كيف دمر مورينيو طموح توتنهام في المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي؟

قبل 9 أيام من فترة أعياد الميلاد، وهي الفترة التي ليست بعيدة جداً في حقيقة الأمر، لكنها تبدو الآن وكأنها من عالم مختلف تماماً، كان مانشستر سيتي قد تعادل للتو على ملعبه أمام وست بروميتش ألبيون، وهو ما كان يعني تراجع سيتي، بقيادة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، إلى المركز الثامن في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان ساوثهامبتون يحتل المركز الثالث، وذهب توتنهام لمواجهة متصدر جدول الترتيب (ليفربول) على ملعب «آنفيلد» وهو يعرف جيداً أن الفوز في المباراة سيجعله يرتقي للصدارة.
وفي تلك الفترة المربكة بين فترتي الإغلاق الثانية والثالثة، بدا الأمر كأن هذا الموسم الشاق يوفر بيئة مناسبة لأسلوب المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو لكي يقود فريقه للمنافسة على اللقب، لكن الأوضاع تغيرت في الأيام الأخيرة، حيث أقال النادي اللندني مدربه بعد سلسلة من النتائج السيئة أدت إلى تراجع الفريق، وتركته يكافح للتأهل إلى دوري أبطال أوروبا في الموسم المقبل، كما خرج من كأس الاتحاد الإنجليزي والدوري الأوروبي.
من النادر أن تكون قادراً على تحديد اللحظة التي يبدأ فيها كل شيء بالانهيار، لكن في هذه الحالة يمكنك القيام بذلك بسهولة؛ لقد كان توتنهام يلعب بشكل جيد للغاية أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد». صحيح أن توتنهام كان يعتمد على الدفاع المتأخر، لكنه أجبر ليفربول على التعادل بنهاية الشوط الأول، وكان يمثل تهديداً كبيراً لمرمى «الريدز» في الهجمات المرتدة، وأهدر هاري كين هدفاً مؤكداً بضربة رأس رائعة، كما سدد ستيفن بيرغوين كرة قوية في القائم. في تلك الفترة، كان من الممكن أن نتخيل أن مورينيو قد استعاد سحره الذي أبهرنا به في كرة القدم الإنجليزية يوماً ما.
لكن قبل نهاية المباراة بـ14 دقيقة، قرر مورينيو إخراج بيرغوين، واستبدال سيرخيو ريغيلون به. ربما كان هناك سبب تكتيكي لذلك، وهو اللعب باثنين من اللاعبين في مركز الظهير الأيسر للحد من خطورة الظهير الأيمن لليفربول ترينت ألكسندر أرنولد، ومنعه من التقدم للأمام. لكن الحقيقة أن هذا التغيير قد قلب المباراة رأساً على عقب. لقد كان ليفربول يشعر بالقلق الشديد لأنه يعلم أنه كلما اندفع للأمام بحثاً عن الهجوم، زادت المساحات الموجودة في الخلف، وزاد احتمال تعرضه للخطر، لكن التغيير الدفاعي الذي أجراه مورينيو سهل الأمور كثيراً على ليفربول، وأصاب توتنهام بالضعف والتفكك. وبالتالي، اندفع ليفربول للأمام، وضغط بكل قوة، وسجل هدف الفوز من ركلة ركنية. ومن الناحية النفسية، أخطأ مورينيو في قراءة المباراة، وأفسدها تماماً بتغيير واحد، وقتل بذلك فرصة فريقه في المنافسة على اللقب، بل ربما مستقبله على المدى الطويل في توتنهام!
لقد كان مورينيو في يوم من الأيام بارعاً في مثل هذه الأمور التكتيكية والخططية، ولا يزال الإنجاز الذي حققه في عام 2004، عندما قاد بورتو البرتغالي للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، يتحدث عنه بصفته مديراً فنياً بارعاً، ويذكرنا بقدرته الواضحة على رؤية المستقبل، وكيف أظهر للعالم أن رؤيته هي الصحيحة، لكنه لم يرَ سوى الخوف في ملعب «آنفيلد».
لقد أصبح الخوف هو المبدأ الأساسي لمورينيو في الآونة الأخيرة، بشكل يذكرنا بأكثر المبادئ التي أشار إليها اللاعب الأرجنتيني السابق دييغو توريس في سيرته الذاتية، عندما قال: «من يستحوذ على الكرة هو من يشعر بالخوف». في الحقيقة، هناك مرحلة في حياة جميع الشخصيات العامة تقريباً يسقطون خلالها في فخ محاكاة ساخرة للذات، عندما يتوقفون عن سؤال أنفسهم عن الحل الصحيح، ويطبقون بدلاً من ذلك الحل الأكثر سهولة الذي لجأوا إليه كثيراً من قبل.
لقد حدث ذلك مع آرسين فينغر، ومع مارغريت ثاتشر؛ لقد توقف فينغر عن التساؤل: «كيف أصل لأفضل حل ممكن لهذه المشكلة؟»، وبدلاً من ذلك بدأ يسأل: «ما أفضل حل كان يلجأ إليه هو نفسه لمواجهة هذه المشكلة؟» وبالتالي، فإن الخبرات الكبيرة قد تجعل صاحبها يقع في فخ التكرار، والتصرف وفق قوالب ثابتة لا تتغير.
لقد أصبح الخوف هو الذي يحدد كل شيء في كرة القدم بالنسبة لمورينيو. ربما يكون هذا خياراً تكتيكياً، لأنه يشكك في الأساس في أهمية الاستحواذ على الكرة، ويعشق اللعب الدفاعي المتأخر. وعندما كان يتولى قيادة بورتو، كان النادي البرتغالي يعتمد على الضغط العالي على الفريق المنافس.
وفي ولايته الأولى مع تشيلسي، تحدث مورينيو عن «الشعور بالراحة والكرة في حوذتك»، وكان يرى أن الاستحواذ على الكرة يساعدك في التحكم في المباراة، لكن عندما نجح في الإطاحة ببرشلونة من دوري أبطال أوروبا، عندما كان يتولى قيادة إنتر ميلان الإيطالي، على الرغم من أن نسبة استحواذه على الكرة في مباراة العودة وصلت إلى 19 في المائة فقط، رسخ نفسه نقيضاً للمدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، ونقيضاً لكرة القدم التي يلعبها برشلونة، ولطريقة اللعب التي تعتمد على الاستحواذ على الكرة لأطول فترة ممكنة.
وأصبح لذلك تداعيات وعواقب وخيمة على الأندية التي تولى مورينيو تدريبها بعد ذلك، نظراً لأن الطريقة التي قد تكون جيدة في مواجهة برشلونة تحت قيادة غوارديولا ليست بالضرورة جيدة لمواجهة كريستال بالاس بقيادة روي هودجسون، أو نيوكاسل بقيادة ستيف بروس! لقد رأينا توتنهام مراراً وتكراراً هذا الموسم وهو يتقدم في المباريات، ثم يعود للخلف بشكل مبالغ فيه، ويستقبل أهدافاً، حتى في المباريات التي بدا أنه قادر على التحكم فيها بشكل كبير. لقد تراجعت قدرة الفريق على الفوز بعد استقباله أهدافاً في الدقائق الأخيرة أمام منافسين مثل وست هام، ولاسك النمساوي، وكريستال بالاس، وولفرهامبتون، وفولهام، ونيوكاسل. وتخلى الفريق عن أي مجازفة أو مغامرة، وبات يعتمد على التكتل الدفاعي، ليس فقط أمام ليفربول، ولكن حدث ذلك أيضاً أمام آرسنال ودينامو زغرب.
في البداية، بدا الأمر كأن مورينيو كان يسعى لإثبات وجهة نظر معينة، وكأن الإنجازات غير المتوقعة التي حققها من قبل قد أثارت لديه رغبة ليس فقط في تحقيق الفوز، ولكن الفوز بهذه الطريقة، وإثبات أن وجهة نظره هي الصحيحة. وأصبح هناك شعور بأن الحذر أصبح آيديولوجية ثابتة لديه. ربما يكون الأمر أبسط من ذلك، وهو أن الخوف بدأ يسيطر عليه تماماً. وربما يكون الأسوأ من ذلك أنه كان محقاً صادقاً عندما قال إنه لا يطلب من اللاعبين التراجع للخلف، وإنما هم من يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم، وهو ما يعني أنه لم يعد يسيطر على الأمور بعد الآن!
وفي كلتا الحالتين، فإن ما تبع ذلك كان الانحدار إلى الهاوية، حيث تراجع مستوى الفريق بشكل كبير، وتراجعت الروح المعنوية للاعبين، وأصبحت تصريحات مورينيو العلنية إلى حد كبير تركز على الهروب من المسؤولية. وعندما سُئل قبل إقالته لماذا يبدو أن توتنهام غير قادر على الاحتفاظ بالصدارة، كما فعلت الأندية التي تولى تدريبها من قبل، رد قائلاً: «المدرب نفسه، ولاعبون مختلفون»، في إشارة إلى أن اللاعبين هم المسؤولون عن ذلك! لكن الحقيقة أن معظم هؤلاء اللاعبين كانوا يدافعون بشكل جيد تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، وبالتالي يمكننا القول بمنطق مورينيو نفسه إنهم «اللاعبون أنفسهم، ومديران فنيان مختلفان»! أي منطق هذا الذي يجعل المدير الفني يعفي نفسه من المسؤولية تماماً، ويلقي بها على لاعبيه على الملأ؟
وقد تكرر هذا السيناريو مع مورينيو في ريال مدريد وتشيلسي ومانشستر يونايتد، حيث كان المدير الفني البرتغالي يعفي نفسه من المسؤولية، ويتسبب في «تسميم» الأجواء داخل النادي، وفي تدهور النتائج. ويأخذنا كل هذا إلى طرح السؤال التالي: هل كانت الأمور ستتغير لو قرر مورينيو إشراك ديلي آلي، بدلاً من بيرغوين أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد»، وغير مركز لوكاس مورا ليلعب على الأطراف؟ ربما لا، لكن هذا التغيير كان بمثابة التحذير بأن المنافسة على لقب الدوري كانت وهمية، وأن الخوف هو المسيطر تماماً على المدير الفني البرتغالي!