سلسلة غارات إسرائيلية على غزة... ومواجهات القدس تنتقل إلى الضفة

36 صاروخاً من القطاع تلغي رحلة كوخافي إلى واشنطن... والوسطاء لاحتواء التصعيد في كل مكان

الشرطة الاسرائيلية تعتقل فلسطينياً خلال مواجهات في القدس أول من  أمس (د.ب.أ)
الشرطة الاسرائيلية تعتقل فلسطينياً خلال مواجهات في القدس أول من أمس (د.ب.أ)
TT

سلسلة غارات إسرائيلية على غزة... ومواجهات القدس تنتقل إلى الضفة

الشرطة الاسرائيلية تعتقل فلسطينياً خلال مواجهات في القدس أول من  أمس (د.ب.أ)
الشرطة الاسرائيلية تعتقل فلسطينياً خلال مواجهات في القدس أول من أمس (د.ب.أ)

أشعلت شرارة المواجهات الواسعة في القدس، مواجهات في الضفة الغربية كذلك، وأخرى بالصواريخ في قطاع غزة، في جولة هي الأسوأ منذ شهور طويلة.
وفيما اشتبك فلسطينيون مع الجيش الإسرائيلي عند نقاط التماس في الضفة في مشهد لم يعد متكرراً كثيراً في الفترات الماضية، أطلقت الفصائل الفلسطينية من القطاع 36 صاروخاً تجاه مستوطنات الغلاف في ليلة واحدة، قبل أن ترد إسرائيل بسلسلة غارات جوية ومدفعية، فيما بدا مواجهة متزامنة في القدس والضفة والقطاع، أجبرت رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي على إلغاء رحلة كانت مقررة للولايات المتحدة ليلة السبت.
وأجرى كوخافي جلسة خاصة لتقييم الوضع الميداني أمس، أوعز خلالها «باتخاذ سلسلة خطوات وردود فعل محتملة بالإضافة إلى الاستعداد لحالة تصعيد»، بحسب بيان للجيش الإسرائيلي. وجاء في البيان: «نظراً للأحداث والتطورات المحتملة قرر رئيس الأركان تأجيل زيارته إلى الولايات المتحدة في هذه المرحلة».
وبعد ذلك ترأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة تقييم أخرى في مقر وزارة الجيش لدرس الموقف ووجه جيشه كذلك للاستعداد لأي تطور.
وجاء الاستعداد لتصعيد محتمل على جبهة غزة تحديداً، والتدهور الأمني في الضفة والقدس، رغم الجهود الواسعة التي يبذلها وسطاء لمنع التصعيد.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن اتصالات أجرتها مصر والأمم المتحدة وأطراف أخرى مع السلطة وإسرائيل والفصائل الفلسطينية لتجنب تصعيد محتمل في القطاع والحيلولة دون أن تتدحرج هذه الجولة من المواجهة إلى حرب أوسع، ومن أجل تهدئة الموقف في القدس أيضاً.
وأكدت المصادر أن الاتصالات بدأت وتقوم على أساس تقييم مؤكد أن الطرفين، إسرائيل أو «حماس»، لا يرغبان بتصعيد أكبر في غزة.
وأكد الموفد الأممي لـ«الشرق الأوسط» تور فينسيلاند أنه يعمل مع جميع الأطراف على احتواء التصعيد في المنطقة، مطالباً بوقف جميع «الأعمال الاستفزازية» في القدس والكف عن إطلاق القذائف الصاروخية من غزة. ودعا المسؤول الأممي جميع الأطراف إلى الحفاظ على ضبط النفس ومنع التصعيد خاصة في شهر رمضان وفي ظل الفترة السياسية الحساسة التي يمر بها الجانبان.
وشهد قطاع غزة تصعيداً هو الأسوأ منذ عدة شهور استمر حتى الفجر بعدما دخلت الفصائل الفلسطينية على خط المواجهة في القدس، وأطلقت 36 قذيفة صاروخية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية في رسالة دعم للمقدسيين.
وقال الناطق باسم حركة «حماس»، فوزي برهوم، إن «ما تقوم به المقاومة من رد على هذا العدوان، يأتي في إطار القيام بواجبها الوطني والقيمي في حماية مصالح شعبنا، وكسر معادلات الاحتلال». وحذّر برهوم الاحتلال الإسرائيلي من الاستمرار في التصعيد، ومن «ارتكاب أي حماقات» من شأنها المساس بأهالي القدس، وبالمسجد الأقصى.
وحمّل برهوم في بيان الاحتلال مسؤولية وتداعيات «الأعمال الاستفزازية العنصرية» التي يقوم بها جنوده والمستوطنون بحق المقدسيين والمصلين في باحات الأقصى المبارك.
كما أكدت حركة «الجهاد الإسلامي»، بدورها، أن «المقاومة» ردت على الاعتداءات الإسرائيلية التي يتعرض لها المقدسيون والمسجد الأقصى وسترد على أي اعتداء بالمثل و»لن تسمح للعدو بتجاوز قواعد الاشتباك مطلقاً».
وقالت الحركة في تغريدات عبر «تويتر»: «المسجد الأقصى خط أحمر والمقدسيون ومن خلفهم كل شعبنا لن يسمحوا» للمستوطنين بأن «يدنسوا الأقصى».
وانطلقت الصواريخ من غزة بعد مظاهرات كبيرة جابت القطاع تضامناً مع المقدسيين. وأعلنت عدة فصائل منها كتائب «الشهيد أبو علي مصطفى» الجناح العسكري لـ«الجبهة الشعبية» و»كتائب المقاومة الوطنية» الجناح العسكري لـ«الجبهة الديمقراطية»، ومجموعات تابعة لـ«كتائب الأقصى» منها أيمن جودة، ولواء العامودي، مسؤوليتهم المنفصلة عن الهجمات الصاروخية التي «تأتي في إطار الرد على جرائم الاحتلال، ونصرة للقدس والأقصى، ولأهل المدينة المنتفضين في وجه اعتداءات الاحتلال».
ورغم أن «حماس» لم تطلق صواريخ لكن في إسرائيل يدركون أن الحركة سمحت للآخرين بإطلاق هذه الصواريخ وهي مسؤولة عن كل كبيرة وصغيرة تجري في القطاع، ولذلك استهدفت الغارات الإسرائيلية مواقع تابعة لـ«حماس» بما في ذلك «موقع عسكري وبنى تحتية تحت أرضية ومنصات إطلاق قذائف صاروخية»، بحسب بيان للجيش الإسرائيلي.
وكانت «كتائب القسام» الجناح المسلح للحركة، هددت إسرائيل بأن «لا تختبر صبرها»، مضيفة: «قدسنا دونها الدماء والأرواح وفي سبيلها نقلب الطاولة على رؤوس الجميع ونبعثر كل الأوراق».
لكن في إسرائيل يعتقدون أن «حماس» لا تريد أن تذهب للنهاية، وهو ما ترجمه قرار الجبهة الداخلية الإسرائيلية أمس بإلغاء التقييدات في غلاف غزة التي شملت إلغاء طرق ومنع الزراعة أو التجمهر وإغلاق شاطئ زيكيم المحاذي لحدود شمال غربي القطاع والبقاء بالقرب من المناطق المحمية المحصنة، وتجنب الذهاب إلى المعابد والكنس اليهودية.
وقالت القناة العامة الإسرائيلية «كان 11» إن اتصالات جرت لاحتواء الموقف والعودة إلى الوضع السابق. وقالت «القناة 13» الإسرائيلية إن «حماس» أبلغت مصر بأنها لا ترغب بالتصعيد، ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين في الجيش تقييمهم بأن حصر مدى القذائف الصاروخية في مناطق «غلاف غزة»، جاء لـ«تقييد التصعيد». أما صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فذكرت أن التقديرات هي أن القذائف ستتوقف بعد أن أوضحت «حماس» رسالتها وأظهرت الدعم لأهل القدس.
وتشهد مدينة القدس منذ مساء الخميس مواجهات ليلية عنيفة بين الفلسطينيين من جهة، والشرطة الإسرائيلية ومستوطنين من جهة أخرى، خلفت أكثر من 100 إصابة وعشرات الاعتقالات في المدينة المتوترة، وإصابات لدى الجنود الإسرائيليين والمستوطنين.
وتحولت المدينة إلى ساحة مواجهات ليلية في الميادين والشوارع والأزقة وأمام بوابات المسجد الأقصى بعدما تدافع الفلسطينيون يوم الخميس لصد مجموعات كبيرة من أنصار اليمين المتطرف شنوا هجمات استهدفت مصلين ومدنيين في بيوتهم وهم يهتفون «الموت للعرب» ثم تدحرجت الأحداث.
وخلال اليومين الماضيين توسعت الاشتباكات وأظهرت مقاطع فيديو متطرفون يهود يهتفون الموت العرب والانتقام ويلقون الحجارة ويشعلون النار عند تقاطع طرق في القدس، ويهاجمون منزلاً لعائلة عربية داخل البلدة القديمة كما هاجموا عمالاً عرباً في سوق للخضار.
ومعظم هؤلاء اليهود ينتمون لمنظمة «لهافا» اليهودية المتطرفة التي دعت إلى مسيرات في القدس تحت عنوان «الموت للعرب» و«العرب إلى الخارج».
ومقابل ذلك، هاجم الفلسطينيون متطرفين يهود وأشبعوهم ضرباً في غمرة المواجهات التي اتسعت مع الشرطة الإسرائيلية أيضاً التي قررت منع الفلسطينيين من الجلوس على درجات باب العامود وواجهتهم بالرصاص والغاز والهروات واعتقلت الكثير منهم.
وسرعان ما انتقلت المواجهات إلى الضفة الغربية التي شهدت اشتباكات في بين متظاهرين والجنود الإسرائيليين في رام الله وطولكرم وبيت لحم خلفت العديد إصابات ثم إلى مسيرات في غزة وصواريخ على مستوطنات قريبة.
ودعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس المقدسيين وكذلك المتظاهرين في الضفة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.