سوريون في الدنمارك قلقون من دعوات للعودة إلى «دمشق المشمسة»

«الشرق الأوسط» ترصد آراء أشخاص تسلموا قرارات بإلغاء الإقامة

إعلان نشر في شوارع كوبنهاغن يحث السوريين للعودة إلى بلادهم (إنترنت)
إعلان نشر في شوارع كوبنهاغن يحث السوريين للعودة إلى بلادهم (إنترنت)
TT

سوريون في الدنمارك قلقون من دعوات للعودة إلى «دمشق المشمسة»

إعلان نشر في شوارع كوبنهاغن يحث السوريين للعودة إلى بلادهم (إنترنت)
إعلان نشر في شوارع كوبنهاغن يحث السوريين للعودة إلى بلادهم (إنترنت)

مرة أخرى، تعد منال مطر ووالدتها الحقائب. هذه المرة كي تغادر الدنمارك هاربة إلى دولة أوروبية أخرى. اللاجئة الشابة كانت غادرت دمشق بعد أن تعرضت لخطر الاعتقال أثناء تنقلها في أحياء العاصمة السورية، ولحظة خوف عاشتها في 2013 عندما دقق أحد الجنود في هويتها الشخصية وانتبه لكنية العائلة التي ينتمي أغلب أفرادها لصفوف المعارضة السورية، دفعتها إلى الفرار.
وبعد رحلة شاقة عبر البحر حملت خلالها فقط حقيبة صغيرة على ظهرها وصلت الدنمارك عام 2015. وتبخرت سنوات إقامتها هناك وإتقانها اللغة وعملها في شركة زراعية بعد تسلمها قرار ترحيلها إلى سوريا. وصور ومقاطع الفيديو لبيتها المدمر في حي جوبر التي أبرزتها لدائرة الهجرة الدنماركية لم يؤثر على قرار الترحيل، الأمر الذي عبرت عنه بالقول في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «لقد صدمني القرار، لقد كان قراراً ظالماً».
ليست منال ووالدتها المتضررتين الوحيدتين من قرارات الترحيل. وفي الوقت الراهن هناك 900 سوري مهددون بالترحيل كما يشير الناشط عاصم سويد وعضو إدارة «منظمة فنجان» في الدنمارك. منذ أن أصدرت وزارة الهجرة والاندماج في الدنمارك عام 2019 تقريراً بعنوان: «سوريا: الوضع الأمني في محافظة دمشق وقضايا تتعلق بالعودة إلى سوريا»، يبدو أن الحكومة الدنماركية عازمة على تطبيق سياسة «صفر طلبات لجوء». فالتقرير الذي استند على مقابلات أجريت في عام 2018 في بيروت ودمشق مع خبراء وصحافيين عرب وأجانب، ركز على الوضع الأمني في دمشق واليرموك واحتوى معلومات تتعلق بالخدمة العسكرية والدخول إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي، وكان الهدف منه تحديث معلومات متعلقة بطالبي اللجوء من السوريين. وكان بمثابة توصية، ووثيقة احتجت بها قوى اليمين المتطرف بأن دمشق آمنة، الأمر الذي دفع شهية أحزاب أخرى يسارية لتبني توصيات التقرير، والدفع بقرارات حكومية لسحب إقامات اللجوء من السوريين.
وكانت الخطوات التي تتبعها الدنمارك في مسألة اللجوء متوقعة منذ إعلان ماتياس تيسفاي، وزير الهجرة والاندماج الدنماركي عن رفض بلاده للاتفاق الأوروبي الذي نادى بتوزيع اللاجئين الواصلين إلى أوروبا على دول الاتحاد الأوروبي. وتزامن الإعلان مع إصدار قرارات الترحيل. فقرار سحب إقامة اللجوء الإنسانية من اللاجئة السورية منال مطر صدر مع نهاية عام 2019 كما أوضحت، وبعد أن تقدمت بطلب تجديد إقامتها تم رفض طلبها، واستدعاؤها لإجراء مقابلة تتعلق بتقييم وضعها كلاجئة سورية، ومطالبتها بتقديم إثبات رسمي من النظام السوري بأنها مهددة بالاعتقال، كي تقدمه لدائرة الهجرة الدنماركية.
تقول: «طلبوا مني، ما هو مستحيل. إنهم يتجاهلون حقيقة النظام السوري». تتجاوز المطالب الدنماركية حدود المعقول أحياناً كما ترى منال في إثبات أن حياتها سوف تكون في خطر حالما تصل سوريا، بل إن إجراءات التقدم باللجوء لطالما شكلت التباساً لدى اللاجئين السوريين، لا سيما عندما يجرون مقابلات اللجوء مع قلّة دراية بالإجراءات القانونية وفقدان قدرة التواصل اللغوي.
يوضح عاصم سويد لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه الإجراءات تتعلق بشكل كبير بالأوضاع السياسية، و«الدنمارك كانت أكثر تساهلاً في منح السوريين إقامات لجوء لمدة ثلاث سنوات دون التدقيق بالأسباب التي دفعتهم إلى مغادرة بلادهم، لكن ذلك كان محصوراً فقط في الأعوام الأولى من أزمة اللجوء التي شهدتها أوروبا، وهذا قبل صعود الأحزاب اليمينية في أوروبا عامة، وفي الدنمارك خاصة، الأمر الذي دفع إلى حدوث تغيرات في السياسة الدنماركية والنحو بمنحى آخر، فيه من التشديد ما تجده منال بأنه غير متوقع، وبأن الحكومة الدنماركية تريد فقط التضييق على اللاجئين والدفع بهم للعودة الطوعية إلى سوريا».
«لماذا يفعلون ذلك الآن؟» تحتج منال، معبرة عن غضبها حيال القرار، وعلى السنوات السابقة التي دفعت فيها جهوداً كبيرة للاندماج في المجتمع الدنماركي، مع ذلك تجد نفسها الآن غير مرحب بها وأمام خيارين: «إما أن تعود إلى دمشق طوعاً، أو أن تغادر إلى معسكر مخصص للاجئين الذين سوف يتم ترحيلهم، وانتظار الحكومة الدنماركية لتنفيذ إجراءات الترحيل المتعلقة أصلاً بطبيعة العلاقات الدبلوماسية بين الدنمارك والنظام السوري».
إن قرار منال بمغادرة الدنمارك يبدو الخيار الوحيد المتاح أمامها، وأمام أكثر من 250 حالة سورية تنتظر قرار مجلس تظلم اللاجئين في الدنمارك الذي لم ينصف منال في قضيتها. وتوضح: «لم يتركوا لي خياراً سوى الذهاب إلى بلد أوروبي آخر»، رغم أن إمكانية قبول طلب لجوئها في دولة أوروبية أخرى يبدو مجازفة على حد وصفها. فالدول الأوروبية تنسق مع بعضها بعضاً وفق اتفاقية دبلن 1990 الذي يحدد مسؤولية دراسة طلبات اللاجئين، ويهدف إلى منع تعدد طلبات اللجوء من الشخص الواحد داخل دول الاتحاد الموقعة على الاتفاقية.
مع ذلك، إن الأمل الذي تتمسك به منال هو أن تقبلها دولة أوروبية كلاجئة، ذلك أفضل لها من الإقامة في معسكرات الترحيل حيث الظروف السيئة، حيث إنها «أسوأ حالاً من سجون الدنمارك حيث تقدم للمجرمين خدمات أفضل مما تقدم في تلك المراكز»، حسب رأي الناشط عاصم سويد. أما منال فترى أن الإقامة في تلك المراكز «مضيعة للوقت»، وغير متفائلة بأن القضايا المرفوعة لمحكمة حقوق الإنسان في شتراسبورغ، والتظلم لديها لأجل مساعدتهم قد تحقق نفعاً. يجد سويد ذلك محقاً إذ «ربما تكون القرارات لصالح اللاجئين، لكنها غير ملزمة للدنمارك». وفي حال كسب اللاجئون المتضررون من قرارات الترحيل القضية في محكمة حقوق الإنسان، فهذا قد يشكل فضيحة سياسية لدنمارك فقط، الأمر الذي لا يعني منال كمتضررة في الوقت الراهن، فهي بكل الأحوال تجد أنهم قد خدشوا مشاعرها تجاه الدنمارك، وباتت تنظر إلى مستقبل السوريين داخلها بأنه سوداوي، في حال بقية الحكومة متمسكة بقراراتها. كما كان الحال مع اللاجئين العراقيين الذي أعيدوا قسراً إلى العراق بعد رفض طلبات لجوئهم.
ليس فقط قضية ترحيل اللاجئين في الدنمارك هي من تتصدر الصحافة الدنماركية، بل إن الحكومة الدنماركية تجد نفسها في موقف محرج بعد تحرك مؤسسات ومنظمات دولية ضد التقرير الصادر في عام 2019. فالتقرير قد اعتمد على لقاءات أجريت مع صحافيين وخبراء من منظمات عدة مثل «مؤسسة هاينرش بول» الألمانية، و«هيومن رايتس ووتش»، و«سوريا على طول» ومنظمات أخرى معنية بالشأن السوري، والتي قد أعلنت في بيان مشترك نشر في 20 أبريل (نيسان) 2021 بأن الدنمارك أصدرت تقارير خاطئة تتعلق ببلد اللاجئين الأصلي، وأن هذه التقارير تؤدي إلى سياسات خاطئة بشأن اللاجئين، وما قدمه الخبراء والصحافيون من نصائح إلى دائرة الهجرة الدنماركية لم يتم تقديرها بالشكل الصحيح.
ودان الموقعون على البيان قرار الحكومة الدنماركية بإزالة «الحماية المؤقتة» للاجئين السوريين من دمشق، وطالبوها بإعادة النظر في سياساتها. ويرى الصحافي السوري عمار حمو من «موقع سوريا على طول»، وأحد الذين قد أجريت معه هذه المقابلات، والموقعين على البيان الأخير أن التقرير قد وظف أقواله في سياق أن سوريا بلد آمن. «لم أُسأل: هل العودة آمنة للسوريين؟». وما نشر في تقرير الهجرة الدنماركي بحسب عمار، لم يأخذ بعين الاعتبار ما قد قاله إن «الوضع في سوريا ما زال خطيراً البلد الذي من المفترض أن تغادر إليه منال». رغم التعاطف الذي حصلت عليه مؤخراً من قبل بعض الدنماركيين، قالوا لها «ليس في وسعنا الآن أن نقدم المساعدة».
في غضون ذلك، لا يزال الحزب اليميني الدنماركي ينشر لافتات مكتوب عليها: «أخبار سارة: يمكنك الآن العودة إلى سوريا المشمسة، بلدك بحاجة إليك». ولا تزال منال تفكر بأمنية وحيدة وهي: «أن تجد بلداً آمناً لها ولوالدتها، وأن تتوقف العنصرية في الدنمارك».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».