أدى الفشل الذريع لمؤامرة دوري السوبر الأوروبي إلى تداعيات عكسية ضد أغنى أندية كرة القدم، وعزز بشدة قضية الإصلاح التي كانت قطاعات عريضة من الجماهير تطالب بها منذ جيل كامل. لقد كان توقيت القرار المصيري من قبل «الستة الكبار» في الدوري الإنجليزي الممتاز بالمشاركة في البطولة الجديدة خاطئاً للغاية في حد ذاته، خصوصاً في ظل نفاد صبر الحكومة البريطانية من الأموال الطائلة التي تنفق على كرة القدم خلال فترة تفشي فيروس كورونا.
لقد تم إطلاق «المراجعة التي يقودها الجمهور» - والتي كانت أحد الوعود في بيان حزب المحافظين لعام 2019 لكنها تأخرت منذ الانتخابات - رداً على ذلك، وقد ألقى الاستيلاء على الأموال الذي حفز عملية الانفصال وإنشاء بطولة جديدة الضوء على القضايا التي تجب معالجتها: عدم المساواة المالية الشديدة في كرة القدم، والقوة المبالغ فيها لعدد قليل من الأندية في القمة. وتشير الاختصاصات الصادرة عن الحكومة إلى أن المراجعة ستفحص بالفعل الشؤون المالية للعبة وملكيتها وما إذا كانت بحاجة الآن إلى تنظيم مستقل، أم لا.
وتجب الإشارة إلى أن الدوري الإنجليزي الممتاز نفسه الآن منقسم بشكل علني بين الستة الكبار والـ14 الآخرين الذين وقفوا بقوة ضد الانفصال وإنشاء البطولة الجديدة، لدرجة أنه ستكون هناك صعوبة كبيرة في تقديم رد موحد على مراجعة الحكومة. لقد نجح الدوري الإنجليزي في ذلك رداً على كثير من الاستفسارات السابقة، وهو ما أدى إلى إبهار الحكومات بالانتشار العالمي لكرة القدم الإنجليزية والعمل المجتمعي الرائع للأندية، وصد أولئك الذين دافعوا عن الإصلاح الأساسي.
لكن خلال العام الماضي، بعد أن أصيب السياسيون المحافظون والعماليون بالحيرة بسبب انهيار ناديي بيري وويغان على الرغم من الطفرة الهائلة في كرة القدم، فإن الوباء قد سلط الضوء على التفاوتات المالية الهائلة بشكل صارخ للغاية. فبينما يبدو أن الأندية الكبرى مهووسة في التفكير بخسائرها ورغبتها في فرض مزيد من السيطرة على عائدات البث التلفزيوني في المستقبل، بما في ذلك عائدات بث مبارياتها إلى قواعدها الجماهيرية العالمية، شعر الوزراء بالإحباط الشديد بسبب تأخر الدوري الإنجليزي الممتاز في الاتفاق على صندوق إنقاذ فيروس كورونا للأندية التي تلعب في المسابقات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز، والتي تعاني بشدة جراء تداعيات الوباء.
ومع اقتراب عودة الحياة إلى طبيعتها أخيراً بعد حالة الرعب التي تسبب فيها الوباء، أطلقت الأندية الغنية العنان لجني الأموال من خلال بطولة دوري السوبر الأوروبي، بدلاً من التوصل إلى خطة - كما قال الاتحاد الأوروبي لكرة القدم - لإعادة بناء الرياضة معاً. وبالإضافة إلى تسليط الضوء بشكل مذهل على أخطاء كرة القدم الإنجليزية، فإن كل هذا قد سلط الضوء على الحلول الممكنة - لا سيما النموذج الألماني، بالنظر إلى عدم مشاركة بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند في دوري السوبر الأوروبي. ومع تهديد رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون بـ«قنبلة تشريعية» لوقف الانفصال، فهناك شعور متنامٍ بأن هذا المزيج من الظروف قد أنتج فرصة تاريخية للتغيير الحقيقي - وهو أمر مثير للدهشة في ظل هذه الحكومة المحافظة. لقد أصبحت رابطة مشجعي كرة القدم، التي غالباً ما يتم الالتزام بتوصياتها لكن لا يتم تنفيذها، الآن مشاركاً رئيسياً في المراجعة التي يقودها الجمهور.
ولطالما استندت أفكار إصلاح اللعبة في عصر التسويق الضخم للدوري الإنجليزي الممتاز بعد عام 1992 إلى الرغبة الشديدة في حماية القلب الرياضي والروح المجتمعية للعبة، ولم تكن أبداً معقدة للغاية بالنسبة لهذه اللعبة البسيطة والجميلة. ووفقاً لظروف اليوم، فإن عدداً قليلاً من المقترحات الشاملة يمكن أن تفي بهذه الوظيفة، ومن المرجح أن يتم النظر فيها من قبل المراجعة التي يقودها الجمهور ورئيسها، وزيرة الرياضة السابقة تريسي كراوتش. إن هذه التغييرات الخمسة هي أفكار قد يكون وقتها قد حان أخيراً، وهي كالتالي:
توزيع أكثر عدلاً للمال
كان أحد العناصر الأكثر إثارة للسخط للجميع تقريباً فيما يتعلق بخطة دوري السوبر الأوروبي يتمثل في الشعور المتكرر من ريال مدريد وليفربول وآرسنال والأندية الأخرى الأغنى في أوروبا بأن النظام الحالي لا يعمل بطريقة ما لصالحهم. وبينما كانت هذه الأندية تتكبد الخسائر بسبب فترة الإغلاق نتيجة تفشي فيروس كورونا وتشعر بالذهول من توقعات البنك التجاري «جي بي مورغان» بشأن مقدار الأموال التي يمكن أن تربحها، فإن بقية عناصر اللعبة كانت ترى أنه يجب توزيع الأموال بشكل أكثر عدالة ومساواة.
وعندما تصبح أي رياضة غير متكافئة بشكل صارخ، وتهيمن عليها الشركات المملوكة للمليارديرات داخل وخارج الملعب، فإنها تخون تراثها وتاريخها، كما أظهر احتجاج الجماهير ضد دوري السوبر الأوروبي. إن توزيع الأموال يعد عنصراً أساسياً في الرياضة التنافسية، وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أنه قد تم الاتفاق على تقاسم إيرادات تذاكر المباريات بين الأندية المستضيفة والضيفة عند تأسيس دوري كرة القدم في إنجلترا في عام 1888. وعلاوة على ذلك، فإن الرياضة الأميركية التي يمتلك فيها ملاك ليفربول ومانشستر يونايتد وآرسنال «امتيازات»، توزع عائدات البث التلفزيوني والإيرادات التجارية بشكل متساوٍ للغاية، وذلك لضمان منافسة حقيقية بين جميع الفرق.
وقد أدى انفصال الدوري الإنجليزي الممتاز عن باقي الدوريات الإنجليزية في عام 1992 إلى تدمير نظام الأموال المشتركة بين الدوريات الأربعة الأولى في كرة القدم الإنجليزية، بعد أن تم إلغاء اقتسام تذاكر المباريات بين الأندية المستضيفة والضيفة في عام 1983، وتركيز الثروة في أكبر الأندية. ومع ذلك، فإن إجمالي ما يقدمه الدوري الإنجليزي الممتاز لبقية اللعبة يصل إلى نحو 7 في المائة فقط من إجمالي عائدات البث التلفزيوني، وهناك شعور بالاشمئزاز من الأندية التي تنهار في الأسفل، ولا تزال المنشآت الشعبية ترغب في الحصول على بعض الأموال، في ظل تركز معظم تلك الأموال في القمة.
«حصة ذهبية» في الأندية للجماهير
من المحتمل أن تكون هناك نسخة إنجليزية للهيكل الموجود الآن في كرة القدم الألمانية، التي أصبحت الآن تحظى بالإعجاب فجأة في جميع أنحاء أوروبا، حيث تمتلك روابط المشجعين حصة أغلبية حتى في أغنى الأندية، مثل بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند. إن «قاعدة 50 في المائة + 1» التي تضمن سيطرة الجمهور في ألمانيا لا تعني دائماً أن المشجعين يمتلكون غالبية الأسهم، لكن لديهم حصة مسيطرة عند اتخاذ القرارات الرئيسية والحاسمة. وخلال اندفاع كرة القدم الإنجليزية للحصول على الأموال، حقق كثير من مالكي الأندية المحلية عدة ملايين من الجنيهات من خلال بيع الأسهم للمستثمرين الأجانب، بعيداً عن القواعد التاريخية لاتحاد كرة القدم التي تحظر المكاسب الشخصية التي يمكن جنيها من امتلاك الأندية. إن شركات كرة القدم التي تهيمن الآن على الدوري الإنجليزي الممتاز، والمملوكة بالكامل للمستثمرين، هي نتيجة لهذا التحرير. ونظراً لأن المشجعين لا يستطيعون شراء حصص كبيرة في هذه الأندية، فهناك فكرة بوجود «حصة ذهبية»، بحيث تكون لرابطة المشجعين المكونة بشكل صحيح سيطرة على التصويت على قرارات مهمة محددة، مثل أي تغييرات أساسية في النادي الذي تنتمي له هذه الرابطة، بالإضافة إلى قضايا أوسع، بما في ذلك مقاومة أي حديث عن الانفصال.
ممثلون للمشجعين في مجالس إدارات الأندية
لقد تم طرح هذه الفكرة بالفعل خلال الأسبوع الجاري من قبل جوليان نايت، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان البريطاني. إنه يعمل هو وزملاؤه في البرلمان ويدرسون الحقائق الوحشية لكرة القدم من خلال التحقيق الذي أجروه بشأن إفلاس نادي بيري في 2019 بعد 125 عاماً من العضوية في دوري كرة القدم بإنجلترا، وغضبهم من تأخر الدوري الإنجليزي الممتاز في التوصل إلى اتفاق بشأن إنقاذ الأندية الصغيرة المتضررة من تداعيات فيروس كورونا. وقد أدى ذلك إلى تضمين وجهة نظر مفادها أن الأندية نفسها تحتاج إلى مشاركة مناسبة من قبل المشجعين حتى تكون هناك مسؤولية جماعية. ولا يزال يتعين القيام بالكثير من العمل لتطوير اقتراح بشأن كيفية تعيين ممثلي الجماهير. قد تقاوم الأندية ذلك، لكن الاتصال الجيد مع روابط المشجعين الآن له تأثير محدود حالياً على اتخاذ قرارات مجالس الإدارة، ومن الواضح أنه لم تتم استشارة المشجعين قبل وصول الستة أندية الكبرى إلى طريق مسدودة في دوري السوبر الأوروبي.
اختبار لـ«الأشخاص المناسبين والملائمين»
إن «اختبار الأشخاص المناسبين والملائمين» لملاك الأندية والمديرين التنفيذيين هو في حد ذاته مثال على كيفة دفع هيئات ومؤسسات كرة القدم من قبل بعض النشطاء لتحقيق أهداف شخصية. لقد قاوم الدوري الإنجليزي الممتاز تطبيق مثل هذا الاختبار لسنوات، بحجة أنه قد يكون غير قانوني، إلى أن تطبق الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز بعد القواعد في يونيو (حزيران) 2004، ويتبعها الدوري الإنجليزي الممتاز في أغسطس (آب) من ذلك العام.
إن القاعدة الحالية، التي تحظر الأشخاص المفلسين أو الذين لديهم قناعات بعدم الإنفاق، هي الحد الأدنى من الضمانات التي يجب وجودها. ويجب توسيع هذه القاعدة لكي تنظر في القضايا الحديثة الأوسع نطاقاً ولتشجيع المالكين الذين سيكونون أوصياء جيدين. وهناك فكرة أخرى تتمثل في استمرار هذا الاختبار، بحيث يقوم المالكون بالتسجيل للالتزام بجميع القواعد والهياكل والحوكمة المتفق عليها. وإذا فكروا في خرق هذه القواعد - على سبيل المثال، من خلال تشكيل دوري السوبر الأوروبي المنشق - فإنهم يخاطرون بمخالفة القاعدة ومنعهم على الأقل من العمل كمديرين لأنديتهم.
منظم مستقل
بعد كثير من السنوات التي تم فيها طرح هذه الفكرة ومقاومتها من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم والدوريات المختلفة، أصبح التنظيم المستقل يبدو كأنه إصلاح ضروري قد حان وقته الآن. لقد ترسخ الإحساس بأنه بينما تزدهر اللعبة أكثر من أي وقت مضى لكنها تعاني من أخطاء هيكلية، فإنها لا تستطيع بعد الآن تنظيم نفسها. وكان يتعين على الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أن يقوم بهذا الدور باعتباره الهيئة الحاكمة، لكن تم إضعافه بشدة بسبب المقاومة الشرسة من جانب الدوري الإنجليزي الممتاز وأصبح غائباً إلى حد كبير عن أكبر القضايا المتعلقة بالمال والسلطة. ويمكن لأي جهة تنظيمية مستقلة أن تعمل من خلال جعل اللعبة تلتزم رسمياً بهياكلها التي تم إصلاحها، بما في ذلك التوزيع الأكثر عدلاً للأموال - والمعايير المتفق عليها بشأن مكافحة العنصرية وغيرها من القضايا الأساسية. ويمكن أن تشمل هذه أيضاً مشكلات «المستهلك» في اللعبة، بما في ذلك جعل التذاكر والمباريات المتلفزة في متناول الجميع بعد سنوات من تضخم الأسعار بشكل مفرط. قد يبدو من الصعب أن تفكر حكومة محافظة في التنظيم بهذه الطريقة، لكن وزير الثقافة أوليفر دودن أدرك هذا الأسبوع أن كرة القدم جزء من التراث الوطني الذي يحتاج إلى الحماية. وعن غير قصد، فإن الأندية الأكثر ثراءً - بأفعالها المتطرفة - قد قدمت حجة مذهلة لهذا الأمر بأنفسها!