مكافحة تهريب المخدرات تبدأ بمصانعها

التدابير السعودية تلقى تأييداً خليجياً وأوروبياً

مكافحة تهريب المخدرات تبدأ بمصانعها
TT

مكافحة تهريب المخدرات تبدأ بمصانعها

مكافحة تهريب المخدرات تبدأ بمصانعها

قال مصدر أمني لبناني بارز إن الاجتماع الأمني الذي يرعاه، اليوم (الاثنين)، رئيس الجمهورية ميشال عون، للنظر في التداعيات السياسية والاقتصادية المترتبة على القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بحظر دخول الخضار والفواكه من لبنان أو عبورها من أراضيها نظراً لاستغلالها في تهريب المخدرات والذي بوشر بتطبيقه أمس (الأحد)، يجب أن يخرج بقرارات استثنائية وليست عادية لا تتعلق بوقف التهريب فحسب، وإنما بتجفيف منابع تصنيع المواد المخدّرة، وهذا يتطلب من لبنان وضع خطة لدهم مصانع الإنتاج ووقفها عن العمل.
ولفت المصدر الأمني لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لا جدال في التدبير الذي اتخذته السلطات السعودية، حرصاً منها على أمنها الاجتماعي وحماية السعوديين والمقيمين على أراضيها من آفة المخدرات. وكشف أن مسؤولين سعوديين وآخرين من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، لم يتوقفوا عن مراجعة الجهات الأمنية اللبنانية المولجة بمكافحة المخدرات وتحذيرها من استمرار عمليات تهريب المخدرات، وأن المهربين يستخدمون في غالب الأحيان المسالك البرية والجوية والبحرية التي تربط لبنان بالخارج.
وأكد أن موفدين رسميين من الدول التي تعاني من تهريب المخدرات من لبنان إلى أراضيها كانوا قد عقدوا منذ أكثر من أسبوع اجتماعات مع مسؤولين أمنيين لبنانيين شددوا خلالها على ضبط المسالك الشرعية أو المعابر غير الشرعية التي يستخدمها المهربون لإيصال «سمومهم» إلى بلدانهم، وقال إنهم قاموا بتزويد من التقوهم بلائحة أسماء المصانع التي تتولى تصنيع المواد المخدرة والمنتشرة في عدد من المناطق البقاعية، وتحديداً في البقاع الشمالي وفي المناطق الحدودية المتداخلة بين لبنان وسوريا.
وقال المصدر إن هؤلاء الموفدين، إضافةً إلى المقيمين منهم بصورة دائمة في بيروت لملاحقة الشكاوى المتكررة من بلدانهم من تزايد عمليات تهريب المخدرات، كانوا قد حذّروا من اضطرار البلدان المتضررة من استمرار التهريب إلى اللجوء إلى تدابير وإجراءات للحد منها. وأكد أن ما أقدمت عليه السعودية يجب أن يؤخذ في الاعتبار والتعاطي معه بجدّية، خصوصاً أنه ليس في مقدور الحكومة المستقيلة إلا التعامل بمسؤولية حيال التدابير التي اتخذتها.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية أن هناك محميات عشائرية تتولى توفير الحماية للمصانع التي تنتج المواد المخدّرة الواقعة في مناطق ليست خاضعة لسلطة الدولة وإنما لقوى الأمر الواقع، وأن معظم هذه المصانع موجود في المناطق الحدودية المتداخلة بين لبنان وسوريا، ومنها المستخدمة للتهريب والتي تربط بين البلدين بطرقات معظمها مستوفية لشروط السلامة المرورية بخلاف الطرقات الشرعية.
وأكدت المصادر الأمنية أن معظمها يقع داخل الأراضي اللبنانية وأن سوريين من أطباء ومخبريين وفنيين هم من يشرفون على تصنيع المواد المخدّرة سواء في تحضيرها أو خلطها. وقالت إن سوريين ولبنانيين يعملون فيها ويتولّون جمعها وتوضيبها.
ورأت أن قوى الأمن الداخلي سواء من خلال مكتب مكافحة المخدرات أو عبر شعبة «المعلومات» التابعة لها ومعها وحدات من الجيش، تقوم بجهود كبيرة في مكافحتها للمخدرات، لكن وقف تهريبها إلى الخارج يتطلب دهم مصانع الإنتاج والتصنيع وإتلاف زراعة الحشيشة، وهذا لن يتحقق إلا بوضع خطة أمنية تتيح للشرعية السيطرة على المناطق الخارجة عن سلطتها وهذا ما يضع حداً لتمدّد دويلات منتجي المخدرات العاصية على الدولة المركزية وتتمتع بحمايات سياسية من القوى النافذة في البقاع امتداداً إلى النظام في سوريا.
وأكدت أن رفع التدابير بوقف استيراد الخضار والفاكهة من لبنان يتوقف على عاتق الدولة من جهة وعلى القوى النافذة برفعها الغطاء السياسي الذي يحمي دويلة تهريب المخدرات. ورأت أن من شروط الاستجابة لشكاوى الدول المتضررة من تصاعد عمليات التهريب سواء لمادة الحشيشة إلى مصر والبلدان الأوروبية أو الحبوب المخدّرة إلى دول الخليج تكمن في إقفال المعابر غير الشرعية وضبط الأخرى الشرعية وتفعيل دور الجمارك وأجهزة الرقابة التي ما زالت معطّلة.
وسألت كيف يمكن مكافحة التهريب ما دامت المعابر البرية الشرعية التي تربط لبنان بسوريا تفتقر إلى كاميرات المراقبة وأجهزة «سكانر» للكشف على الحقائب والحاويات المحمّلة من لبنان إلى الخارج؟ وكشفت أن هذه الأجهزة ليست موجودة في الأساس في المعابر البرية بين لبنان وسوريا ولا في المرافئ، ومنها مرفأ بيروت الذي تعطّل جراء الانفجار الذي استهدفه.
كما سألت: لماذا أجهزة الكشف محصورة فقط في مطار رفيق الحريري الدولي؟ وما المانع من استيراد المزيد منها إلى المعابر البرية والمرافئ، وأيضاً من تشديد الكشف على حاويات البواخر المحمّلة من بيروت إلى الخارج أو تلك التي تفرّغ حمولتها في المرافئ؟
لذلك، فإن سيطرة الدولة على المعابر غير الشرعية التي تسيطر عليها القوى النافذة أو تلك المحمية، والتشدُّد في المراقبة والتنفيذ يأتي في سلّم الأولويات في خريطة الطريق التي تمكّن للبنان أن يستعيد ثقة الدول المتضررة من ارتفاع منسوب التهريب لأن وضعه الاقتصادي المتردّي لا يتحمل مزيداً من الحصار الذي فرضته الدولة على نفسها لانحيازها إلى محور الممانعة بقيادة إيران، بدلاً من أن تنأى بنفسها ولا تسمح باستخدام لبنان منصة للهجوم على الدول العربية من هذا المحور الذي يتزعّمه «حزب الله».
وعليه، فإن لبنان في غنى عن مشكلة مع السعودية ودول الخليج المتضامنة معها والمؤيدة للتدابير التي اتخذتها، وهذا يتطلب من «العهد القوي» في ظل انسداد الأفق السياسي أمام تشكيل حكومة جديدة، أن يبادر أولاً إلى التصالح مع المزارعين والهيئات الاقتصادية المتضررة من الإجراءات السعودية والمتفهّمة في آن معاً لدوافعها، وهذا لن يتحقق إلا بإنهاء دويلة المصانع المنتجة للمواد المخدّرة، وإلا فإن الخريطة الاقتصادية للبنان ستذهب ضحية المجموعات المستعصية على الشرعية.
ويبقى السؤال: هل تحزم الدولة أمرها وتتخذ القرارات الحاسمة في نهاية الاجتماع الأمني لوقف التهريب لئلا يبقى في حدود رفع العتب من جهة، وتبادر إلى الطلب من النظام في سوريا ترسيم الحدود البرية بين البلدين لئلا تبقى المناطق الحدودية المتداخلة تؤوي المطلوبين وتوفّر الحماية للمصانع المنتجة للمخدرات لأن لبنان قبل التدابير السعودية غير لبنان فور سريان مفاعيلها بدءاً من أمس؟



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».