برلماني تونسي يتهم رئيس الجمهورية بتلقي «تمويلات أميركية مشبوهة»

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
TT

برلماني تونسي يتهم رئيس الجمهورية بتلقي «تمويلات أميركية مشبوهة»

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

دعا النائب البرلماني المستقل، راشد الخياري، الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الاستقالة من مهامه، بعد أن اتهمه بتلقي «تمويلات مشبوهة» من ضابط مخابرات أميركي في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، يعمل بسفارة الولايات المتحدة الأميركية في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، التي جرت سنة 2019، وزعم أن المبلغ يناهز خمسة ملايين دولار أميركي، حصل عليها مدير حملة سعيد عبر حوالات بريدية، وتأتي هذه الاتهامات في وقت يشهد فيه المسرح السياسي التونسي أزمات متفاقمة منذ أشهر.
وتحدى الخياري رئيس الجمهورية بالتخلي عن الحصانة، ومواجهة هذه الاتهامات الثقيلة، ودعا النيابة العامة للتحقيق في هذه الاتهامات، كما دعا الهيئة التونسية المستقلة للانتخابات إلى إبطال فوز الرئيس سعيد بالانتخابات الرئاسية، التي تفوق فيها بفارق كبير على منافسه نبيل القروي، وبالتالي تقديم استقالته من الرئاسة، مؤكدا أنه سلم ملف الحوالات في وقت سابق إلى محكمة المحاسبات.
وادعى الخياري، الذي يقود حملة تسريبات ضد المعارضة، أن فوزي الدعاس، مدير الحملة الانتخابية للرئيس سعيد، هو الذي تلقى هذا المبلغ عبر حوالات بريدية، مؤكداً أن لديه وثائق تؤيد وتدعم اتهاماته، من بينها أرقام الحوالات التي حصل عليها مدير الحملة الانتخابية. وقال الخياري في شريط فيديو، سربه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن الجهات الأميركية «هي التي زودته بالوثائق والحجج التي لا تقبل الشك، بعد أن غير رئيس الجمهورية ولاءه من الأميركيين إلى الفرنسيين»، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، اتهم الخياري، المقرب من حركة النهضة، ابن الرئيس عمر سعيد بالإشراف على شبكات مدونين لتشويه خصوم والده ومناوئيه، والمعترضين على توسيع صلاحياته الدستورية، قائلاً إنه «يسخر كذلك من البرلمان، الذي يترأسه راشد الغنوشي، ومن المحكمة الدستورية التي لم تجد طريقها للتشكل بعد».
ورداً على هذه الاتهامات، أكد مدير الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية أنه بدأ أمس إجراءات التقاضي ضد الخياري، وتحداه أن يتخلى عن الحصانة البرلمانية، وتقديم الملفات التي تحدث عنها في فيديو مباشر على الـ«فيسبوك» إلى العدالة.
وعلاوة على اتهام الخياري، اتهمت حركة النهضة الإسلامية، أمس، الرئيس سعيد بنزوعه نحو الحكم الفردي، بعد إعلان نفسه قائداً للقوات الأمنية أيضاً.
وقالت «النهضة» في بيان إنها «تستغرب عودة الرئيس إلى خرق الدستور... لتبرير نزوعه نحو الحكم الفردي». مشددة على أن «إقحام المؤسسة الأمنية في الصراعات يمثل تهديداً للديمقراطية والسلم الأهلية ومكاسب الثورة».
ويرى عدد من المتابعين للشأن المحلي أن رد النهضة قد يفتح مواجهة مباشرة وقوية مع الرئيس سعيد، بعد أشهر من التوتر السياسي بين الرئيس ورئيس حكومته هشام المشيشي، المدعوم من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة.
على صعيد غير متصل، كشف فتحي العيادي، المتحدث باسم حركة النهضة، أن حزبه يجري حالياً اتصالات مع أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية بحثاً عن حل للأزمة السياسية المستفحلة منذ أشهر. وقال العيادي في تصريح إذاعي إن حركته «تبحث عن حل مشترك، قد يكون أساسه توسيع دائرة المشاركين في الحكم، وتمتين الحزام البرلماني»، معتبراً أن ذلك يعتبر جزءاً من الحل. لكنه لم يستبعد أن يكون مصير حكومة المشيشي مطروحاً للنقاش، على حد تعبيره.
ويرى مراقبون أن «النهضة» رفعت سقف المطالب الموجهة للحكومة، وفي مقدمتها حل الملفات الاجتماعية والاقتصادية والمالية المعقدة، والاهتمام بالملف الليبي، وهو ما رأوا فيه أن الحركة باتت تقف في صف معارض ضد حكومة المشيشي، ولم يستبعدوا إمكانية التضحية بها في حال كان التخلص منها هو الحل الأخير، الذي ينقذ الحزب الذي يمر بأسوأ الأزمات، سواء الداخلية أو على مستوى التوازنات الإقليمية الخارجية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم