كانت عمليات القتل مليئة بالتفاصيل البشعة عن عمد، لكن الغريب أنها كانت تتضمن أيضا قدرا من الحميمية. وساعد تصوير تلك العمليات، الذي تم بهدف نشرها وإذاعتها، تنظيم داعش في ترسيخ نفسه كعلامة مسجلة للعنف الصادم بوحشيته الفظة، مع جعلها تبدو قريبة من المشاهدين كما لو أنها صور أسرية على هواتفهم الذكية.
ويجذب العنف المتعمد الذي يمارسه «داعش»، والذي يقصد من استعراضه إرهاب الآخرين والتأثير عليهم، انتباه العالم في وقت تسفر فيه تهديدات أكثر انتشارا، مثل البراميل المفخخة التي يستخدمها النظام السوري، عن مقتل عدد أكبر من البشر، لكنها نادرا ما تثير أي شعور بالغضب على مستوى العالم.
ويقوم قليل من المدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء المعارضين للنظام السوري، بإعداد صور ومقاطع مصورة صادمة، إن لم تكن عنيفة، بل وحتى يقتادون أطفال يرتدون ملابس برتقالية اللون إلى قفص، لجذب انتباه العالم إلى أعمال عنف تحدث على نطاق أوسع. ومع ذلك لم تلق أصواتهم آذانا مصغية حتى هذه اللحظة. ولا تعد حملة «داعش»، التي تتضمن نشر عمليات القتل المصورة، حربا عن بعد تتم باستخدام الآلة، أو طائرات تعمل من دون طيار، أو قذائف طائرات مقاتلة، بل هي عمليات ذبح مباشرة يستخدم فيها قيم ومبادئ الإنتاج التي تتبناها السينما الأميركية، وتستهدف إحداث أكبر قدر من التأثير العاطفي، وتحقيق أكبر قدر من الانتشار.
تقترب الكاميرا لتسجل لقطات عن كثب، بينما يضع الأشخاص المسلحون أياديهم على أسرى، كان من بينهم صحافيون غربيون، وطيار أردني، وعمال مصريون مسيحيون. وفي آخر مقطع مصور بثه التنظيم، ظهر رجال يرتدون ملابس سوداء وهم يقتادون المصريين الواحد تلو الآخر بهدوء في اتجاه أحد الشواطئ لحظة مغيب الشمس، ثم يقطعون رؤوسهم إلى أن يتحول لون الأمواج إلى اللون الأحمر. بالنسبة إلى الكثيرين في الشرق الأوسط من المهووسين بنشر أحدث الصور، تمثل وحشية «داعش» الاستعراضية أفضل فترة في سنوات المذابح العديدة. وتجعل الصور الدموية، التي التقطها التنظيم وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدم بالفعل في تأريخ الصراع، العنف يبدو سائدا بل ومبهرا، وتمثل عبئا إضافيا على الشعور يمكن أن يثير المشاعر ويخدرها في آن واحد.
قال أحمد، عامل في دار الأوبرا بدمشق يبلغ من العمر 39 عاما، رفض ذكر اسمه بالكامل حرصا على سلامته الشخصية «يبدو الأمر وكأنه فيلم من أفلام الحركة». وأوضح أنه يتم تقديم أعمال تنظيم داعش العنيفة وكأنها في فيلم من أفلام كوينتن تارانتينو في محاولة مروعة «للفوز بمكانة في عالم الرعب».
وسرعان ما تم الرد على عمليات القتل بضربات جوية من الولايات المتحدة، والأردن، ويوم الاثنين الماضي من مصر، التي صرحت بأنها تنفذ هجمات جوية في ليبيا التي شهدت مقتل مصريين أقباط. ومع ذلك فإنه في الوقت الذي يثير فيه ما يمارسه تنظيم «داعش» من استفزاز ردود فعل قوية وصريحة، تمر عمليات ذبح لم تصور بنفس المستوى من الإخراج، راح ضحيتها أكثر من 200 ألف سوري على سبيل المثال مرور الكرام وكأنها لم تكن.
ويعبر الأشخاص الأكثر تضررا من الحرب السورية، التي امتدت إلى مختلف أنحاء المنطقة، وعمال الإغاثة، الذين يحاولون تقديم المساعدة، كثيرا عن ألمهم لأن عمليات القصف التي يمارسها النظام السوري، ونزوح أكثر من ثلث السكان، وانهيار منظومة الرعاية الصحية، ناهيك عن الأحداث الدرامية، لا تحظى باهتمام مماثل.
بطبيعة الحال يعود هذا بشكل ما إلى الوضع السياسي على أرض الواقع؛ ففي الوقت الذي تدين فيه الحكومات الغربية الرئيس السوري بشار الأسد لتنفيذه هجمات ضد المدنيين، فإنها لا تراه تهديدا يرقى إلى مستوى تنظيم داعش، الذي يحثّ أتباعه على تنفيذ هجمات في الدول الغربية. ويعود هذا الفارق في النظرة الغربية لكلا التهديدين بوجه ما إلى المقاطع المصورة الصادمة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
خاص بـ {الشرق الأوسط}