لودريان يحاول في بيروت إنقاذ المبادرة الفرنسية

TT

لودريان يحاول في بيروت إنقاذ المبادرة الفرنسية

يشهد لبنان، بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل، زحمة دولية تبدأ بمعاودة المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية، ووصول وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى بيروت، مساء الأربعاء، في محاولة لإعادة الاعتبار للمبادرة الإنقاذية التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون، متسلحاً هذه المرة بكاسحة ألغام سياسية؛ بمنع كل مَن يثبت عرقلته لتشكيل الحكومة أو ضلوعه في الفساد من دخول الأراضي الفرنسية، فيما يتردد أن موسكو تدرس إيفاد نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، في حال تقررت الاستعانة به لإقناع من يعيق ولادة الحكومة بضرورة تنعيم موقفه.
وتعلّق الأوساط السياسية في لبنان أهمية على التلازم بين معاودة المفاوضات البحرية ومجيء لودريان، لما بينهما من ترابط سياسي يكمن في أن باريس وواشنطن تدعمان الاستقرار ولا تؤيدان ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد جلاء الموقف في المفاوضات النووية الجارية في فيينا، لأن مجرد ترحيلها سيأخذ لبنان إلى مزيد من السقوط الذي يؤدي حتماً إلى إغراقه في الفوضى وصولاً إلى تهديد وجوده وتركه يواجه مصيره المجهول وحيداً.
وتلفت الأوساط السياسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لبنان يفتقد حالياً إلى الحد الأدنى من الصمود، لافتقاده كل أشكال المناعة السياسية والاقتصادية والمعيشية، وبات في حاجة ماسة إلى لقاح سياسي يأمل بأن توفره له المبادرة الفرنسية، وتقول إن معاودة المفاوضات البحرية في حاجة إلى الاستقرار السياسي، وأن تؤمن للجانب اللبناني المفاوض شبكة أمان إذا رغبت واشنطن في استمرارها للوصول بها إلى بر الأمان.
وتعتبر أن البديل عن الاستقرار يكون في إتاحة الفرصة للذين لا يريدون استمرار المفاوضات لانتزاع حقوق لبنان البحرية إلى التلطّي وراء المفاوضين لتبادل الرسائل الدبلوماسية الساخنة لاعتبارات تتعلق بالتطورات التي تعصف بالمنطقة، بصرف النظر عن استمرار المفاوضات النووية.
وتخشى الأوساط السياسية من أن يؤدي قطع الهواء عن لبنان إلى تعليق المشاورات الجدية لتشكيل الحكومة، وبالتالي سيدفع لبنان الثمن، لأنه يفتقد إلى مقومات الصمود التي تُدرجه على لائحة الانتظار إلى ما بعد إعادة رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة، فيما بدأ يرتفع منسوب الدعوات في لبنان إلى تطبيق اللامركزية الإدارية بذريعة أن «اتفاق الطائف» نص على ضرورة اعتمادها.
وترى أنه من السابق لأوانه فتح الباب أمام تطبيق اللامركزية الإدارية، وتعزو السبب إلى أن تطبيقها في ظل تفكك الدولة سيقود حتماً إلى التقسيم، مشيرة إلى المنحى الخطير للموقف الذي صدر عن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أثناء زيارته لموسكو، الذي ينم عن مقايضة رئاسة الجمهورية باللامركزية.
وتسأل: «هل باسيل طرح هذه المقايضة التي أقل ما يقال فيها إنها (ملغومة) بعد أن تراجعت حظوظه في انتخابه رئيساً للجمهورية خلفاً لعمه الرئيس ميشال عون؟ وكيف يسمح لنفسه بأن ينطق باسم المسيحيين بالتنازل عن الرئاسة؟ وهل قرر تجييرها لرئيس مسلم ليتفرّغ للمطالبة باللامركزية بمعناها السياسي الواسع وصولاً إلى مناداته بالحكم الذاتي؟».
لذلك، فإن مجيء لودريان من وجهة نظر الأوساط السياسية، وإن كان يتسلح بإجراءات «تأديبية»، فهو سيحاول إنقاذ المبادرة الفرنسية من دون أن «يفرج» عن المشمولين بهذه الإجراءات التي سيُبقي عليها من باب الاحتياط في حال توصّل إلى قناعة بأن مسعاه اصطدم بحائط مسدود.
وبكلام آخر، فإن لجوء لودريان إلى استخدام السلاح الثقيل المتمثل بالإجراءات سيبقى مؤجلاً، إلا إذا اضطر لاستخدامها كخرطوشة أخيرة من باب تسجيل موقف ليس أكثر، وبالتالي لن يبوح بأسماء المشمولين بها فور وصوله إلى بيروت وإلا يكون قد أقحم نفسه في مشكلة، لأنه من غير الجائز أن يلتقي مَنْ أدرجهم على لائحة التدابير التأديبية. كما أن لا مصلحة له في أن يحصر الإجراءات بفريق من تيار سياسي معيّن دون الآخر لما يترتب على تدبير من هذا النوع من تداعيات يمكن أن تدفع باتجاه تطييف الخلاف بين الفريق المستهدف وباريس.
وعليه، فإن لودريان يلوّح باتخاذ إجراءات ضد مَن يعرقل تشكيل الحكومة من باب الضغط لرفع الشروط التي تعيق ولادتها، من دون أن يفرّط بالأسماء الواردة في اللائحة، هذا إذا كانت موجودة في الأساس، لأنه قد يفاجأ ببعض المشمولين بالإجراءات بأنهم يتناغمون معه في تسهيل تأليفها بخلاف ما كان يعتقد.
في ضوء كل ذلك سيحاول لودريان حشر الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، محملاً إياها مسؤولية إعاقة ولادتها، خصوصاً أن مجيئه يتلازم مع عودة المشاورات إلى نقطة الصفر، وهذا ما تسبب بانقطاع التواصل بين الرئيس عون والرئيس المكلف سعد الحريري، الذي يدل على انعدام الثقة بينهما التي زادت من ارتفاع منسوب الكيمياء السياسية المفقودة بينهما.
واستباقاً لوصول لودريان إلى بيروت، التقى الحريري، ليل أول من أمس، رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام في إطار المشاورات المفتوحة بينهم، وعلمت «الشرق الأوسط» أن المجتمعين أبدوا ارتياحهم لموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، وعبّروا عن قلقهم الشديد حيال تمسُّك عون بشروطه، وكأن البلد بألف خير، غير آبه للوضع المأزوم الذي يمر فيه.
وتأكّد - نقلاً عن رئيس حكومة سابق فضّل عدم ذكر اسمه - أن الحريري باقٍ على موقفه حيال المواصفات التي وضعها لتشكيل الحكومة، نافياً في الوقت ذاته أن يكون الرئيس المكلف وافق على توسيع الحكومة من 18 إلى 24 وزيراً.
فالحريري كما نُقل عنه لم يضع تشكيل حكومة من 24 وزيراً على طاولة المشاورات من دون حصوله على ضمانات تفتح الباب أمام البحث بتوسيعها، لأن مجرد طرحها سيدفع بعون إلى وضع شروط جديدة وصولاً لتأمين حصوله عملياً على أكثر من الثلث الضامن أو المعطّل، ما دام أنه كان ولا يزال، وبتحريض من تياره السياسي، بقيادة باسيل، ضد تشكيل حكومة برئاسة الحريري، إلا إذا سلّم بشروطه التي تطيح بالمبادرة الفرنسية؛ بتحويل الحكومة إلى مربعات سياسية تُولَد ميتة سلفاً، ومكبّلة بسلاسل حديدية من صنع باسيل، الوريث السياسي لعون.



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».