لبنان يرفض أن يكون معبراً لما يمس الأمن الاجتماعي السعودي

فتح تحقيق في شحنة «رمان الكبتاغون» وتشديد على مراقبة الصادرات الزراعية

الاجتماع الأمني في بعبدا برئاسة عون (الوكالة الوطنية)
الاجتماع الأمني في بعبدا برئاسة عون (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان يرفض أن يكون معبراً لما يمس الأمن الاجتماعي السعودي

الاجتماع الأمني في بعبدا برئاسة عون (الوكالة الوطنية)
الاجتماع الأمني في بعبدا برئاسة عون (الوكالة الوطنية)

أعلن لبنان أمس (الاثنين) عن سلسلة إجراءات وخطوات لمواجهة عمليات تهريب المخدرات من أراضيه، التي كان آخرها «شحنة الرمان» المليئة بـ«الكبتاغون»، التي وصلت إلى السعودية وأدت إلى اتخاذ الرياض قراراً بوقف استيراد الخضار والفاكهة من لبنان. وركزت القرارات على التشدد بالمراقبة وإجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة الجهات التي تقف خلفها، كما تكليف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي التنسيق مع قيادات المملكة.
وأتت هذه القرارات في اجتماع أمني موسع ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا أمس، وحضره رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ووزراء الدفاع والداخلية والبلديات والمال والخارجية والزراعة والاقتصاد والتجارة والصناعة، والمدعي العام التمييزي القاضي، وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية والجمارك، وعدد من المعنيين في القطاع الزراعي من مزارعين ومصدرين.
وفي البيان الختامي للاجتماع، تم التأكيد على «حرص لبنان على متانة العلاقات الأخوية مع المملكة العربية السعودية، وإدانة كل ما من شأنه المساس بأمنها الاجتماعي، لا سيما تهريب المواد الممنوعة والمخدرة إلى أراضيها، خصوصاً أن لبنان يرفض رفضاً قاطعاً أن تكون مرافقه البرية والبحرية والجوية طريقاً أو معبراً لمثل هذه الجرائم المشينة والمضرة بحق الإنسانية»، متمنين على السعودية «إعادة النظر في قرار منع دخول المنتجات الزراعة اللبنانية إليها أو عبور أراضيها». وفيما طلب المجتمعون من وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في المملكة العربية السعودية لمتابعة البحث في الإجراءات الكفيلة بكشف الفاعلين ومنع تكرار مثل هذه الممارسات المدانة، تم توكيل المدعي العام التمييزي «استكمال ومتابعة ما يلزم من تحقيقات لكشف كل ما يتصل بعملية تهريب المواد المخدرة في شحنات الخضار والفاكهة التي دخلت الأراضي اللبنانية، والجهات التي تقف وراء تصديرها إلى المملكة العربية السعودية، وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين والمخططين والمنفذين والمقصرين وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، على أن يصار إلى إطلاع المسؤولين السعوديين على نتائجها في أسرع وقت ممكن».
وطلب المسؤولون من القوى العسكرية والأمنية والجمارك والإدارات المعنية «التشدد وعدم التهاون إطلاقاً في الإجراءات الآيلة إلى منع التهريب على أنواعه من الحدود اللبنانية وإلى أي جهة كانت، لا سيما منها الشحنات المرسلة إلى دول الخليج، والتأكد من خلوها من أي بضائع ممنوعة».
وكانت توصية للمصدرين اللبنانيين بـ«التزام قواعد التجارة الخارجية المبنية على مصداقية البضاعة المصدرة والتدقيق في المنتجات التي يتم تصديرها حفاظاً على سمعة لبنان من جهة، ومن جهة أخرى على نظافة منتجاتهم الزراعية والصناعية، وخلوها من أي مواد تعاقب عليها القوانين المرعية الإجراء».
وتم الطلب من وزير المالية غازي وزني «متابعة تنفيذ المرسوم المتعلق بالنظام الإلزامي لمعاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات في المرافق الحدودية اللبنانية، لا سيما إطلاق مناقصة عمومية لإنشاء هذا النظام تحت الأوضاع الجمركية كافة، بعد أن تم إعداد دفاتر الشروط اللازمة».
أما من الناحية التقنية، فقد تم تكليف «وزراء المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة مراجعة الآليات والإجراءات التي تتبع في عملية التجارة الخارجية، واقتراح التعديلات اللازمة على النصوص القانونية المعمول بها حالياً لضمانة حسن وسلامة الصادرات اللبنانية بالتنسيق مع اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة، وتكليف وزير المالية وضع تقرير مفصل بالحاجات والمستلزمات والتجهيزات اللازمة لتحسين أداء وجهوزية المديرية العامة للجمارك».
وفي رد على سؤال لمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير، الذي تلا البيان، عن الجهة التي قامت بالعملية، وعما إذا كان هناك من متواطئين في ظل اتهام «حزب الله» بأنه يقف وراء عمليات التهريب؟ أجاب: «دعونا لا نستبق التحقيقات التي بدأت، وفخامة الرئيس ودولة الرئيس وجميع المعنيين كانوا حريصين على أن يذهب التحقيق إلى النهاية كما يجب ووفقاً للقوانين».
وعما إذا كان لبنان تبلغ من دول عربية أخرى أنها ستتخذ الإجراءات نفسها؟ قال: «نشرت أخبار في الإعلام وليس من الضروري أن نتبلغ رسمياً».
وفي مستهل الاجتماع، كانت كلمة لرئيس الجمهورية شدد فيها على «ضرورة التشدد في مكافحة عمليات التهريب ومن يقف وراءها»، مؤكداً «حرص لبنان على المحافظة على أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وحماية الأمن والاستقرار فيها، وعدم تعريض سلامتها وأبنائها لأي خطر»، وداعياً إلى «إتمام عملية شراء أجهزة (سكانر) لوضعها على المعابر المقررة منذ يونيو (حزيران) 2020، التي صدر مرسوم بشأنها، وذلك في أسرع وقت لمساعدة المراقبين في الجمارك على القيام بالمهام المطلوبة منهم».
من جهته، أكد رئيس حكومة تصريف أن «الدولة اللبنانية ستقوم بواجباتها لجهة مزيد من التشدد لملاحقة شبكات تهريب المخدرات»، مشدداً على «حرص لبنان على أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومع كل دول الخليج والدول العربية». وقال: «نحن بالتأكيد مع المملكة في محاربة شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية وخيوطها الممتدة في العديد من الدول، ومع ملاحقة المتورطين، سواء كانوا لبنانيين أو سعوديين، أو من أي بلد»، متمنياً «تعاون الأجهزة في البلدين وفي كل الدول العربية لملاحقة شبكات التهريب وتفكيكها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.