غداة تسريب تسجيل صوتي لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، حاول الجهاز الدبلوماسي تهدئة الغضب الداخلي، فيما عد وزير الخارجية الأسبق، منوشهر متقي، التسجيل «اغتيالاً سياسياً» لمسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، قاسم سليماني، الذي قضى بضربة جوية في بغداد أمر بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ويوجه وزير الخارجية الإيراني، في التسجيل المسرب أول من أمس، انتقادات إلى دور «الحرس الثوري»، والجنرال سليماني، في تقويض الدبلوماسية الإيرانية، إضافة إلى تنامي التعاون الإيراني - الروسي في سوريا بعد التوصل للاتفاق النووي، متهماً موسكو بمحاولة قلب الطاولة على الاتفاق، خشية التقارب الإيراني - الغربي. ويطالب بضرورة رد الاعتبار للجهاز الدبلوماسي، منتقداً المكانة «المقلوبة» بين موقع العسكريين والدبلوماسيين في البلاد.
وفي جزء من تصريحاته التي تعود إلى مارس (آذار) الماضي، ينتقد ظريف تراجع الإقبال الشعبي على الانتخابات البرلمانية السابقة، الأمر الذي ساعد التيار المعارض للاتفاق النووي في السيطرة على مقاعد البرلمان.
وأثارت الانتقادات غير المسبوقة من المسؤول الإيراني الرفيع لجهاز «الحرس الثوري» ردوداً متباينة في إيران، قبل يوم من بدء الجولة الثالثة من مفاوضات مكثفة في فيينا لإحياء الاتفاق النووي. وهذه المرة الثانية التي يسبق زلزال كبير جولة المباحثات في فيينا، بعدما فصل تفجير منشأة نطنز بين الجولتين الأولى والجولة الثانية التي انتهت الجمعة الماضية.
وقال المتحدث باسم الخارجية، سعيد خطيب زاده، إن التسجيل الذي حصلت عليه بعض وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية في الخارج «لم يكن حواراً أو مقابلة صحافية، وإنما مقابلة روتينية سرية في الحكومة»، في تأكيد ضمني لما سمي «التاريخ الشفوي الإيراني». وأوضح أن التسجيل «جاء بناء على رغبة الرئيس حسن روحاني في نقل تجارب حكومته إلى الحكومة اللاحقة، عبر تسجيل مقابلات للوزراء لضمها إلى الوثائق»، مضيفاً: «كان من المفترض أن تكون المقابلات سرية»، نافياً أي دور لوزارة الخارجية في عملية المقابلة، والفريق الذي أجراها، قائلاً: «لا نعلم من، ولماذا نشرها». وأضاف: «كان هناك بعض التحمس من وسائل الإعلام لتقطيع تصريحات ظريف، لكن يجب النظر إليها بصورة عامة».
وحاول المتحدث التقليل من أهمية تسريب التسجيل إلى وسائل إعلام خارجية، عندما أشار إلى تداوله بين الوسط الإعلامي في الداخل، قبل أن يجد طريقه إلى وسائل الإعلام في الخارج، وقال: «من المؤسف أنه تسرب ليلة أول من أمس... في البداية انتشر بصورة محدودة، ونحن حصلنا عليه صباح أمس من بعض الصحافيين، وفي المساء وصل إلى نطاق أوسع»، لكنه في نهاية المطاف ترك الأمر إلى الأجهزة الأمنية.
وأشار المتحدث إلى أن ظريف «يتحدث عن تكريم الجنرال سليماني في التسجيل، وعن دوره في صناعة السلام، وحكمته ومنطقه». وعد نشر التسجيل «حدثاً غير قانوني»، لكنه حاول أن يضع تصريحات الوزير في إطار «جو من الخبرة والصراحة والشفافية والديناميكية الذي يتخذ فيه القرارات العليا المتفق عليها».
وتقدم وزير الخارجية الأسبق منوشهر متقي منتقدي مقابلة زميله السابق ظريف، معتبراً الحوار «اغتيالاً سياسياً» للجنرال سليماني. وأشار تحديداً إلى تصريحات ظريف عن أفضلية «الساحة» لدى المؤسسة الحاكمة على الجهاز الدبلوماسي. ويقول ظريف في التسجيل: «لم تضح الساحة إطلاقاً من أجل الدبلوماسية، وإنما الدبلوماسية هي من كانت ضحية الساحة»، في إشارة ضمنية إلى «الحرس الثوري»، ودور ذراعه الخارجية «فيلق القدس» الذي يشارك في مختلف مناطق النزاع بالمنطقة، ويرعى ميليشيات متعددة الجنسيات.
وقال ظريف: «في كل مرة أذهب للتفاوض، كان سليماني هو من يقول لي: احصل على هذا الامتياز، أو خذ هذه النقطة»، وأضاف: «كنت أتفاوض لنجاح العمل الميداني». ورأى متقي أن تصريحات ظريف «تظهر أنه ليس لديه دراية صحيحة أو تعريف دقيق للساحة ولا الدبلوماسية»، وأضاف: «يكفي أن ينظر (ظريف) إلى أميركا، ويرى كيف أن المجال والدبلوماسية فيها يكمل أحدهما الآخر، بسياسة واحدة ومقاربة متكاتفة».
وعلق متقي أيضاً على الجزء الخاص بتعاون روسيا وإيران في سوريا بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، مشيراً إلى أن مباحثات سليماني وبوتين، ودعوته إلى النزاع السوري «كانت رصاصة الرحمة لإقناع روسيا للدخول إلى ساحة الحرب»، وأضاف: «من المؤسف أن هذه المقابلة (ظريف) كانت اغتيالاً سياسياً جباناً لمن أقدمت أميركا على اغتياله عسكرياً».
وأشار ظريف في التسجيل الصوتي إلى عدة أحداث وقعت بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015، وقال: «يكفي أن نستذكر الأحداث التي حدثت في 6 أشهر سبقت تنفيذ الاتفاق النووي (في منتصف يناير/ كانون الثاني 2016)»، وبذلك عد الهجوم على السفارة السعودية لدى طهران، واحتجاز زورقين للقوات الأميركية خلال الأسبوعين اللذين سبقا تنفيذ الاتفاق، ضمن محاولات نسف الاتفاق على يد معارضيه في الداخل الإيراني.
وعد أول زيارة لسليماني إلى موسكو تندرج في هذا الإطار، متهماً موسكو بالسعي إلى قلب الطاولة على «إنجاز» الاتفاق النووي، وقال: «روسيا قررت أن تستقبل سليماني عندما جرى توقيع الاتفاق». وأضاف: «نحن نزعم أن سليماني أقنع بوتين بالمشاركة في الحرب السورية، لكن بوتين كان قد اتخذ قراره، لقد دخل الحرب، لكن بقواته الجوية، مقابل مشاركة القوات البرية الإيرانية، غير أنه لم تكن لدينا قوات برية هناك؛ لقد كان هناك السوريون والعرب والأفغان والمتطوعون».
وقال ظريف: «وجهوا دعوة لسليماني في يوليو (تموز) 2015، بينما اتخذوا القرار للتدخل في سوريا»، وتابع: «لماذا بينما كان بإمكانها أن تضرب سوريا من البحر المتوسط، ضربت روسيا من فوق أجواء إيران؟ لماذا حلقت القاذفات الروسية فوق إيران؟ كل هذه الأحداث كانت بعد التوصل إلى الاتفاق النووي».
وذهب ظريف أبعد من ذلك، عندما كشف تفاصيل الدور الروسي في المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي، وقال: «روسيا بذلت قصارى جهدها في الأسبوع الأخير لمنع توقيع الاتفاق»، وأضاف: «لم يعتقد الروس أن الاتفاق النووي سينجح. وفي الأسابيع الأخيرة، عندما لاحظوا أن الاتفاق على وشك التواصل إلى نتيجة، بدأوا في تقديم مقترحات جديدة»، متابعاً: «في هذه المرحلة، اقترحت روسيا وفرنسا إلزام إيران بتمديد إذن مجلس الأمن كل 6 أشهر لمواصلة الاتفاق النووي». وللتأكيد على روايته حول الاستياء الروسي، استند ظريف في روايته إلى غياب وزير الخارجية الروسي من الصورة الجماعية التي جمعت وزراء خارجية أطراف الاتفاق في فيينا.
وحاول المتحدث باسم الخارجية تلطيف الأجواء مع موسكو، عندما أشاد أمس بقوة «العلاقة القديمة» بين ظريف ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وقال إن العلاقة مع روسيا وإيران «استراتيجية»، مشيراً إلى عزمهما على «تنمية العلاقات في مختلف المستويات». ويأتي نشر التسجيل في وقت ارتبط فيه اسم ظريف بقائمة التيار الإصلاحي المعتدل الذي يسابق الزمن للوصول إلى مرشح متفق عليه لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو (حزيران) المقبل، ويراهن التيار على مخاوف داخلية من تراجع الإقبال على الانتخابات في تمرير قائمة المرشحين.
ومنذ مطلع الشهر الحالي، تجري إيران مفاوضات غير مباشرة مع الإدارة الأميركية، بوساطة من اللجنة المشتركة في الاتفاق النووي، باقي أطراف الاتفاق، لإعادة الامتثال المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران.
وعلى ضوء الانتخابات، والمفاوضات في فيينا، انقسمت الأوساط الإيرانية في تفسير توقيت ودافع التسجيل. فمن جهتها، تعد الأوساط الراغبة في رؤية ظريف في الانتخابات الرئاسية أنها ضربة لطموح الإصلاحيين في المضي قدماً بترشيحه، بينما ترى أوساط أخرى أن التطور الجديد من شأنه أن ينعكس «إيجاباً» على موقع ظريف في المفاوضات، والخروج منه برفع العقوبات، بينما يواجه تحديات في العقوبات الخاصة بـ«الحرس الثوري»، وأخرى مرتبطة بالإرهاب، وسط إصرار الدول الغربية على الحصول على ضمانات لعودة إيران إلى طاولة حوار بهدف التوصل إلى اتفاق موسع، يضبط الأنشطة الإقليمية وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
ويراهن الخبراء المؤيدون المقربون من ظريف على توظيف ورقة الانتخابات للحصول على مرونة غربية في المباحثات الجارية، محذرين من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تولي «إدارة متشددة» مع الغرب. وبدورها، تتطلع الحكومة الإيرانية إلى كسر جمود الاتفاق النووي قبل الانتخابات، في محاولة للمصالحة بين الإيرانيين وصناديق الانتخابات، بعد تسجيل أدنى مشاركة في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، على الرغم من أنها تصر على نفي أي توجه انتخابي في مباحثات فيينا التي تنطلق جولتها الثالثة اليوم.
لكن موقع «زيتون»، الإصلاحي المعارض، أشار إلى احتمالين وراء تسريب التسجيل: أن يكون وراءه معارضون لمفاوضات فيينا وإحياء الاتفاق النووي، أو منافسون في الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك، أشار الموقع إلى دور محتمل لأحد المقربين من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. ونقل الموقع عن مصادره في طهران أن ظريف كانت بحوزته نسخة من التسجيل.
وسألت وكالة أنباء «إرنا»، المنبر الإعلامي الأول لحكومة روحاني، المتحدث باسم الخارجية، أمس، حول «تصاعد الهجمات» على الخارجية، واحتمال زيادتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فأجاب: «للأسف، نشاهد موجة حول توظيف السياسة الخارجية في سياق أهداف انتخابية لبعض التيارات؛ ما حدث له أهداف لكن لن يؤثر على مهمتنا».
وفي وقت سابق، اتهمت وكالة «تسنيم»، التابعة لجهاز استخبارات «الحرس الثوري»، حسام الدين آشنا، مستشار الشؤون الثقافية للرئيس الإيراني، بأنه «المسؤول» عن تسريب التسجيل الصوتي. ورد آشنا على اتهامه في «تويتر»، قائلاً: «إن شاء الله، سوء النية والكيد المحتمل يرد عليهم».
وكتبت صحيفة «فرهيختغان»، المقربة من علي أكبر ولايتي، مستشار «المرشد» الإيراني، أنه يقال إن المقابلة كانت في مركز الأبحاث الاستراتيجية التابعة للرئاسة، بإدارة آشنا، ورأت أن «نوعية تصريحات ظريف تظهر أنه وثق في المستضيف». وتساءلت: «ألا يعلم ظريف أن إفشاء المعلومات السرية من الاجتماعات الداخلية من جانب وزير الخارجية تعلن إفشاء المعلومات السرية للبلد، ولا تغتفر؟!».
ورجح أستاذ العلوم السياسة في جامعات طهران المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إمكانية تسريب التسجيل من قبل ظريف نفسه، وقال: «لا أعتقد أن نشر التسجيل الصوتي يضر ظريف؛ إذا بحثنا عن النفع والضرر، أعتقد أن نشر المقابلة ستضر المتشددين أكثر من الوزير».
فريق ظريف يهدئ داخلياً... ومتقي يتهمه بـ«اغتيال» سليماني سياسياً
وزارة الخارجية وصفت تسريب مقابلة الوزير بأنه «غير قانوني»
فريق ظريف يهدئ داخلياً... ومتقي يتهمه بـ«اغتيال» سليماني سياسياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة