«شهقة الملوخية» بين الياباني كاواباتا والكولومبي ماركيز

شيء عن الروح في الكتابة والطبخ

غابرييل غارسيا ماركيز
غابرييل غارسيا ماركيز
TT

«شهقة الملوخية» بين الياباني كاواباتا والكولومبي ماركيز

غابرييل غارسيا ماركيز
غابرييل غارسيا ماركيز

عندما نتحدث عن الكتابة والطبخ وسائر الفنون، يمكننا استبدال كلمة «الأسلوب» بكلمة «الروح»؛ والعكس بالعكس. روح الكاتب مرادف لأسلوبه؛ لا أفكاره. يمكن للمرء أن يتعلم المهارات في الجامعة أو في ورشة كتابة؛ أن يعرف كل شيء عن عناصر السرد، من بناء الجملة، إلى الحبكة، لكنه قد لا يملك الروح التي ينفخ منها في نصه، حينئذ سيخرج من يده تمثال من فخار لا روح فيه.
وعندما نقرأ لكاتب مرة واثنتين وتعجبنا روحه، فإننا نُقبل على كتابه الجديد دون أن نسأل ماذا يقول فيه. والأمر كذلك في الطعام. حنيننا إلى طبخة ما هو حنين إلى روح تسكن الطبخة وليس إلى مادتها. لا نشتاق إلى بامية أو كوسة في المطلق، بل إلى روح الطاهي وطريقته. قد تتطابق مكونات طبخة لدى عشرات الطهاة المهرة، وتكون النتائج مختلفة.
نتوارث ما نسميه «النَفَس» في الطبخ، دون أن يعلم كثيرٌ ممن يستخدمونه معناه. الملوخية، مثلاً، طبخة أقرب إلى السذاجة، لكنها لا تكون بالطعم ذاته من كل يد، وربما قلة أسرارها هي التي جعلت سر إجادتها يشبه المزحة أو الأسطورة... تقول إحداهن للأخرى: «لم تشهقي لحظة الطشة» وهي اللحظة التي نطفئ فيها الثوم الذهبي الملتهب بالمرق. بعض الأصدقاء من غير المصريين يسألونني: «هل شهقة الملوخية ضرورة فعلاً؟»؛ لو كان الأمر كذلك لبدا مجرد شعوذة. علينا أن نفكر في مجاز الشهقة بوصفها دليلاً على أن الطاهية وضعت كل حرارة قلبها في الطبخة. وعلى هذا النحو يجب أن نفكر في شهقة الكتابة.
تأتي الروح من الحب؛ لهذا يلزمنا التفكير فيمن نحب قبل أن نجلس إلى طاولة الكتابة أو نقف أمام طاولة المطبخ. لكن الحب يلزمه الخيال كذلك، وهذا هو ما يصنع الحساسية الخاصة للكاتب والطاهي، وهذا ـ بالمناسبة ـ ما يصنع الحساسية الخاصة للعاشق ويجعل عمر عشقه أطول.
يتمتع الكاتب بحرية أكبر من الطاهي والعاشق؛ فهو حر في اختراع عالمه وشخصياته لإعداد طبخته الخيالية. العاشق يتوجه بعشقه إلى معشوق لديه سماته الشخصية وقدراته الخاصة، والطبَّاخ يتعامل مع مكونات لها خواصها المُكتسبة من بيئة نموها وطريقة تخزينها. الخضراوات واللحوم والألبان والزبد والدهون والزيوت والأجبان ليست جماداً؛ لكنها ابنة مناخاتها: نقاوة الهواء، ودرجة الحرارة، ونوع الماء، وطبيعة غذائها... كل هذا يمنح درجات الطزاجة المطلوبة لبعض المكونات ودرجات العتاقة المطلوبة لأخرى، وذلك له تأثيره في النكهة والرائحة والملمس والطعم. لهذا استوردت «بابيت» من فرنسا المكونات التي تعرف أرواحها جيداً، لكي تخرج وليمتها بالإبهار الذي خططت له، في فيلم «وليمة بابيت (Babette Veast)».
ورغم تأثير التاريخ الخاص للمكونات، فإنه يتبقى الكثير الذي تستطيع حساسية الطاهي أن تنجزه، ويظل حسن تقديره وانتباهه مؤثراً؛ فبعض المكونات تميل إلى الطغيان: الزبدة، وزيت الزيتون، وكثير من التوابل المستبدة، مثل الهيل والينسون. وعلى الطباخ أن يكون حساساً في استخدامها وحاسماً في إيقافها عند حدودها، بحيث لا تستولي إحداها على الطعم. وعليه أن يعرف اللحظة التي يضيف فيها هذا المكون أو ذاك.
ومثلما يعرف الموزع الموسيقي الآلة المناسبة لجملة ما، وما إذا كانت ستقولها منفردة أو دخولاً مع آلات أخرى، يعرف الطاهي اللحظة المناسبة لإضافة بهار ما أو كسره بآخر. الثوم على سبيل المثال، له لحظة خاطفة يصل فيها إلى أقصى فوحه العطري، ويجب أن ينتبه الطاهي لتلك اللحظة جيداً، فسرعان ما يهمد الثوم بعدها.
مثل الكاتب الحساس؛ يجب أن يمتلك الطاهي مهارات الاستباق والإرجاء وحذف غير الضروري: ما الذي يجب أن يتنفس أولاً؛ الكركم أم الفلفل الأسود؟ هل يمكن لرقة ابتسامة القرفة أن تُعبِّر عن نفسها بعد أن تستقر رائحة جوزة الطيب العابسة؟
حساسية الطاهي وخياله مثل بصمة الأصبع التي لا يمكن تزويرها؛ فعندما رفع الجنرال الملعقة الأولى من حساء السلحفاة جهر باستمتاعه، بعد الثانية تهلل وجهه بذكرى؛ فحكى عن طاهية في مطعم «كافيه انجليه» بباريس، هي الوحيدة التي تعدّ هذا الطبق بهذا المذاق، ويتذكر ما قاله صديقه الجنرال الفرنسي عنها: «المرأة الوحيدة التي لن أتردد في شن حرب من أجلها». ولم تكن الطاهية في تلك الذكرى سوى «بابيت» نفسها التي وصلت إلى الدنمارك لاجئة من الحرب. لقد تعرف الجنرال على الأسلوب، على الروح... جنرال نادر؛ أليس كذلك؟!
يستطيع الطاهي الشغوف أن يتعلم من أساتذته الانتباه والإخلاص، ويمكن توريث المهارات من جيل إلى جيل في عائلة من الطهاة أو في مطعم يحتفظ بمكان للحب بين طهاته، ولكن الولع الخاص والعلاقة المختلفة مع العالم هما اللذان يمنحان الطاهي روحه الخاصة.
ومن حسن الحظ أن الكتابة لا تحتاج إلى صلة الدم أو صلة الزمالة أو حتى الحدود الوطنية... بوسع الكاتب المولع أن يستفيد من حساسية الطهاة المميزين في كل آداب العالم ويتعلم منهم، على أن يمتلك روحه الخاصة.
وأتصور أن القراء ونقاد الأدب كان بوسعهم أن يكونوا أقل قسوة على غابرييل غارسيا ماركيز لو منحوا مسألة الروح اعتباراً أكبر. لقد استقبل كثير من القراء روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» بوصفها استنساخاً لرواية «بيت الجميلات النائمات» لياسوناري كاواباتا، استناداً إلى الثيمة التي استعارها الكولومبي من الياباني: رجل مسن يعشق فتاة شابة. كثيرون يعدون ما فعله ماركيز سرقة، لكنهم منحوه تخفيفاً للحكم نظراً لمكانته.
ولو لم يتحدث ماركيز عن إعجابه برواية كاواباتا مراراً لم يكن ليجد نفسه في هذا الموقف، فهذا النوع من الحبكات الذي يوحد بين فتاة عذراء وشيخ ليس وقفاً على كاواباتا. في ألف ليلة وليلة، لا يتوقف الدلالون عن رفد حريم السلاطين بجوارٍ في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة، والأدب المعاصر مليء بعلاقات تكتنفها فروق السن الكبيرة بين النساء والرجال في كل الثقافات. وفي الأدب الحديث لدينا هيام «همبرت» بـ«لوليتا» في رواية «نابوكوف» المنشورة قبل رواية كاواباتا بست سنوات. «لوليتا» هي التي أخرجت علناً ميثولوجيا الانحراف الجنسي المسكوت عنها. وإذا كان «إيغوشي» قد حاول اعتصار قوة الشباب الأنثوي لصالح الشيخوخة الذكورية بشكل رمزي، فقد كان لدى «غرونوي» في رواية باتريك زوسكيند «العطر» الطموح ذاته بشكل إجرامي؛ هذا المحروم من رائحة الجسد الخاصة، سعى إلى أن تصبح له رائحة؛ أي أن يصبح موجوداً، لكن ليس من خلال احتضان الجسد الأنثوي اليافع مثلما فعل «إيغوشي»، بل بامتصاص عطر شبابه عبر القتل.
لم ير أحد وجهاً للقرابة بين «لوليتا» و«الجميلات النائمات»، ولم يتهم أحد زوسكيند بسرقة كاواباتا، رغم أن الروايات الأربع تستلهم الخيال نفسه، لكن ماركيز وحده، وقع في يد نوبتجية متشددة من «شُرطة الأدب».
يتوافق المجاز في «الجميلات النائمات» مع روح الخجل الياباني. يستخدم كاواباتا أسلوب تيار الوعي ليكشف جروح روح بطله المستوحشة. النوم بالقرب من الصبية لا يجلب إلى «إيغوشي» إلا الأسى، متذكراً لحظات عنفوان جسده وعلاقاته السابقة، بل ونوعاً من التوبيخ الذي تمارسه ذاكرته بتذكر اغتصاب ابنته. ولم يذهب إلى هذا البيت المختص في تقديم المتعة الافتراضية بدافع ذاتي، بل بتحريض من صديق خاض تجربة تذكر دفء الجسد الشاب كيف يكون، من خلال الاقتراب من فتاة منومة لن تبادله أي مشاعر وستفيق قبله في الصباح وتنصرف دون أن يتبادلا نظرة. هي رواية حداد ورثاء للذات في لحظة غروب.
رواية ماركيز «ذكريات غانياتي الحزينات» رواية بعث واحتفال بحياة تتجدد عبر الأسلوب الشعري المنكَّه بتوابل ماركيز البلاغية التي تتكفل بنصف تأثير عالمه. بطله الذي لم نعرف اسمه، صحافي قديم أعزب، وانبساطي يعيش باعتقاد أن الشيخوخة لن تصيبه، ولم يفقد قدرته على المزاح معها والتحديق بوجه الموت. يحكي عن نفسه بضمير الأنا من خلال الجمل القصيرة التي تناسب حيوية الشخصية وتنسجم مع أسلوب الكاتب. وقد أعادت مغامرته الحياة إلى جسده فعلاً، وبعثت الحرارة في أسلوبه وموضوعات مقاله الذي صار جذاباً وتسبب في زيادة توزيع الجريدة، بعد أن استمر لسنوات موجوداً كتحصيل حاصل تنشره الصحيفة بدافع الامتنان للصحافي القديم.
كذلك تكشف رواية ماركيز عن روحه المختلفة وشواغله الاجتماعية والسياسية، كالفقر والنفاق الاجتماعي وفساد السياسيين. ومن جملة انتباه ماركيز للتفاصيل الصغيرة لم يغفل التقدم الذي طرأ على معدلات الأعمار، فجعل بطله في التسعين بدلاً من السابعة والستين عند كاواباتا.
وضعنا ماركيز أمام ميلاد جديد للتسعيني، بينما وضعنا كاواباتا أمام كآبة كهل يصغر بطل ماركيز بأكثر من عشرين عاماً، تثقله الأفكار والهواجس، يذهب مرة بعد أخرى إلى «بيت الجميلات النائمات» وكأنه ذاهب إلى غرفة تعذيب ليجلد المسخ الذي وجد نفسه بداخله: «الشيخوخة» ثم يبكي عليه. تلازم بين العقاب والشفقة، نصادفه مكرراً في «ألف ليلة» عندما تجلد الأخت أختيها الممسوختين كلبتين أو يجلد الأخ أخويه ثم يبكي عليهما.
لا يبقى بين الروايتين من التشابه سوى الثيمة، التي يمكن أن نعدّها مداعبة من ماركيز للمُعلم الذي لطالما أحبه، ويمكننا ـ من جهة أخرى ـ عَدُّها استعراضاً للثقة يقوم به ساحر يرينا المنديل ذاته الذي استخدمه كاواباتا من قبله؛ قبل أن يخفيه في كُمه ويُخرج منه ديكاً شبقاً متباهياً، بدلاً من الحمامة الخجول التي أخرجها الأستاذ!.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.