«النحت وسنينه» يرويها محمد عبلة بالبرونز

في معرض جديد للفنان المصري يضم 80 عملاً

محمد عبلة يتأمل ديكه المفضل
محمد عبلة يتأمل ديكه المفضل
TT

«النحت وسنينه» يرويها محمد عبلة بالبرونز

محمد عبلة يتأمل ديكه المفضل
محمد عبلة يتأمل ديكه المفضل

قبل ثلاث سنوات قدم الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة، تجربته الأولى في النحت، رغم سجله الحافل بإبداعات الرسم والتصوير، ومنذ هذا الوقت لم يتوقف عن التجريب والاشتباك مع خامته المُفضلة «البرونز» واختبار تصميماته عليها، والتفاعل معها بصبر نحّات وهي تختال طيّعة بين يديه فتفيض بجماليات الخفّة والطفولة التي لا تبرح مشروعه الفني.
في معرضه الجديد «النحت وسنينه»، الذي يستضيفه غاليري «أكسيس آرت سبيس» بالقاهرة على مدار أيام شهر رمضان الكريم، يمكن الوقوف على نتاج سنوات النحت التي تشكلّت على يد محمد عبلة، ما بين تشكيلات للمعدن مُتراوحة الأحجام والمقاسات تتناغم بعفوية وأحاسيس مُرهفة يمكن ملاحظتها في تفاصيل عبلة الغنية بالحركة والحيوية، مانحاً منحوتاته حسيّة فنية وكأنهم أبطال خرجوا لتوّهم من لوحاته المُفعمة بالحياة. يتأمل محمد عبلة «النحت وسنينه»، كما أطلق على معرضه، ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تجربة النحت علمتني الكثير، وفتحت أمامي مسارات أفكار عديدة، فمن جمال النحت أنه يتشكّل على مهل، يأخذ وقته في كل مرحلة، ويتغيّر شكله مع كل اشتباك جديد معه؛ لذا فمتعة الرسم تكون مُباشرة، أما مُتعة النحت فتتدخل بها أنفاس جديدة في كل مرة».
يضم المعرض نحو ثمانين عملاً نحتياً جميعها من خامة البرونز التي يجد فيها عبلة منهلاً فنياً يتيح له تقديم مُعالجات متنوعة لتصميماته، يقول «أميل لخامة البرونز، وأحب ذلك التفاعل الذي يحدث بين تلك الخامة والنار، فالنار تلعب دوراً كبيراً في تشكيل ملمس ولون تلك الخامة، وأجد شغفاً كبيراً في ذلك الحوار بين النار والمعدن، وأجده حواراً قاسياً، لكنه نابع من عناصر الطبيعة التي أحرص على توظيفها كالنار والضوء»، ويضيف عبلة، أنه استقر على خامة البرونز في النحت بعيداً عن النحت على الخشب أو الحجر «لا أجد نفسي مثلاً في ممارسة النحت على الحجر بواسطة الإزميل» على حد قوله.
تُداعب منحوتات المعرض بخفتها الحركية الكثير من الحكايا التي تستثير الخيال، فهذه فتاة تُطل من نافذة، وهذا كلب وحيد يسلب القلب، وتلك نباتات شامخات منحها البرونز مزيداً من البهاء، وهؤلاء بشر هاربون من عصر حجري قديم، كأنما خرجوا لتوّهم من كهوفهم، مُتكئين على صخرة مُجاورة في لحظة استرخاء نادرة، يُطلون بتنويعات ألوان البرونز الممتدة من درجات الأسود والرمادي وصولاً للدرجات الأرضية من تنويعات البني والأخضر، وتُبرز تلك الحكايا النحتية انشغال عبلة بما يصفه بـ«التصميم التلقائي» الذي يتحرى فيه «أن يكون له حركته النابعة من أحاسيس الطفولة، وأن يكون قريباً من النحت البدائي وعفويته»، على حد تعبيره.
ويختبر الفنان محمد عبلة في معرضه الجديد انفعالات فنية جديدة بفكرة تداخل الإضاءة مع النحت، فتجد مصابيح إضاءة تتوسط منحوتاته المُفرغة، لتصبح المنحوتة كتلة نور في حد ذاتها، لتخلق أبعاداً جديدة للرؤية والتصميم، يقول الفنان «النحت يبني علاقة بين الضوء والظل، وقد قمت في هذا المعرض بعمل مسارات للضوء داخل المنحوتات تتسلل من النتوءات والتجويفات، فتخلق انعكاساتها تأثيرات أقرب للأبيض والأسود، وكأن الضوء هو الذي يرسم الشكل نفسه».
يرى عبلة، أنه لا يكفي أن تكون التصاميم وحدها مُحكمة لضمان خروج النحت على غرار التصميم، فالتنفيذ عليه عامل كبير؛ ما يجعل أبرز تحديات النحت بالنسبة له هو محاولة الحفاظ على التصميم عبر مراحل التنفيذ، والحفاظ على عفويته وحيويته حتى النهاية كما كان يتصوّرها كفكرة، ويعتبر أن السنوات الماضية كانت كفيلة بتطويره لناصية تلك المراحل، والتعامل مع تكنيكات النحت بطريقة تخصه، وتُحافظ على خصوصية لونه الفني.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».