مزاد مقتنيات الملوك والنبلاء في «سوذبيز» يفتح نافذة على بريق وثراء عصور مضت

250 قطعة نادرة من الأثاث والمجوهرات واللوحات

قطعة مربعة من الرخام المطعم بالأحجار النفيسة (سوذبيز)
قطعة مربعة من الرخام المطعم بالأحجار النفيسة (سوذبيز)
TT

مزاد مقتنيات الملوك والنبلاء في «سوذبيز» يفتح نافذة على بريق وثراء عصور مضت

قطعة مربعة من الرخام المطعم بالأحجار النفيسة (سوذبيز)
قطعة مربعة من الرخام المطعم بالأحجار النفيسة (سوذبيز)

فرصة لرؤية بعض القطع الثمينة والكنوز التي تختبئ أحيانا في القصور الملكية ومنازل النبلاء، تقدمها دار سوذبيز بعد غد الثلاثاء، عبر مزادها السنوي «قطع ذات أصول ملكية ونبيلة». وتتنوع القطع وعددها 250 قطعة، فتضم المفروشات والسجاد والأسلحة وبعض اللوحات الثمينة، وفيما بينها تقدم تلك القطع نظرة على فنون وحرف قرون مضت شهدت خلالها أحداثا سياسية واجتماعية ونهضة في الفنون. أما مصادر تلك القطع فهي من خليط عالمي يضم الصين وجنوب أميركا والسعودية وأكثرها من أوروبا.
يقول خبير الدار جوا ماغالهاس وأحد المشرفين على المزاد إن القطع المعروضة للبيع «تحمل قصصا ساحرة وتظهر في السوق لأول مرة»، ويضيف: «هذا المزاد يضم قطعا مختلفة من اللوحات الزيتية إلى قطع المفروشات إلى الفضة والمجوهرات».
وقبيل عرض القطع للجمهور كان لـ«الشرق الأوسط» جولة خاصة صحبنا فيها ماغالهاس، نبدأها مع مجموعة من العلب الصغيرة والمصنوعة من الذهب والفضة ومطعمة بأصناف من الجواهر الكريمة واللآلئ. بعض تلك العلب كان يستخدم لحفظ «النشوق» وبعضها الآخر يستخدم للزينة.
يشير ماغالهاس إلى أن عددا كبيرا من القطع المعروضة صنعت بأمر حكام وملوك لإهدائها لشخصيات رفيعة مثل السفراء وآخرين ممن قدموا خدمات جليلة للبلاد.
وتحمل معظم العلب الحروف الأولى من أسماء الأباطرة والملوك الذين صنعت بناء على طلبهم، مثل إمبراطور المكسيك وإمبراطور ألمانيا وملك بروسيا. داخل غطاء أحد هذه العلب نقشت بعض كلمات الإهداء من الإمبراطور الألماني وتفاصيل حول توقيت إهدائها للسفير الألماني لدى إنجلترا في أواخر القرن التاسع عشر. علبة أخرى دقيقة الصنع تحمل شعار الإمبراطور نابليون الثالث إضافة إلى 4 نحلات على أركان العلبة، وهو الرمز الذي استخدمه نابليون للدلالة على الخلود والاستمرارية.
في جانب آخر هدية أخرى تحمل شعار المملكة العربية السعودية، وهي خنجر من الذهب بمقبض من الفضة مرصع بالألماس. يقول ماغالهاس إن الخنجر أهدي لإحدى الشخصيات الرفيعة في النصف الثاني من القرن العشرين وبيع لشخص آخر بعد ذلك. إلى جانب الخنجر ساعة من الذهب المرصع بالماس والفيروز صنعت لأمر شاه إيران الراحل في دار بوشيرون عام 1950.
في قاعة أخرى نرى نموذجا مصغرا لسفينة حربية تعود ملكيته للأمير هاينريك من بروسيا، النموذج البديع الصنع مصنوع نصفه الأعلى من الفضة على قاعدة من الأبنوس. يشير ماغالهاس إلى أن عادة اقتناء نماذج للسفن الحربية المصنوعة من الفضة تعود إلى القرن السادس عشر. والنموذج الموجود أمامنا هدية للأدميرال هيندريك من مملكة بروسيا من ضباط الفرقة الأولى من الأسطول الألماني.
أتساءل: بما أن هناك تاريخا طويلا من صناعة هذه النماذج فهل كان ظهورها أمرا معتادا في المزادات العالمية؟ «على العكس».. يقول ماغالهاس، ويضيف: «إنه أمر نادر أن ترى هذا النموذج في مزاد عالمي، فغالبية تلك النماذج تقبع في قاعات المتاحف العالمية. ولكن هذا النموذج النادر أمامنا باعته عائلة الأمير هيندريك في الخمسينات من القرن الماضي وظل بعدها مع العائلة نفسها حتى الآن. وعموما لم أر أنا شخصيا نموذجا لسفينة مثل هذا في الأسواق الفنية، ويمكن لهذا السبب أن ينتهي هذا النموذج في أحد المتاحف العالمية».
تلفت الانتباه قطعة من الرخام الملون تمثل سطح طاولة، القطعة تبدو قديمة على الأقل في تصميمها وألوانها. يقول ماغالهاس بأنها قطعة صنعت داخل مصنع «أوبفيكو ديل بيتري دورو»، وهو مصنع ما زال مستمرا في الإنتاج منذ أسسه فرديناند ديميديتشي في فلورنسا عام 1588 ويتخصص في القطع المصنوعة من الرخام والأحجار النفيسة يتم تركيبها بشكل خاص لتصبح تحفة فنية نادرة، ويشير إلى أن القطعة أمامنا استغرق صنعها 5 سنوات وقام بصنعها 6 حرفيين من المصنع العريق.
يشير أيضا إلى أن هذه القطعة حديثة الصنع استخدمت فيها بعض الأحجار من مجموعة ميديتشي، حيث درج أفراد العائلة الشهيرة على شراء الأحجار النفيسة من جميع أنحاء العالم. القطعة المعروضة للبيع هنا قدمتها وزارة الثقافة الإيطالية لدار سوذبيزز لبيعها وسيخصص ريعها لصالح المصنع في فلورنسا.
وزارة الثقافة أيضا كان لها سبب آخر للبيع وهو التعريف بالمصنع الذي يحاول إبقاء الحرفة حية.
يذكر لنا الخبير أن دار سوذبيز قد قامت ببيع نماذج مماثلة لهذه القطعة من قبل، ولكن الفرق كان في أن تلك القطع كانت تعود للقرن السادس عشر، وتم بيعها بمبالغ ضخمة.
ومن الحرفة الإيطالية إلى الحرفة الهولندية، حيث تعرض لوحتان من السيراميك صنعتا في مدينة دلفت الهولندية، وتحملان الصفات والألوان نفسها التي تظهر في كثير من الأعمال الفنية في الفن الهولندي في القرن السابع عشر، وتحديدا في لوحات الفنان العالمي يوهان فيرمير. يجيبني ماغالهاس: «تماما نرى في لوحات فيرمير التي تعنى بالتفاصيل الدقيقة بعض تلك القطع، ففي القرن السادس عشر كان هناك هوس بالسيراميك الصيني وازدهرت تجارته ما بين الصين وهولندا، وبعد ذلك تلقفت دلفت الصناعة واشتهرت بها بعد ذلك».
وضمن المفروشات هناك مرآة تحمل شعار التاج البرازيلي، وهي صنعت لأميليا دوقة براغانزا وإمبراطورة البرازيل أثناء إقامتها في مدينة لشبونة بعد وفاة زوجها دوم بيدرو إمبراطور البرازيل. القطعة من صنع بيير بارتولومي ديجانتي، وهو صانع مفروشات فرنسي معروف استقر في مدينة لشبونة عام 1821 وسرعان ما ذاع صيته في المدينة، وأصبح من الصناع المفضلين لدى البلاط الملكي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».