انقسام في درعا بعد إعلان تشكيل «مجلس عسكري» محلي

انقسم مدنيون في درعا جنوب سوريا إزاء إعلان تشكيل مجموعة مسلحة في مناطق الجنوب السوري تحت اسم «المجلس العسكري لكتائب أنباء الجنوب»، وسط ترقب لجهود بوقف الاغتيالات الغامضة.
وجاء في البيان، الذي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أنه «وفاءً لدماء أبناء حوران والجولان خاصة وأبناء الثورة السورية عامة، واستكمالاً لطريق الحرية والكرامة نحن أبناء حوران والجولان نعلن عن تشكيل المجلس العسكري لكتائب أبناء الجنوب».
وحدد المجلس أهدافه قائلا في بيانه إن أبرز أهدافه محاربة تمدد النفوذ الإيراني و«حزب الله» في مناطق الجنوب السوري، وكبح المشاريع الخارجية على أرض حوران، ودعا البيان إلى محاربة كل من سلك طريق المخدرات وتاجر بها في جنوب سوريا، مشيراً إلى عدم تبعية التشكيل الجديد إلى أي فصيل أو جهة خارجية، كما طالب المتسترين بعبارة «مجهولين» وعمليات الاغتيال والاستهداف التي يقومون بها ضد قادة وعناصر التسويات، أو حتى القوات النظام السوري، معتبرين إياهم بحسب البيان بالأعداء وأنهم ذراع من أذرع «حزب الله» والتنظيمات المتأسلمة الإرهابية.
وأكد البيان أن التشكيل الجديد لا يعترف بنظام الحكم في سوريا، وأنه يؤيد أي عملية سياسية تفضي إلى إقامة دولة سورية مدنية ديمقراطية، كما قال إن اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من روسيا، إخوة لنا ولأبناء حوران، وإن دماءكم معصومة عندنا، أما عناصر التسويات والنظام الذين يثبت تورطهم في الدماء، فلن تأخذنا بهم لومة لائم».
أما بالنسبة للتشكيل العسكري وحقيقته في هذه المرحلة، قال أحد أعضاء اللجنة المركزية في درعا لـ«الشرق الأوسط» إنه وسط تدخلات دولية وإقليمية جنوب سوريا، وتشكيلات عسكرية تتسارع لكسب شباب التسويات في الجنوب، وظهور مثل هذه التشكيلات العسكرية بالخفاء لكن سرعان ما تتلاشى، وتكون عبارة عن تصريحات عبر مواقع السوشيال ميديا، ولا يوجد أي شيء فعلي على الأرض، وقد لا يكون هدف هذه التشكيلات ثوريا، وقد يكون مستأجرا لتحقيق مصالح وغايات معينة، أو أنها لعبة من قوات النظام السوري لتأجيج الوضع أكثر في الجنوب السوري للقيام بعمل عسكري كبير بموافقة روسية على المنطقة.
واعتبر أيضاً أن البيانات الغامضة والمبهمة والفيديوهات ونشرها ليست بالعمل المهني أو الصعب فأي شخص قادر على إنتاجها ونشرها، لذلك وبعد تجارب عدة يبقى التشكيل أو المجلس العسكري الجديد قيد الشكوك وغير معروف حتى الآن.
وأشار الناشط مهند العبد الله من محافظة درعا أن مثل هذه التشكيلات بدأت تظهر بعد فترة وجيزة من سيطرة النظام السوري على المنطقة في يوليو (تموز) 2018 وكان أول ظهور لتشكيلات عسكرية مناهضة للنظام بعد اتفاق التسوية والمصالحة، ظهور «المقاومة الشعبية» عام 2018 والتي تبنت عدة عمليات ضد قوات النظام السوري في درعا، لكن سرعان ما توقف الحديث عنها وتوقفت حساباتها عن النشر وتلاشت، أيضاً ظهرت بيانات بعدها عن تشكيل مجموعات عسكرية حملت أسماء قيادين سابقين بالمعارضة، منها الإعلان عن تشكيل كتيبة «الشهيد أبو حسن بردان»، وكتيبة «الشهيد قيس قطاعنة»، وكتيبة «عامود حوران»، دون أن يتسنى للناشطين أو الأهالي التأكد من صحة هذه البيانات أو مدى مصداقيتها.
وتابع «باتت مثل هذه البيانات والتشكيلات تثير الشبهات حولها، لأنها سرعان ما تظهر وسرعان ما تختفي، والكثير بات يعتقدها تشكيلات ووسائل يعتمد عليها النظام السوري في الجنوب لمعرفة الشخصيات التي لا تزال تحمل فكر التسليح والعداء ضده والرافضين للتسوية، أو لخلق مزيد من التوتر في الجنوب السوري».
ويرى أبو عبد الله 58 عاما أحد سكان بلدة صيدا بريف درعا الشرقي أن تشكيل مجلس عسكري يحتاج إلى شخصيات مثقفة ومنظمة وغير مخترقة، فالتجارب السابقة خلال السنوات الماضية قبل دخول النظام عام 2018 إلى مناطق درعا والخيانات والاتفاقيات الضمنية والمعلنة التي حصلت على وجه السرعة لتسليم المناطق، أفقدت الثقة لدى الكثير من أهل الجنوب بأي تشكيلات ستظهر وبالتشكيلات السابقة أيضاً، خاصة أن القوة العسكرية ظهرت ورجحت للنظام السوري بدعم الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية، إبان اجتياح جنوب سوريا 2018، فهل التشكيلات العسكرية الجديدة ستصمد أمام ذلك؟ وهل درست عواقب أفعال التشكيلات على المدنيين والأبرياء، غير الدمار الذي سيحل من جديد والنزوح وغيرها من المأسي الإنسانية إذا ما عاد وقع المعارك؟
لكن محمد وهو من بلدة نصيب الحدودية مع الأردن، اعتبر أن ظهور مثل هذه التشكيلات «أمر مهم وضروري في درعا لأنه يربك قوات النظام السوري، ويحد من ارتكابها لخروقات وانتهاكات كالاعتقالات وغير ذلك، فالكثير ما تتعرض قوات النظام السوري وفصائل التسويات لعمليات استهداف من قبل مجهولين، ومثل هذه العمليات أربكت قوات النظام في المنطقة»، وأشار إلى أن «أسباب الثورة ما زالت موجودة في درعا كما هي، لا سيما مع تفاقم سوء الوضع المعيشي وحالة الغلاء والفقر التي تمر بها سوريا، ما يدفع الكثيرين من أصحاب المبادئ الثورية إلى إحداث مثل هذه التشكيلات والوقوف ضد أفعال قوات النظام وميليشيات إيران في المنطقة».
وعد مراقبون ظهور تشكيل المجلس العسكري أو غيره من التشكيلات المناهضة للنظام السوري وحلفائه أمرا طبيعيا في مناطق جنوب سوريا، لأن درعا لم تتغير ولم تهدأ، فمنذ بدء اتفاق التسوية عام 2018 ظهرت أول الأفعال المناهضة للنظام، حيث انتشرت الكتابات المعارضة والرافضة لوجود النظام وميليشيات إيران في درعا، كما أن المظاهرات الشعبية حاضرة دائما فيها، وكثيرة هي الأفعال والهجمات والاستهدافات التي يتعرض لها قوات النظام السوري في المنطقة، ما يدل على وجود قوة تعمل على خلق جسم عسكري أو سياسي جنوب سوريا، أو لتبقى منطقة جنوب سوريا غير مستقرة، وغير آمنة، وسط تطلعات متضاربة بين الروس والإيرانيين على خيرات المنطقة الجغرافية والبشرية.
ولا يزال الانفلات الأمني وعمليات الاغتيال تخيم على المشهد في محافظة درعا، وتستهدف عناصر وضباطا من النظام السوري، أو قادة وعناصر فصائل التسويات، ومدنيين متعاونين مع النظام السوري، حيث استهدف يوم أمس مجهولون بعبوة ناسفة سيارة تقل أحد قادة المجموعات المحلية التابعة لفرع الأمن العسكري «فرع سعسع»، على الطريق الواصل بين بلدتي ممتنة - نبع الصخر في ريف القنيطرة، ما أدى إلى مقتله على الفور، بالإضافة لمقتل أحد مرافقيه، كما استهدف مجهولون في بلدة صيدا بريف درعا الشرقي قبل يومين أحد قادة فصائل التسويات الذي يعمل لصالح جهاز الأمن العسكري في درعا، ما أدى إلى مقتله على الفور، وأصيب الخميس الماضي متزعم مجموعة مسلحة تعمل لصالح جهاز «أمن الدولة» التابع للنظام السوري بجروح في كمين نُصب له على الطريق الواصل بين مدينة الحارّة وبلدة نمر شمال غربي درعا.