الجماعات الإثنية والدينية... والدولة

«حصار مراوي في الفلبين» في الكتاب الشهري لمركز «المسبار»

الجماعات الإثنية والدينية... والدولة
TT

الجماعات الإثنية والدينية... والدولة

الجماعات الإثنية والدينية... والدولة

يتناول كتاب «حصار مراوي في الفلبين - جذور التطرف وهشاشة الدولة» الذي أصدره مركز المسبار للدراسات والبحوث تاريخ وحاضر الجماعات الإثنية والدينية في الفلبين، وعلاقتها بالدولة وتشكلها ومؤسساتها، والقضايا التاريخية المتراكمة عبر حقب الاستعمار، والانقلابات العسكرية وانعكاسها في السلطة والأحزاب السياسية، وما نتج عنها من توتر متبادل ترك تأثيره في المجتمع والدين والسياسة. درس الكتاب الحركات الإسلاموية، وخصائصها المحلية، ومدى ارتباطها بالإسلامويين في الشرق الأوسط، وسلط الضوء على الاستراتيجيات المعتمدة من الحكومات الفلبينية المتعاقبة في مكافحة الإرهاب.
في هذا الكتاب، عرض إريكسون دي كالاتا، البروفسور المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة العلوم التطبيقية في الفلبين، في دراسته «تاريخ» نظام فرديناند ماركوس (1965 - 1986) وتبيان تفاصيله، ثم مقارنة ذلك مع البرامج والمشاريع التي نهض بها رؤساء جاءوا بعده. وقد وجدت هذه الدراسة أن بعض الرؤساء ممن جاءوا بعد ماركوس قد تابعوا بعضاً من مشاريعه وبرامجه. وكذلك استنتجت أن شيئاً لم يتغير في المجتمع الفلبيني إبان نظام ماركوس وبعده لأن الديمقراطية في البلاد يسير بها النوع نفسه من النخبة السياسية والأوليغارشيا «القلة المسيطرة»، كحالها إبان ولاية ماركوس.
ويخلص الكاتب إلى أن كثيرين يستمرون من أنصار ماركوس في اعتبار نظامه زمناً مجيداً، وأنه أفضل رئيس نالته الفلبين في تاريخها، لكن الكاتب يتساءل: لماذا اندلعت ثورة الـ«إي دي إس إيه»؟ لماذا تحدى ملايين الفلبينيين عنف العسكر والدولة، وتركوا منازلهم ونزلوا إلى الشوارع في 1986؟ لماذا أبدوا استعدادهم حتى للموت مقابل إخراج ماركوس من السلطة وإنهاء الحقبة القاتمة للأحكام العرفية؟ يشير الباحث إلى أنه ما زال الوضع الذي ساد أيام ماركوس مستمراً حتى اليوم؛ ليس مهماً عدد الرؤساء الذين تتالوا على سدة الرئاسة، ولا مدى استنكارهم سياسات ماركوس وإرثه، إذ لم يتغير النظام السياسي والتركيب الاجتماعي، وكذلك يستمر تنامي الفقر وانعدام العدالة في أوساط غالبية السكان.
إن إرث حركة «باغونغ ليبونان» (المجتمع الجديد) التي أُطلِقت قبل أربعين سنة يتضمن السرديات نفسها التي يستخدمها أنصاره وأتباعه في تبرير وصفهم سنوات الأحكام العُرفية بأنها سنوات مجيدة للفلبين.

الدولة والكنيسة والجيش

يشير باتريسيو آبينالس، الأستاذ في كلية المحيط الهادئ والدراسات الآسيوية في جامعة هاواي (مانوا)، إلى أن تحول الكنيسة من مؤسسة تستطيع منافسة الدولة في الشعبية و«البروباغاندا» (الدعائية) والتعليم، إلى منافسٍ ضعيفٍ يفتقد قاعدة شعبية واسعة، وتتضاءل إمكانياته في التعليم، يشكل أمراً من المستطاع تفسيره بالتاريخ المضطرب لعلاقتها مع الدولة، إذ يزعم الطرفان امتلاك حب لا يفتر للمصلحة العامة للأمة، لكن أولوياتهما وافتراضاتهما تصادمت دوماً. ويدقق الباحث في هذه الدراسة في المناوشات بين الكنيسة والدولة في مرحلة ما بعد الكولونيالية، في أثناء حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، حيث قاومت الكنيسة محاولة الدولة إملاء طريقة التدريس لصغار الفلبينيين عن البطل الوطني خوسيه ريزال (Jose Rizal) (1861 - 1896).
ويفترض برايان دوس، المحاضر في برنامج الاقتصاد السياسي بجامعة آسيا والمحيط الهادئ، في هذه الدراسة أن لارتباط الكنيسة الكاثوليكية الفلبينية بالجيش الفلبيني وجهين اثنين: مؤسسي ومعيشي، إذ يشير الارتباط المؤسسي إلى أنشطة الكنيسة الكاثوليكية في التعاون مع أفراد الجيش، وتقديم الرعاية الكهنوتية لهم من خلال مؤسساتها الكنسية الرسمية، لا سيما عن طريق «النيابة الرسولية» للفلبين. ومن ناحية أخرى، فإن الارتباطات المعيشة هي تلك الأنشطة التي يمارسها رجال الدين الكاثوليك والمتدينون والعلمانيون للتفاعل مع الجيش من خلال المجتمع المدني، لا سيما على شكل منظمات دينية.
ويخلص الباحث، حول مشاركة الكنيسة الكاثوليكية وتفاعلها مع الجيش، إلى أن يسمي أحدهما المشاركة المؤسسية، ويقدم نهجاً قويماً عن كيفية تأثير الكنيسة في شؤون الدولة، بصفتها معلمة للأخلاق باتباع الأساليب الرعوية القانونية. ومن ناحية أخرى، يقدم ما يسمى المشاركة الـمعيشة نهجاً هرطوقياً بانتقاد انتهاكات الجيش للقطاعات المهمشة.

التعليم الإسلامي

ناصف آديونغ، الأستاذة المشاركة في الإسلام والعلاقات الدولية بجامعة الفلبين (ديليمان)، ترى أن تطور التعليم الإسلامي في الفلبين، وعلاقاته مع السياسات التعليمية التي تكونت في درجات اجتماعية متنوعة، لاحظته توجهات بيروقراطية حكومية مختلفة. ويعرج الباحث في دراسته إلى تناول برامج أنظمة التعليم فيها، ويبين أنواعها ومزاياها، والكليات والمعاهد الإسلامية أيضاً. وتخلص الباحثة إلى أن طرق العيش الهندية أثرت في ثقافة وهويات الـ«مورو» (Moro) قبل الإسلام في «مينداناو»، وكذلك الحال، بل ربما على نطاق أكبر، في الأمة الفلبينية كلها أيضاً.
وشكل التعليم في المنزل أو المجتمع تحت إشراف قائد محلي، ينظر إليه غالباً بصفته المُسِن الحكيم/ الحكيمة، النمط السائد آنذاك (من حقبة ما قبل الإسلام وصولاً إلى حقبة الاستعمار الأميركي) في «مينداناو المسلمة». وفي ذلك الإطار، يُجرَى تعليم مهارات مشبعة بالقيم الثقافية والدينية، وتكون الإسلامية في هذه الحالة. وقد انتقلت عبر ذلك النمط التعليمي من المبشرين العرب الأوائل، والتجار المسلمين والصوفيين، ثم تقوت وصمدت عبر مصاهرات مع السكان المحليين. وفي حين اتكلت السياسة الإسبانية على مدار ثلاثة قرون أو أكثر على زرع المسيحية، وتحديداً الكاثوليكية، أبدى مسلمو الـ«مورو» خشية حيال تلك الوضعية، وقاوموا السياسة التعليمية الإسبانية. ومع مجيء الأميركيين، بصفتهم مستعمرين آخرين، لم يتبدل في الأمر سوى مجرد توقف عملية نقل الناس إلى الديانة المسيحية. ومع الأميركيين، تمثل الفارق في نهوض الأخيرين بمسؤولية تعليم الفلبينيين والمسلمين في «مينداناو»، لكن عبر التدريس الإمبريـالي.

المسلمون في الفلبين

تربط دراسة فدريكوف ماغدالينا، الباحث الفلبيني المتخصص في الدراسات الآسيوية، بين التطور الإسلامي من جهة، وتنامي الإحساس القومي بين المسلمين الفلبينيين المستند إلى مبدأ تقرير المصير منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين من جهة ثانية. ومن المستطاع تتبع الصحوة الإسلامية رجوعاً إلى خمسينيات القرن العشرين، حين قصد مئات من شباب الـ«مورو» (Moro) الشرق الأوسط، خصوصاً مصر والسعودية، لدراسة الفقه الإسلامي. وبالنتيجة، عاد هؤلاء محملين بأفكار جديدة ومقاربة «حديثة».
وفي المقابل، استمرت ممارسات وسلوكيات تقليدية ترجع إلى ما قبل انتشار الإسلام في الفلبين، منبثة في المعتقدات الثقافية ونظم القِيَم، على غرار ما حدث مع جيرانهم من المسلمين. وكذلك ثمة ممارسات «غير إسلامية» أو «إرهابية» تأتي من بعض من المتمردين والمقاتلين من الـ«مورو» (مثلاً، جماعة أبو سياف) الذين تبنوا الإسلام، والعودة إلى نظام الخلافة الذي روجه «تنظيم داعش في العراق والشام»، لكن المفارقة الكبرى تكمن في انحرافهم عن جادة الإسلام القويم وتعاليمه.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».