إدانات واسعة للاعتداءات العنصرية الدامية في القدس والأقصى

الأزهر عدّها «محاولة لطمس الهوية العربية»... واستنكار البرلمان العربي وحكومتي فلسطين والأردن

عنصران من الشرطة الإسرائيلية خلال مواجهات مع فلسطينيين في القدس أمس (رويترز)
عنصران من الشرطة الإسرائيلية خلال مواجهات مع فلسطينيين في القدس أمس (رويترز)
TT

إدانات واسعة للاعتداءات العنصرية الدامية في القدس والأقصى

عنصران من الشرطة الإسرائيلية خلال مواجهات مع فلسطينيين في القدس أمس (رويترز)
عنصران من الشرطة الإسرائيلية خلال مواجهات مع فلسطينيين في القدس أمس (رويترز)

على أثر ليلة دامية أخرى من الاعتداءات العنصرية لجنود الاحتلال الإسرائيلي وألوف المستوطنين، ووسط نشر عشرات الحواجز العسكرية الجديدة وإجراءات القمع لمنع عشرات الوف المصلين من دخول القدس، تقلص عدد المصلين في المسجد الأقصى المبارك بشكل كبير. وأقيمت صلاة الجمعة الثانية لشهر رمضان المبارك في أجواء رعب وتخويف. ونقل عشرت الجرحى الفلسطينيين إلى المستشفيات أو المعتقلات.
وصرح الدكتور عزام الخطيب، مدير دائرة الأوقاف الأردنية في القدس، بأن عدد المصلين يتجاوز عادة 200 ألف شخص في الجمعة الثانية من رمضان، لكن الإجراءات الإسرائيلية تسببت في تقليصه إلى 60 ألفاً، أمس، وهو أقل بعشرة آلاف من عدد المصلين في الجمعة الأولى من شهر رمضان. وأثارت إجراءات الاحتلال موجة استنكار عربية وإسلامية واسعة. فاستنكرها البرلمان العربي بشدة وحمّل، في بيان له أمس، قوات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن المواجهات الخطيرة وما سينتج منها من تداعيات على أمن واستقرار المنطقة برمتها، داعياً المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره ووقف هذه الاعتداءات وعدم الصمت حيال تلك الانتهاكات وضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، خاصة المقدسيين الذين يتعرضون لأبشع عملية طرد وتهجير قسرية من مدينتهم.
وأصدر الأزهر الشريف بياناً أدان فيه المساعي الصهيونية الجائرة التي يسعى بها إلى طمس الهوية العربية لمدينة القدس ومحاولة سلخها وعزلها عن باقي مدن دولة فلسطين، وهي ممارسات جائرة تقوم على منطق استخدام القوة والتعامل فوق القانون الدولي. وطالب الأزهر المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية في كل المدن الفلسطينية، بما فيها القدس الشريف، وردع الاحتلال الإسرائيلي عن التمادي في مثل تلك الإجراءات الجائرة التي لن تكون إلا سبباً في ازدياد حالة التوتر والاحتقان في مدينة القدس والمدن الفلسطينية الأخرى
وفي الصباح وساعات الظهيرة شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها العسكرية في محيط الأقصى واستفزت المصلين وعرقلت وصولهم للأقصى من خلال الحواجز المنتشرة على مداخله والتي تضاف إلى تلك الحواجز التي تعزل مدينة القدس عن الضفة الغربية.
وقال مفتي القدس والديار الفلسطينية خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، إن «أبناء شعبنا وصلوا للمسجد الأقصى رغم كل إجراءات الاحتلال التي ترفضها كل الديانات السماوية وكل الأعراف الدولية والإنسانية وكل القوانين الدولية». وتساءل «هل يعقل أن يحال بين عباد الله وبين أماكن عبادتهم، وهل يعقل أو يقبل أن توضع الحواجز ويعتدي الاحتلال وجنوده على الصائمين والمصلين الخارجين من المسجد الأقصى بعد أداء صلواتهم، فيعتدي عليهم رجال أجهزة أمنه، ويتغالى المتطرفون اليهود والمستوطنون بدعوات حاقدة ماكرة واضحة بالدعوة لقتل المسلمين أو قتل العرب بشكل عام؟ فما هذا التماهي والتواطؤ من الاحتلال مع قطعان المستوطنين وشذاذ المتطرفين الذين يعتدون على أبناء شعبنا من الصائمين والراكعين والساجدين والعابدين الذين يئمون المسجد الأقصى المبارك لأداء الفرائض واستماع دروس العلم وتلاوة القرآن وإعمار المسجد الأقصى المبارك».
وفي الأردن، أدانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين التحريض والاستفزازات التي قامت بها مجموعات يهودية متطرفة ليلة أمس في البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة. وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة، السفير ضيف الله الفايز، إن «السلطات الإسرائيلية، القوة القائمة بالاحتلال في القدس الشرقية المحتلة وفق القانون الدولي، تتحمل كامل المسؤولية لسماحها لهذه المجموعات بالوصول إلى البلدة القديمة وإطلاق شعارات وهتافات عنصرية والاعتداء على المقدسيين».
واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، اعتداءات المستوطنين وقوات الشرطة الإسرائيلية على المواطنين المقدسيين «إرهاب دولة منظماً، يستهدف تهويد المدينة المقدسة، وفرض وقائع زائفة فيها، والمس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها». وأشاد أشتية بشجاعة المقدسيين وتصديهم البطولي للمستوطنين وجنود الاحتلال، وقال «إن مشاهد البطولة الطالعة من شوارع وحارات مدينة القدس هذه الليلة للشبان المقدسين العزل النابعة من قوة إرادتهم ومضاء عزيمتهم، وهم يتصدون لاعتداءات المستوطنين، تؤكد من جديد فشل المخططات الإسرائيلية في تهويد المدينة المقدسة».
وأصدر المجلس الوطني الفلسطيني بياناً قال فيه، «إن ما يجري في القدس جاء رداً على الجرائم العنصرية اليومية التي يرتكبها الاحتلال ومجموعاته الإرهابية من المستوطنين بحق المواطنين المقدسيين والتي تصاعدت خاصة منذ بداية شهر رمضان المبارك». ودعا المجلس الوطني إلى «توحيد الطاقات والإمكانات الفلسطينية كافة، ونبذ كل ما من شأنه إضعاف جبهة المواجهة والتصدي للاحتلال وجرائمه، والانخراط في الدفاع عن القدس»، كما دعا إلى «موقف عربي وإسلامي عملي لدعم وإسناد المدافعين عن مدينة القدس وعروبتها وإسلاميتها في مواجهة آلة الإرهاب والتهويد وعدوان المنظمات الإرهابية المحمية والمدعومة من حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة».
وكانت ليلة الخميس/الجمعة هي الليلة الثانية عشرة التي تتعرض فيها القدس العربية لهجمات من المستوطنين والمتطرفين العنصريين، تحت حماية جنود الاحتلال. وفي الليلة الأخيرة، دهم أكثر من ألف مستوطن باب العامود، المدخل الرئيسي للقدس القديمة، بغرض استعراض العضلات البرهنة على أن «القدس لليهود» و«عاصمة أبدية لإسرائيل». وأصيب أكثر من 130 مقدسياً في المواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في أحياء البلدة القديمة في القدس، إثر قمع قوات الاحتلال واعتدائها على الفلسطينيين في جميع أنحاء المدينة. وفي حي الشيخ جرّاح، حاول عشرات المتطرفين اليهود، فجر الجمعة، الاعتداء على منازل الفلسطينيين، برمي الحجارة عليها، لكن السكان المتواجدين تصدوا لهم، بحسب شهود عيان. وقد تمكنوا من تحطيم زجاج عشرات السيارات في شارع «المُطران» بالحي وأعطبوا إطارات أخرى. كما اعتدوا على مقدسيين في حي التلة الفرنسية في القدس المحتلة. وأفاد شهود عيان بأنّ رقعة المواجهات شملت أحياء الصوانة والطور ووادي الجوز، القريبة لمركز مدينة القدس، بعد أن امتدت من باب العامود وباب الساهرة وشارع السلطان سليمان وشارع نابلس المحاذيان للبلدة القديمة. واستخدمت قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي والمياه العادمة، واعتدت قوات الخيالة التابعة لشرطة الاحتلال على الشبان الفلسطينيين، منذ صلاة التراويح وحتى صلاة الجمعة.
وكما في كل أسبوع، شهدت مناطق عدة من الضفة الغربية مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجند الاحتلال. فهاجم مستوطنون، أمس الجمعة، مركبات المواطنين بالحجارة على طريق جنين نابلس. وتجددت الاعتداءات في شتى أحياء القدس.
أصدرت السفارة الأميركية في إسرائيل، أمس (الجمعة)، بياناً نشرته في حسابها في «تويتر»، عبّرت فيه عن أسفها إزاء الأحداث التي شهدتها مدينة القدس المحتلة. جاء في البيان، باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية «نعبّر عن أسفنا الشديد إزاء أحداث العنف في القدس خلال الأيام العديدة الماضية. نأمل من جميع الأصوات المسؤولة أن تعزز إنهاء التحريض، والعودة إلى الهدوء، واحترام سلامة وكرامة الجميع في القدس».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.