ترجمة عربية لرواية التشيلي سيبولفيدا الذي خطفه «كورونا»

بمناسبة الذكرى السنوية لرحيله

لويس سيبولفيدا
لويس سيبولفيدا
TT

ترجمة عربية لرواية التشيلي سيبولفيدا الذي خطفه «كورونا»

لويس سيبولفيدا
لويس سيبولفيدا

صدرت حديثاً عن دار «خطوط وظلال» الأردنية الترجمة العربية لرواية «خط ساخن» للكاتب التشيلي لويس سيبولفيدا، التي أنجزها الروائي المغربي محمود عبد الغني.
وصدرت الترجمة لتتوافق مع الذكرى الأولى لرحيل سيبولفيدا، متأثراً بوباء «كورونا» في مثل هذه الأيام من العام الماضي. «وفاء لكاتب عالمي اختطفه الوباء اللعين» كما كتب الناشر، الذي جاء في تقديمه: «يمارس لويس السخرية من كل شيءٍ في تشيلي، من طبيعة الحياة، من الجنرالات الفاسدين، من الشيوعيين الهاربين، من المجتمع الذي لم يستطع استعادة حقوقه. غير أن هذه السخرية سوداء قاتمة، تحتاج من يفتتها، لأولئك الذين يعملون بصمت حتى تنضج مخططاتهم ليشرعوا في تنفيذها. يريد أن يقول إن الخوف لن يحل شيئاً، وإن الخوف مجرد وسيلة للاستعباد. جورج واشنطن من خيرة المفتشين، وكان قد قضى شبابه في التصدي لسرقة المواشي في باتاغونيا، وأثناء تأديته للواجب، لم ينخرط بالسلك العسكري لولا أن والده ارتأى أن لا مستقبل للهنود إلا بمساندة القانون. قبض على بعض اللصوص، واضطر للدفاع عن نفسه عند محاولتهم للتمرد، فأطلق على مؤخرة أحدهم، لم يكن إلا أحد أبناء الجنرال! سارع رئيسه إلى نقله تأديبياً إلى الشمال، بعد أن استغل الجنرال نفوذه، فجعل من المظلوم ظالماً، يحلو للسلطة فعل ذلك بين الحين والآخر. ولأنه اتُهم بالتهور والمسارعة إلى إطلاق الرصاص، لم يجد مكاناً سوى مكتب التحريات الجنسية. هناك نحن على موعد آخر مع سخرية سيبولفيدا، إذ سيتولى التحقيق في قضايا الخط الساخن، ويعود الجنرال مرة أخرى».
ولد لويس سيبولفيدا في 4 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1949. وخلال عام 1969 درس الإنتاج المسرحي في الجامعة الوطنية، وفي أثناء الدراسة حصل على منحة جامعية لاستكمال دراسته في موسكو. لكن عاد سيبولفيدا إلى تشيلي مرة أخرى مستكملاً نشاطه السياسي في الجامعة، حيث كان زعيماً للحركة الطلابية في قسم الشؤون الثقافية، وبموجب ذلك كان مسؤولاً عن إصدار سلسلات رخيصة للطلاب من أشهر كلاسيكيات الأدب العالمي.
بعد انقلاب عام 1973 الذي أوصل الجنرال أوغوستو بينوشيه إلى سدة الحكم سُجن سيبولفيدا لمدة عامين ونصف ثم حصل على إطلاق سراح مشروط من خلال جهود القسم الألماني لمنظمة العفو الدولية، وظل قيد الإقامة الجبرية ولكنه تمكن من الفرار.
من مخبئه الذي كان تحت الأرض، أسس سيبولفيدا مجموعة درامية هدفها المقاومة الثقافية، وبعد عام كامل تمكنت السلطات التشيلية من إلقاء القبض عليه، وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التخريب ومحاولة قلب نظام الحكم، ومرة أخرى تدخل القسم الألماني من منظمة العفو الدولية وخفف الحكم إلى ثماني سنوات سجن.
بعدها غادر سيبولفيدا البلاد واستقر في الإكوادور، وهناك شارك في بعثة اليونيسكو لتقييم أثر الاستعمار على الهنود الحمر، ومن خلال عمله في اليونيسكو تمكن من فهم أميركا اللاتينية كقارة متعددة الثقافات واللغات، وهو الأمر الذي انعكس بشكل واضح على كتاباته ورواياته.
وراهن لويس سيبولفيدا بشكل كبير على الواقع الخصب الذي أنتجته أميركا اللاتينية، بداية من تفاصيل الحياة اليومية ومروراً بالموروث الشعبي ومخزون الذاكرة، ومن تلك الخامات البكر نسج لنا عوالم حكائية مميزة تمخضت عن واقع مأزوم، ولهذا جاءت أعماله ثائرة لكشف بشاعة النظم السياسية الديكتاتورية ومآسي المجتمعات المقموعة، وهو الأمر الذي اختبره الكاتب بشكل شخصي.
وحقق سيبولفيدا شهرة حول العالم، بعد نشر روايته «العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية» عام 1988 (صدرت بالعربية عن دار الآداب، عام 1993). تستند الرواية إلى أسابيع أقام خلالها في غابات الأمازون من الجهة الإكوادورية، خلال السبعينيات، واختبر خلالها الحياة مع قبائل من السكان الأصليين المعروفين بـ«الشوار».
يحكي الكتاب عن انتهاكات واعتداءات السياح، والصيادين، والمنقبين عن الذهب على الغابات المطيرة، والإخلال بتوازن الطبيعة. وترجمت الرواية إلى 35 لغة حول العالم، ونقلت إلى فيلم من إخراج الأميركي ريتشارد درايفوس (2001).



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».