فلسفة سيمون فَي الهادمة

صورة لمفكرة عصيّة على التصنيف السياسي

الفيلسوفة الفرنسية سيمون في
الفيلسوفة الفرنسية سيمون في
TT

فلسفة سيمون فَي الهادمة

الفيلسوفة الفرنسية سيمون في
الفيلسوفة الفرنسية سيمون في

تمتعت الفيلسوفة الفرنسية سيمون فَيWeil (1909 - 1943) بقدرة هائلة على التعاطف - وبقدر لا بأس به من المازوخية. بحثت عن الظلام للهروب من الحياة البورجوازية المريحة التي ولدت فيها - أي النموذج نفسه المتجسد في نجاحات اليهود الفرنسيين المندمجين في الجمهورية الثالثة. حين كانت في العاشرة من عمرها، عام 1919، اختفت من شقتها الباريسية ليُعثر عليها بعد ذلك وهي تشارك في مسيرة على شارع سان ميشيل نظمها العمال المضربون، تنشد النشيد اليساري «الإنترناسيونال». وأثناء إجازتها إبان السنة الأخيرة لها في «الإيكول نورمال سوبيريور» (كلية المعلمين العليا) - التي ستتخرج فيها محققة المرتبة الأولى على رفاقها، ومتفوقة على سيمون دي بوفوار - كانت تكد في قارب لصيد السمك في نورماندي. في عام 1932 ذهبت إلى منجم فحم كادت تنهار فيه حين حاولت أن تجرب الحفر بالهواء المضغوط.
لقد تخلت «في» بكل تأكيد عن امتيازاتها عام 1934 حين أخذت إجازة من تدريس الفلسفة في ثانوية ريفية في روانيتو لتعمل في مصانع مختلفة في باريس. هناك تعلمت على نحو مباشر كيف أن «التوقف عن التفكير... هو الطريقة الوحيدة للتخلص من الألم». أسلوبها الأخرق جعل عملها في المصنع صعباً - مع أنه على الأرجح أنقذ حياتها. المهمة القصيرة التي قامت بها مع الدوليين الفرنسيين في الحرب الأهلية الإسبانية (كتبت: «لحسن الحظ أنني قصيرة النظر إلى حد أنه لا يخشى من أن أقتل أحداً، حتى حين أصوب تجاههم») اختُصرت حين وَضَعت قدمها في قدر من زيت الطبخ فاضطرت للعودة إلى باريس.
بعد هروب أسرتها من الغزو النازي لفرنسا تلبستها فكرة النزول بالباراشوت خلف خطوط العدو مع كتيبة من الممرضات. اقتراحها الانتحاري رفضه ديغول بعنف. بدلاً من ذلك كُلفت بإعداد تقارير حول إعادة إعمار فرنسا سياسياً وروحياً. في عام 1943، ماتت نتيجة لمرض السل الذي ضاعفه، حسب تقرير الطب الشرعي، ما فرضته على نفسها من سوء تغذية: رفضت أن تتناول من الطعام ما يزيد على ما كان مسموحاً به في بلادها. سمتها أسرتها «أنتيغوني»، وسماها رفاق صفها «أمر التنانير الإلزامي».
كانت «في» في حياتها القصيرة معلمة أكثر منها كاتبة - في الثانوية، في مجموعات القراءة العمالية، ومع صيادي السمك والفلاحين الذين علمتهم اللغات والأدب حين تنتهي فترة عملهم. ومع ذلك فقد كتبت «في» بحرارة. غير أن أياً مما كتبت تقريباً لم ير النور أثناء حياتها، باستثناء مقالتها الشهيرة والجديرة بذلك «الإلياذة، أو قصيدة القوة»، التي نُشرت إبان عهد فيشي في فرنسا أربعينيات القرن الماضي، التي تظل أكثر أعمالها يسراً للقراءة.
كتبها جميعاً جمعها الآخرون، نظموها من مقالاتها، ومن الملاحظات التي تركتها في عناوين مثل «في انتظار الله» و«الجدية والرحمة» حول لاهوتيتها المتصوفة، و«الحاجة إلى جذور» حول نظريتها السياسية. وقد ذكر مفكرون مختلفون اختلاف ألبير كامي، والبابا بولس السادس، وأيرس مردوخ، وجاك دريدا، وسوزان سونتاغ، وفرانتز كافكا، أنهم تأثروا بها. إنتاجيتها العالية بعد وفاتها - بوصفها مفكرة وأسطورة - يجعلها عصية على التحديد.
يقول روبرت زارتسكي، في كتابه المنتظر الجديد «سيمون فَي الهادمة»: «لقد عاشت سيمون فَي، وعلى نحو نادر في العصر الحديث - بل في كل عصر - في فلسفتها بالكامل». بالاعتماد على السيرة التي أصدرتها سيمون بيترمانت عام 1973، التي لا تزال الأفضل، يقارب زارتسكي، «في»، من خلال «عدد قليل من الموضوعات الأساسية في فكرها التي لا تزال تتردد حتى اليوم» - الأسى، الاهتمام، التجذر، المقاومة والمقدس. هذه الموضوعات توحي بالمساحة المدهشة لعملها، المساحة التي كدستها في 33 عاماً فقط. يضفي زارتسكي بنثره الواضح والسهل تماسكاً على أعمال «في» المتشظية في المجمل. وما يتمخض عنه ذلك هو صورة لمفكرة عصية على التصنيف السياسي التزمت أثناء حياتها وفي كتاباتها أن تكون منفتحة على الواقع الذي لا يطاق من حولها.
فترة تدريب «في» لمدة عام في مصانع باريس حولت ميولها الماركسية المبكرة إلى شيء أكثر رهافة - وربما أكثر تطرفاً. كتبت تقول: «ينبغي أن يكون عمل كل إنسان موضوعاً لتأمله»، مستبقة تمييز حنة أرنت بين العمل الذي يحمل معنى والجهد المجرد. وقد قادت هذه المقاربة الروحية للاضطهاد «في» إلى تطوير ما سماه زارتسكي «مفهوماً محافظاً في جوهره، إن لم يكن رجعياً، لـ(الثورة) و(المقاومة)». لم تكن «في» تؤمن بإيجاد شكل جديد من الحياة، وإنما باستعادة وجوه عدة من تلك التي مسحها التصنيع. كانت «في»، بتعبير ت. س. إليوت، «محبة للنظام والطبقية أكثر مما يحبهما معظم الذين يسمون أنفسهم محافظين، وفي الوقت نفسه محبة للناس بصدق يفوق أولئك الذين يسمون أنفسهم اشتراكيين».
كانت الآيديولوجيا بالنسبة لـ«في» أقل أهمية من المعاناة. العمل في المصانع الحديثة - بما فيه من رتابة لا تنتهي، واندفاع جنوني - يُحدث ما سمته le Malheur»»، التي تترجم عادة إلى «affliction»، أسى: حالة «بشعة كما هي الحياة في حقيقتها دائماً، كجذع مقطوع، كاندفاع حشد من الحشرات». إننا نتجاهل بدافع داخلي النظرة الكئيبة لعامل منهك، مثلما نتجاهل الآثار الدموية للحرب - نوعين من العنف المناهض للإنسانية، حسب ما ترى «في». إن القوة، حسب ما تقول في مقالتها حول الإلياذة، «تحول أي شخص يخضع لها إلى مجرد شيء. وعند ممارستها في حدها الأقصى، تحول الإنسان إلى شيء بأشد المعاني حرفية: تحوله إلى جثة». العمل والحرب يدمران الإحساس المركب الذي يجعل منا بشراً.
يحتاج البشر أيضاً إلى أن يشتبكوا في مجتمع - إلى الجذور التي تقتلعها الحداثة والحرب. التجذر يعني المحافظة، كما تقول «في»، «على كنوز بعينها من الماضي وتوقعات بعينها من المستقبل» - المهمة القصوى للشعب، من زاوية تذكر بالفيلسوف الآيرلندي بيرك. (مما يذكر في هذا السياق أن الفيلسوف الإنجليزي روجر سكروتون أدخل «في» في «تراثه العظيم»). الحالة المميزة للحياة الحديثة هي الانفصال عن الجذور - «نوع من الدوار الداخلي» أعمق وأكثر مراوغة من الاستلاب.
يأتي الانفصال عن الجذور من الترحيل المادي المفروض عليها وعلى عائلتها نتيجة للعدوان النازي - لوناً من الاستعمار الروحي الذي رأته متماهياً بالفرنسة التي فرضها الفرنسيون على أهالي مستعمراتهم.
رؤية العالم لدى «في» صارت وبصورة متسارعة أكثر تديناً، وفي ثلاثينيات القرن انجرفت أكثر بعيداً عن نشأتها اليهودية المندمجة و«غير المراعية للعبادات» لتقترب أكثر نحو المسيحية. مع أنها رفضت الانتماء إلى مذهب مسيحي، فقد «انشغلت»، كما يروي زارتسكي، «في حوار رائع وتجريحي غالباً مع المسيحية» انطلاقاً من تجربتها الروحانية في كنيسة رومانيسكية في بلدة أسيسي (الإيطالية) عام 1937، حين شعرت بطاقة مقدسة تدفعها لتجثو للصلاة.
مثل أشياء كثيرة في حياتها، اتخذت المسيحية لدى «في» صفة إنكار الذات - ليس إنكار صلاتها باليهودية فحسب، التي احتقرتها بقسوة بصفتها قوة وحشية وخالية من القداسة في التاريخ، وإنما أيضاً لذاتها هي. «الضرورة الملحة، البؤس، الحزن، العبء الساحق للفقر والجهد الذي ينهكنا، القسوة، العذاب، الموت القاسي، الضغط، المرض - هذه كلها مكونات الحب المقدس كما كتبت «في» واصفة رؤيتها لما يسميه الغنوصيون «التفريغ الروحي» (كينوسيس). «إنه الإله الذي ينسحب منا نتيجة للحب لكي نستطيع أن نحبه». لكي نقترب من المقدس علينا أن نمر بعملية لا تخلق، إلغاء للانفصال الأساسي الذي حدث حين خلق الله العالم. علينا أن نتغلب على الانفصال بالتغلب على أنفسنا.
ليس على المرء أن يكون مسيحياً ليرى القيمة في مسعى «في»، حسب آيرس مردوخ، «أن تخترق حجاب الوعي الأناني وترتبط بالعالم كما هو حقيقة». كما أنه ليس على المرء أن يكون فيلسوفاً ليرى أن لـ(في)، رغم رؤيتها النخبوية (الإيزوتيريكية) للعالم، التزاماً يضعها في مرتبة سقراط من حيث هي أحد الممارسين الكبار للفلسفة بوصفها أسلوب حياة. أنموذج (في) - إن لم يكن معتقدها - يذكرنا في عصر علماني وفرداني ما يعنيه أن يعيش الإنسان من أجل ما يؤمن به».
* مراجعة لكتاب «فَي الهدمية: حياة في خمس أفكار»
تأليف: روبرت زارتسكي
عن مجلة «بروسبكت»



«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)
المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)
TT

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)
المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير الذي كان يميّز هذا الطريق.

والفيل البرتقالي، الذي كان مثبتاً في حقل على جانب طريق «إيه 38» قرب قرية كينفورد القريبة من مدينة إكستر، قد رمّمته عائلة تافرنر التي تملكه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ورُشَّت كلمتا «لا للقمامة» عليه، ويُعتقد أنّ ذلك كان رداً على خطط مثيرة للجدل لإنشاء موقع مكبّ نفايات مؤقت على الأرض المملوكة للعائلة.

المعلم يخضع لعملية ترميم بعد التخريب (مواقع التواصل)

يُعدُّ اقتراح إنشاء موقع مكبّ للنفايات جزءاً من طلب تخطيط مُقدَّم من شركة «بي تي جنكنز» المحلّية، ولم يتّخذ مجلس مقاطعة ديفون قراراً بشأنه بعد.

بدورها، قالت الشرطة إنه لا شكوك يمكن التحقيق فيها حالياً، ولكن إذا ظهرت أدلة جديدة على وجود صلة بين الحادث ومقترح إنشاء مكبّ للنفايات، فقد يُعاد النظر في القضية.

أما المالكة والمديرة وصانعة «الآيس كريم» بشركة «آيس كريم الفيل البرتقالي» هيلين تافرنر، فعلَّقت: «يخضع الفيل لعملية ترميم بعد التخريب الرهيب الذي تعرَّض له»، وأضافت: «ندرك أنّ ثمة اختلافاً في الآراء حول الخطط، ونرحّب بالمناقشات العقلانية، لكنْ هذه ليست المرّة الأولى التي نضطر فيها إلى مُطالبة الشرطة بالتدخُّل».

وتابعت: «نطالب الجميع بالاستفادة من هذه اللحظة، فنتفق على إجراء هذه المناقشة بحكمة واحترام متبادَل».