المغربي عبد الكريم جويطي: العالم يوجد أمام البيت

روائيته «ثورة الأيام الأربعة» جزء أول من رباعية

عبد الكريم جويطي - غلاف الرواية
عبد الكريم جويطي - غلاف الرواية
TT

المغربي عبد الكريم جويطي: العالم يوجد أمام البيت

عبد الكريم جويطي - غلاف الرواية
عبد الكريم جويطي - غلاف الرواية

بعد «المغاربة»؛ روايته الأخيرة التي أثارت اهتمام القراء ونالت ترحيب النقاد، فوصلت إلى القائمة القصيرة لـ«البوكر»، كما نال بها صاحبها «جائزة المغرب للكتاب» في صنف السرد (دورة 2017)، يعود الروائي المغربي عبد الكريم جويطي بعمل روائي جديد، اختار له عنوان: «ثورة الأيام الأربعة».
ويذكر جويطي لـ«الشرق الأوسط» أن روايته الجديدة، التي صدرت عن «المركز الثقافي العربي»، هي الجزء الأول من رباعية، سيصدرها تباعاً، مع إشارته إلى أن أحداثها تدور في وادي إيرس بالجبل على علوّ 2400 متر عن سطح البحر، لافتاً إلى أنه من هذا الحيز الضيق؛ خمسة كيلومترات مربعة، ومن أربعة أيام عصيبة انعدمت فيها الخيارات، وفي خضم ثورة مسلحة، يطل على المغرب من منظور آخر.
وبخصوص الفضاء الذي تدور فيه أحداث الرواية الجديدة، قال جويطي: «عنيت في كتابة الرواية الجديدة بالجبل، هذا العمق الحضاري للمغرب... لا يمكن أن نفهم تاريخ ونفسية وردود فعل المغاربة دون استحضار الدور الذي لعبه الجبل... وهناك مادة روائية هائلة تدخرها الجبال المغربية».
وعن العنوان الذي أعطاه للجزء الأول من مشروعه الجديد، قال جويطي: «بعد تردد طويل واستشارة الأصدقاء بين عناوين عدة، اخترت هذا العنوان. سيكون لكل جزء عنوانه الخاص. وكما قلت؛ أجزاء الرباعية منفصلة ومتصلة. اشتغلت في كل جزء على تيمة مركزية».
وجواباً عن سؤال متى بدأ بإعداد مشروع الرباعية، قال جويطي: «لا أعرف متى تولد فكرة رواية بداخلي... البداية شأن الميتافيزيقا، تفرغ من كتابة نص أو حتى وأنت منهمك في ذلك تجد أنك تفكر في نص آخر. متى حدث ذلك؟ وكيف ولدت تلك الشرارة بداخلك؟ لا جواب. هناك كيمياء يصعب ترجمتها إلى كلمات. منذ مدة طويلة وأنا أتأهب لكتابة رواية عن الجبل. لسنوات؛ كنت أصعد كل أسبوع لمنطقة تاكلفت وما يجاورها.
هناك طبيعة متوحشة، وتاريخ شرس، وأقدار تفرقت في الجهات الأربع للعالم، وطبائع جمعت ما لا يجتمع إلا هناك. كل ذلك أراه أرضاً بكراً للكتابة. لكن، وكما تعلم، الرغبة في الكتابة ليست هي الكتابة. هناك هوة سحيقة بينهما. وقد حاولت دوماً أن أحذر المشاريع المؤجلة لأنها لا تستنفد الزمن في مراوحة يائسة بالمكان عينه فقط؛ ولكن؛ إن طالت تولد انحصاراً يصعب تجاوزه».
ويقول عن الطريقة التي اشتغل بها في «ثورة الأيام الأربعة» ارتباطاً بتاريخ المغرب المعاصر: «مزجت في الرواية بين حدثين عاشتهما المنطقة: ما سميت (انتفاضة القائد البشير في 1961) و(أحداث مولاي بوعزة في 1973). هذا هو الإطار التاريخي الذي تدور فيه أحداث النص. الباقي كله متخيل. لقد كُتب الكثير عن الحدثين. هناك شهادات ووثائق، ولن أضيف جديداً إن أردت كتابة رواية تاريخية عن الحدثين. لم أكتب رواية تاريخية، بل رواية تطرح هذا السؤال الكبير: كيف نحدث التغيير المطلوب؟».
إنه يكتب، كما يقول لنا، عن «الانتظار والرجاء، عن الخوف والحماس والسذاجة والتضحية، واخترت نبرة ساخرة بكثير من الضحك، لكنه ضحك كالبكاء».
في مشروعه الجديد، واصل جويطي الكتابة انطلاقاً من بيئته المحلية. من منطقة بني ملال (وسط المغرب) تحديداً. وهي منطقة فاتنة بطبيعتها الخلابة، غنية بخيراتها الفلاحية ومعروفة بكثير من الأحداث التاريخية التي تحتاج إلى تناول وإعادة قراءة. بالنسبة لجويطي؛ فالكاتب «لا يملك إلا ما يعرف حقاً، والعالم يوجد أمام عتبة البيت». يقول: «لم أسافر كثيراً كما تعرف. قضيت حياتي في الحيز نفسه الذي أدين له بكل شيء: لغتي، وخيالي، ورؤيتي للعالم. أحس بأن حياة واحدة لا تكفي لأكتب كل ما يخطر ببالي. منذ رواية (ليل الشمس)، وأنا أكتب عن هذا الحيز الجغرافي الصغير الذي ولدت فيه، وأجد في كل مرة أنه يعيش التراجيديات الكبرى للبشرية».
لا شك في أن الاحتفاء الذي قوبلت به رواية «المغاربة»، قد وضع جويطي أمام رهان التفوق على نفسه، باقتراح عمل يحقق الإضافة أو يأتي، على الأقل، في مستوى العمل الإبداعي السابق، بالنسبة لهذا الكاتب الذي عود متلقيه على «كتابة تشريحية دقيقة، تضعنا بصفتنا مغاربة أمام مرايا ماضينا الملتبس وواقعنا المعطوب وربما مستقبلنا الغامض»، على رأي روائي مغربي آخر هو عبد المجيد سباطة.
لا يبدو جويطي مأخوذاً بالحضور القوي الذي تحقق لـ«المغاربة»، وأن تغطي على سابق ولاحق أعماله فيقترن اسمه بها دون باقي إبداعاته. ويقول إنه منذ أن بدأ الكتابة وهو يطور مشروعه بصبر وعناء، قبل أن يستدرك: «مع كل نص جديد أغنم مساحة جديدة في الخيال واللغة. بإمكاني أن أكتب أفضل مما كتبت، ولن أسمح لرواية (المغاربة) بأن تغتالني».
يرى جويطي أن الكاتب لا يتحكم في قدر نصوصه، إذ ما إن يخرج النص من بين يديه حتى يختط لنفسه مساراً خاصاً، بحيث قد تنال رواية ما اهتماماً كبيراً وتتعدد طبعاتها ويواكبها النقد، وقد لا ينتبه أحد لنص عميق ومجدد.
بالنسبة لروايته الجديدة، «ثورة الأيام الأربعة»، لا يخفي جويطي أن ردود الفعل الأولى التي عبر عنها عدد من الأصدقاء والمعارف، توحي بأنه «تفوق على نفسه» في عمله الجديد.
يشدد جويطي، الذي سبق أن كتب «ليل الشمس» (1992)، و«زغاريد الموت» (1996)، و«رمان المجانين» (1998)، و«الموريلا الصفراء» (2003)، و«كتيبة الخراب» (2007)، و«المغاربة» (2016)، على أنه كتب كل نصوصه بالإخلاص نفسه والجهد؛ أيضاً. وأنه يعتز بها جميعاً؛ مشيراً إلى أن كل ما يتمناه الكاتب هو أن يذكره القراء ولو بنص واحد.

- من أجواء رواية «ثورة الأيام الأربعة»:
«ولأن الشبان في الوادي يخرجون ولا يعودون، ولأن الوادي القاسي لم يعد يقنع أحداً بالبقاء فيه، ولأن رغبات وحاجات جديدة ولدت ولا يمكن إشباعها إلا في مكان آخر، فقد انضافت تباعاً للربوة نساء أخريات كان لهن غائب أو شيء ما لينتظرنه، سعد، زوج، صحة، أمان... وبتلك الطاقة الروحية التي تسكن أمكنة بسيطة ومتواضعة لا تهب ما هو خارق واستثنائي، وإنما تعطي وبسخاء ذلك الجوهر الذي لا تستقيم حياة القهر إلا به: الرجاء. صارت الربوة رديفة للأمل، ولما سيأتي على حين غرة، ولذلك الخيال الذي يتقدم، وفي كل خطوة يقترب بها يبدد غمة ويدوس خصاصة وينهي دمعاً.
عشرون عاماً بأيام زمهريرها وثلجها ومطرها ورعودها وأيام حرها ورياح شركها الخانقة، وهن هناك كل يوم مترقبات متلهفات يتطلعن لما سيلده المَدْخلان، وما مات من مات خارج الوادي إلا لأن لا قلب في الربوة ينتظره ويهفو لظهوره، وما غاب من غاب إلا لأن لا عين في الربوة تتشوق لرؤيته قادماً، وما ولد شيء في الوادي أقوى من أمل الآتي، وصمود النساء في ترقبه».



افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
TT

افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

نحو إثراء المشهد العالمي لفنون الوسائط الجديدة عبر تقديم وجوه إبداعية من المنطقة، تجمع بين الفن، والتكنولوجيا، والابتكار، افتتح مركز الدرعية لفنون المستقبل أبوابه رسمياً، اليوم (الثلاثاء)، بوصفه أول مركز مخصص لفنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متخذاً من منطقة الدرعية التاريخية المسجّلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي موقعاً له.

ويأتي المركز في مبادرة تجمع بين وزارة الثقافة، وهيئة المتاحف، وشركة الدرعية في السعودية، في الوقت الذي انطلق ببرنامج متنوع يشمل أنشطة ومعارض فريدة ومبادرات تفاعلية مع الجمهور، مع التركيز على تمكين الفنانين والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا من داخل المنطقة وخارجها، في بيئة إبداعية مجهزة بأحدث المختبرات والاستوديوهات الرقمية ومساحات العرض المبتكرة.

وقالت منى خزندار المستشارة في وزارة الثقافة السعودية إن «مركز الدرعية لفنون المستقبل يجسّد التزامنا بتطوير الإنتاج الفني المبتكر واحتضان أشكال جديدة من التعبير الإبداعي، فمن خلاله نسعى إلى تمكين الفنانين والباحثين ودعمهم لإنتاج أعمال بارزة والخروج بأصواتهم الإبداعية إلى الساحة العالمية».

وأشارت إلى أن المركز سيُوظّف مساحاته للتعاون والإبداع لترسيخ مكانة المملكة في ريادة المشهد الثقافي والتأكيد على رؤيتها في احتضان أشكال التعبير الفني محلياً وعالمياً.

من جانبه، بين الدكتور هيثم نوار مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل أن افتتاح المركز يمثّل منعطفاً في السردية القائمة حول فنون الوسائط الجديدة، لكونه يخرج بالمرئيات والتصوّرات الإقليمية إلى منابر الحوار العالمية.

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

وقال: «إن المركز سيتجاوز حدود الإبداع المتعارف عليها نحو آفاق جديدة، وسيقدّم للعالم مساحة للابتكار والنقد الفني البنّاء عند تقاطع الفن والعلوم والتكنولوجيا».

وتتزامن انطلاقة مركز الدرعية لفنون المستقبل مع افتتاح معرضه الأول بعنوان «ينبغي للفنّ أن يكون اصطناعياً... آفاق الذكاء الاصطناعي في الفنون البصرية» خلال الفترة من 26 نوفمبر (تشرين ثاني) إلى 15 فبراير (شباط) المقبل، حيث يستكشف المعرض، الذي أشرف عليه القيّم الفني جيروم نوتر، تاريخ فن الحاسوب منذ نشأته في ستينات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، من خلال أعمال فنية متنوعة تحمل توقيع أكثر من 30 فناناً إقليمياً وعالمياً.

وسيحظى الزوار بفرصة استكشاف أعمال من صنع قامات في الفن أمثال فريدر نايك (ألمانيا) وفيرا مولنار (هنغاريا/فرنسا) وغيرهما من المُبدعين في ميادين الابتكار المعاصر مثل رفيق أناضول (تركيا) وريوجي إيكيدا (اليابان).

وسيكون للفنانين السعوديين لولوة الحمود ومهند شونو وناصر بصمتهم الفريدة في المعرض، حيث يعرّفون الزوّار على إسهامات المملكة المتنامية في فنون الوسائط الجديدة والرقمية.

وبالتزامن مع الافتتاح، يُطلق المركز «برنامج الفنانين الناشئين في مجال فنون الوسائط الجديدة»، بالتعاون مع الاستوديو الوطني للفن المعاصر - لوفرينوا في فرنسا. ويهدف البرنامج، الذي يمتد لعام كامل، إلى دعم الفنانين الناشئين بالمعدات المتطورة والتوجيه والتمويل اللازمين لإبداع أعمال متعددة التخصصات.

وأعلن المركز عن برنامج «مزرعة» للإقامة الفنية، المخصص لفناني الوسائط الرقمية، في الفترة من فبراير (شباط) حتى أبريل (نيسان) 2025، ويهدف إلى استكشاف العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا والمجتمع من خلال موارد المركز.

ويجسد مركز الدرعية لفنون المستقبل «رؤية السعودية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز الابتكار، والتعاون العالمي، وترسيخ مكانة المملكة بوصفها وجهة رائدة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.