اتهام الرئيس التونسي بالإعداد لـ«انقلاب ناعم» على السلطة

اتهمت عدة أطراف سياسية تونسية الرئيس قيس سعيد بـ«التحضير لانقلاب ناعم» على مؤسسات الدولة ودستورها، ومحاولة تجميع كل السلطات في يده، «تمهيداً لمخطط سياسي لم يتم الإعلان عنه». لكن التحضيرات الممهدة له انطلقت منذ مدة، وفق تصريحات عدد من السياسيين، وذلك من خلال رفض الرئيس سعيد التحوير الوزاري، وأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، وتعطيل قانون إرساء المحكمة الدستورية، تم انتقاده في مرحلة لاحقة بشكل لاذع من قبل ممثلي الإسلام السياسي في السلطة، والإعلان قبل يومين أنه «القائد الأعلى للقوات المسلحة بشقيها العسكري والأمني»، وأنه هو من يعين كل الكوادر العليا في هذه القوات.
وكانت قيادات حركة النهضة من أشد المنتقدين للتدهور الذي شهدته علاقة الرئيس سعيد ببقية السلطات، ممثلة في رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة هشام المشيشي. وفي هذا الإطار اعتبر المشيشي، الذي يشغل كذلك وزارة الداخلية بالإنابة، أن خطاب رئيس الجمهورية، أول من أمس، «خارج السياق، وليس هناك موجب للقراءات الفردية والشاذة للنص الدستوري»، مؤكداً أن مثل هذه القراءات «تؤكد أولوية إرساء المحكمة الدستورية»، التي تتولى البت في مثل هذه النقاط الخلافية.
ورداً على تصريح الرئيس سعيد بأن رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للقوات المسلحة كلها، قال رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة وصهر الغنوشي، إن سعيد «يريد أن يجمع السلطات المدنية والعسكرية والدنيوية والدينية بين يديه، استناداً إلى تأويل فاسد ومضلل للدستور لينصب نفسه القديس الأكبر»، على حد تعبيره، مضيفاً أن رئيس الجمهورية «غاب عنه أن تونس فيها دولة ومؤسسات، وليست ضيعة محروسة في ملكيته»، على حد قوله.
في السياق ذاته، اعتبر أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل المعارض، أن الرئيس سعيد يقود انقلاباً ناعماً على السلطة في تونس، بقوله إن «الحلقات الأولى للانقلاب تمثلت في تعطيل تشكيل حكومة هشام المشيشي، والدعوة لإسقاطها، والاعتراض على تشكيل المحكمة الدستورية، وأخيراً الإعلان عن توليه رئاسة قوات الأمن الداخلي إلى جانب القوات العسكرية»، موضحاً أن الانقلاب ليس بالضرورة عملاً عسكرياً، بل «عمل تسلطي غير شرعي من شأنه النيل من قواعد تنظيم الهيئات القائمة، أو من سير أعمالها أو صلاحياتها، بحسب فقهاء القانون الدستوري».
كما انتقد الشابي ما سماه «التأويل الفردي» لأحكام الدستور، والطعن في قانون 2015، المتعلق بالتعيينات في الوظائف العليا، مشيراً إلى وجود ثغرة في هذا القانون لأنه اكتفى بذكر الوظائف العسكرية والدبلوماسية دون الوظائف المتعلقة بالأمن القومي، التي أسندها الدستور لرئيس الدولة.
ولتجاوز هذا الصراع المحتدم على الصلاحيات، اقترح الشابي الذهاب إلى استفتاء حول كل هذه الثغرات القانونية، معتبراً أن الاستفتاء والرجوع إلى التونسيين «يمثل خطوة تمهيدية لإجراء انتخابات عامة مبكرة، تكون مسبوقة بتعديل القانون الانتخابي، حتى لا تنتج تونس المشهد السياسي السابق نفسه»، على حد تعبيره.
في المقابل، انبرى نوفل سعيد، شقيق رئيس الجمهورية، للدفاع عن تصريحات سعيد، وتساءل عن سر التوجس والخوف من رئيس الدولة، «رغم أنه صرح عدة مرات بأنه يؤمن بعلوية الدستور الذي أقسم على احترامه، ويستشهد بفصوله في آن وحين». وقال بهذا الخصوص: «في الحقيقة إن كان للخوف مكان فهو خوف من الذين يخافون من تطبيق الرئيس للدستور».
في غضون ذلك، يرى مراقبون أن تصريح الرئيس بأنه قائد القوات المسلحة بأنواعها «يعد إعلان حرب» على حركة النهضة المتهمة بتشكيل جهاز سري، وقيادة أمن موازٍ خاص بها إلى جانب الأمن الرسمي، وهي اتهامات تنكرها قيادات النهضة. لكنها تتقاطع مع تلك التي أطلقتها أطراف سياسية يسارية معارضة، إثر اغتيال كل من شكري بلعيد القيادي اليساري، ومحمد البراهمي النائب البرلماني سنة 2013.