نيسان) الماضي لعقد القمة، ولم تخرج أي تصريحات منذ ذلك الحين تشير إلى خطوات فعلية لإطار ومكان وتوقيت انعقادها.
وأشارت تقارير إلى أن اجتماعات وزراء خارجية مجموعة السبع هذا الأسبوع في لندن تناولت أيضاً العلاقة مع روسيا والقمة المحتملة بين بايدن وبوتين. وكانت أوكرانيا والتوترات والحشد الروسي عند الحدود وفي شبه جزيرة القرم، من ضمن المشاغل التي علّق عليها عدد من وزراء الخارجية في مجموعة السبع. وقد توترت العلاقات بين البلدين حول أوكرانيا والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. وقد أثار تعليق بايدن ووصفه للرئيس بوتين بالقاتل، الكثير من التوترات والسجال ونتج عنه استدعاء الكرملين للسفير الروسي في واشنطن وعودة السفير الأميركي لدى روسيا إلى الولايات المتحدة. وتراقب واشنطن ملف حقوق الإنسان في روسيا ووضع زعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني، بكثير من القلق والترقب. وخلال الشهر الماضي فرضت واشنطن جولة عقوبات ضد كيانات روسية بسبب اتهامات لموسكو بالتدخل في الانتخابات وشن هجمات قرصنة سيبرانية. وأشار جوناثان فينز نائب مستشار الأمن القومي، في تصريحات للصحافيين في أعقاب العقوبات الأميركية ضد موسكو، أن إدارة بايدن تناقش مجموعة من الخيارات ومزيج من الضغوط لحث موسكو على خفض التوترات وإيجاد طرق للعمل مع واشنطن في ملفات عديدة. وأشار مسؤولو البيت الأبيض إلى أن بايدن يعمل على تخفيف حدة التوتر ووضع استراتيجية لمنطقة البحر الأسود تلتزم بها موسكو. وتحاول واشنطن تطبيق مسار مزدوج مع موسكو يعمل على التصدي للسياسات الروسية في أوروبا الشرقية، وفي الوقت نفسه التعاون في مجالات أخرى مثل إحياء الاتفاق النووي الإيراني ومكافحة المناخ، والترغيب في مزايا اقتصادية للتعاون.
وتسربت أنباء حول محاولات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الضغط على برلين في محادثاته مع نظيره الألماني هايكو ماس، لوقف مشروع خط الغاز «نورد ستريم 2» من روسيا إلى ألمانيا. ومن المتوقع أن يشارك وزير الخارجية في اجتماعات مجلس القطب الشمالي في آيسلندا بعد أسبوعين ويلتقي مع نظيره الروسي. ويعقد المحللون الآمال أن يؤدي هذا اللقاء إلى التمهيد للقمة وإعلان تفاصيل عن موعدها ومكانها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟