«النزاهة» البرلمانية العراقية: نحتاج صولة ضد الفساد

في حين أعلنت «لجنة النزاهة» في البرلمان العراقي عما سمتها «صولة» مرتقبة لمكافحة الفساد، فإن جدول أعمال جلسة البرلمان المقرر عقدها اليوم لم تتضمن الطلبات التي كان قد أعلن أن مجلس القضاء الأعلى تقدم بها لرفع الحصانة عن عدد من النواب المتهمين بالفساد.
وقال عضو «لجنة النزاهة» في البرلمان، كريم أبو سودة، إن اللجنة «لديها ملفات كثيرة ستطال عدداً من الوزراء في الحكومة السابقة، علاوة على وزراء في حكومة (رئيس الوزراء الحالي مصطفى) الكاظمي»، بينما أعلن عضو «اللجنة القانونية» في البرلمان، كاظم الشبلي، من جهته، أن طلبات رفع الحصانة عن النواب المتهمين بقضايا فساد لم تعد بحاجة إلى تصويت داخل البرلمان. وأكد أبو سودة في تصريحات للوكالة الرسمية للأنباء في العراق، أن «محاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين تحتاج إلى صولة»، مشيراً إلى «وجود توجُّه بشنّ ثورة على الفساد ومحاربته بجدية في جميع المؤسسات». وأضاف أبو سودة أن «ملف الفساد كبير ويحتاج إلى تنسيق بين اللجان والهيئات المختصة وتطبيق القانون بحق كل من سرق المال العام».
وكان الرئيس العراقي، برهم صالح، أكد في وقت سابق من الشهر الماضي أن رئاسة الجمهورية بصدد وضع مدونة قانونية حول آليات استرداد «الأموال المنهوبة» التي يقدرها خبراء بنحو 250 مليار دولار في الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003. وقال صالح في لقاء تلفزيوني إن «ملف الفساد يعدّ خطيراً وضخماً وبحاجة إلى معالجات أوسع وأعمق»، مبيناً أنه «مع كل هذه التحديات كانت هناك إجراءات ومحاكم عملت على الحكم في قضايا مهمة بالفساد». وتابع صالح أن «رئاسة الجمهورية بصدد وضع مدونة قانونية سنتداول بشأنها مع مجلس النواب، لاسترداد الأموال المنهوبة من العراق، ربما ذهبت إلى عواصم واستثمارات في الخارج». وأشار إلى أن «هناك إجراءات مهمة» يجري اتخاذها، عادّاً أن «ضرب الفساد المالي يعد ركيزة أساسية لاستتباب الأمن، ودونه فلن يستتب الأمن».
إلى ذلك؛ أكدت «اللجنة القانونية» في البرلمان العراقي أن رفع الحصانة عن أي نائب متروك لرئاسة مجلس النواب، ولا يحتاج إلى جلسة تصويت. وقال عضو اللجنة، كاظم الشبلي، في تصريح له أمس الاثنين، إن «مجلس النواب صوت في وقت سابق في حال طلب القضاء استقدام أي نائب لغرض التحقيق بشأن قضايا الفساد خول فيه رئاسة المجلس». وأضاف الشبلي أن «رفع الحصانة عن النائب أصبح متروكاً لرئاسة مجلس النواب دون الحاجة إلى عقد جلسة تصويت».
من جهتها، أعلنت «هيئة النزاهة» في العراق عن إصدارها 58 أمر قبض واستقدام بحق وزير ونائبين ودرجات خاصة. وقالت دائرة التحقيقات في «الهيئة»، في بيان أمس، إن هناك «58 أمر قبض واستقدام مسؤولين خلال شهر مارس (آذار) الماضي»، موضحة أن «تلك الأوامر شملت عضوين في مجلس النواب حالياً وسابقاً، ووزيراً أسبق، ووكيل وزارة سابقاً». وأضافت أن «أوامر القبض والاستقدام شملت محافظاً حالياً وآخر سابقاً، فضلاً عن (25) مديراً عاماً؛ منهم حاليون وسابقون، وقائمقامين اثنين»، لافتة إلى «شمول (22) عضواً من أعضاء مجالس المحافظات بتلك الأوامر».
يذكر أن الإجراءات التي تقوم بها «لجنة مكافحة الفساد» برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف تقوم بمهامها في ضوء أوامر قبض قانونية صادرة من القضاء العراقي، وهي تعمل بمعزل عن عمل «هيئة النزاهة» التي هي من الأجهزة التنفيذية في مجال محاربة الفساد. وكانت «لجنة مكافحة الفساد» اعتقلت أول من أمس السياسي البارز وزعيم حزب «الحل» الدكتور جمال الكربولي. وقد عدت أوساط سياسية وإعلامية أن الكربولي أكبر مسؤول طالته يد «اللجنة»؛ الأمر الذي أشاع قلقاً لدى مختلف الأوساط السياسية من أن «اللجنة» بدأت تتحرش بمن يوصفون في العراق بـ«الحيتان الكبيرة».
وفي هذا السياق، يقول الدكتور غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في «كلية أهل البيت» في الكوفة، لـ«الشرق الأوسط» إن «عمل اللجنة بدأ يستأثر باهتمامات الرأي العام في العراق، وربما يشيع أملاً لدى المواطن العراقي؛ ليس من باب الانتقام من هذا الطرف أو ذاك، بل لأن العراق يحتاج بالفعل إلى إجراءات صارمة على صعيد مكافحة الفساد»، مبيناً أن «عملية اعتقال رئيس حزب (جمال الكربولي) وربما الدائرة المقربة منه هي المرة الأولى منذ عام 2003 وإلى اليوم التي يحصل فيها مثل هذا الشيء». وأضاف أن «هذه العملية؛ وإن كان هناك ما يشير إلى رائحة تصفيات سياسية بين بعض الأطراف وبخاصة في الكتل السنية؛ في النهاية تصب في خدمة المجتمع والرأي العام؛ الأمر الذي جعل رؤية الرأي العام تتغير باتجاه إيجابي إلى خطوات الحكومة في هذا المجال».
وأوضح الدعمي أن «هذه العملية لها جانب آخر مهم؛ وهو أنها حققت صدمة كبيرة لدى مافيات الفساد في العراق، وربما ستجعل كثيرين منهم يتراجعون عن الفساد»، موضحاً أن «هذه العملية أعطت دفعة قوية لحكومة الكاظمي في بسط قوتها على ملفات الفساد التي كان مسكوتاً عنها طوال الـ18 عاماً الماضية»، ومشيراً إلى أنها «حركت الرأي العام باتجاه ممارسة دوره الحقيقي في هذا المجال».