«كيف نعيش معاً؟» تغيرات وتحولات لما بعد زمن الوباء

منصات مستقلة للسعودية ومصر والإمارات ولبنان ببينالي العمارة العالمي

إحدى قاعات {بينالي 17}
إحدى قاعات {بينالي 17}
TT

«كيف نعيش معاً؟» تغيرات وتحولات لما بعد زمن الوباء

إحدى قاعات {بينالي 17}
إحدى قاعات {بينالي 17}

تشهد مدينة البندقية (فينيسيا) افتتاح الدورة الـ17 لبينالي العمارة العالمي، التي ستنطلق بعد غد، وحتى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد التأجيل الذي فرضته الجائحة، «تحركه أنواع جديدة من المشكلات التي يطرحها العالم أمام الهندسة المعمارية، ولكنه مستوحى أيضاً من النشاط الناشئ للمعماريين الشباب، والمراجعات الجذرية التي اقترحتها مهنة المعمار لمواجهة التحديات» كما يقول القيّم الفني للدورة الجديدة المعماري اللبناني شاهين سركيس (مواليد بيروت 1954) الذي يرأس هذه الدورة، وهو من بين الشخصيات العربية ذات الشهرة العالمية، بإسهاماته اللافتة في مجال التصميم المعماري، حائز على درجة الدكتوراه في العمارة من جامعة هارفرد، وهو عميد كلية الهندسة المعمارية والتخطيط في جامعة إم آي تي (M.I.T) منذ عام 2015 وباحث بارز في فن العمارة والعمران والتطور الحضري وتأثيراته المجتمعية.
ويطرح بينالي هذا العام الذي يحتل مواقعه التقليدية في حدائق قصر العروض والبادليونا الإيطالي والأرسينالي، إضافة إلى جناح كرنفالي خاص وسط المياه أطلق عليه اسم «مدينة المياه»، تيار ما بعد الحداثة كأفق أكثر رحابة وأكثر تنوعاً وأعمق اختلافاً على العمارة الحالية التي تعتبر الأداة المعبرة عن حاجة المجتمعات الحسية، على اعتبار أن العمارة هي أكثر الفنون ارتباطاً بالمجتمع، تعكس حساسيته الفنية ورخاءه الاقتصادي ومستوى تقدمه التكنولوجي، إضافة إلى عناصر المناخ والطبوغرافيا وبنية المنظومة الاجتماعية وتشكيل ذائقتها. إذ حرص هاشم سركيس في اختياراته على أن يكون المعرض مبنياً على المساهمات التي «تتراوح ما بين الاتجاهات المعمارية التحليلية إلى المفاهيمية والتجريبية والمختبرية المجربة والمنتشرة على نطاق واسع في كل أنحاء العالم، لتكون انعكاساً لمحطات البحث لمشاريع مختارة في مستقبل البشرية والتي ستوفر تحليلات ورؤى برعاية باحثين معماريين من جامعات عالمية مرموقة». ودعا المنسق العام سركيس في مؤتمره الصحافي إلى «إعادة التفكير في أدواتهم لمعالجة المشكلات المعقدة التي يواجهونها، كما يقومون أيضاً بتوسيع جدول المناقشة الخاص بهم ليشمل محترفين آخرين. من أجل تحمل المسؤوليات الموكلة إليهم بشكل فعّال». ووفقاً للخطة الأمنية لعملية افتتاح أبواب هذه الفعالية التي تعتبر الأكبر عالمياً، وضعت تدابير معلنة: الأقنعة الإلزامية، والتحكم في درجة الحرارة للجميع عند المدخل الرئيسي، والصرف الصحي اليدوي، والتباعد، ونظام الدخول والخروج المنفصل في كل جناح، ومسار عرض أحادي الاتجاه للمعرض المركزي، وشراء التذاكر حصرياً عبر الإنترنت. وسيجمع مجمع البحيرة الكبيرة 63 جناحاً دولياً، و112 مشاركاً مختاراً، قادمين من 46 دولة. وستشارك ولأول مرة دولة العراق وغرينادا وأوزبكستان وجمهورية أذربيجان. أما الدول العربية التي ستشارك بمنصات مستقلة، فهي المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، ولبنان، وستكون أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا هي المناطق الجغرافية الأكثر تمثيلاً في هذا المعرض.
المعماريون الجدد وهم يوجهون ظاهرة انتشار الوباء الجديد، بالتزامن مع اتساع رقعة ظاهرة العولمة بكل أدواتها ووسائلها الاتصالية الكونية، بطابعها الكوني الاقتصادي والسياسي والثقافي بدأوا مرحلة التصدي لوسائل الاتصال الكوني المتزايد ومخاطر الانعزال الاجتماعي العميق، الذي سببه وباء «كورونا» في كل أنحاء العالم، إضافة إلى الأخذ بالاعتبار خصائص المكان الطبوغرافية والمناخ، وطبيعة المواد الإنشائية الجديدة، والنسب البيئية المحيطة سواء الطبيعية أو تلك التي يصنعها الإنسان، والتي تنزع نحو توحيد الأذواق وتقنين القيم الجمالية خدمة لأهداف السوق الاستهلاكية التي تسعى بدورها، إلى زيادة أعداد المستهلكين بشكل مطرد، على مستوى تخطيط المدن، وتصميم البيوت وناطحات السحاب، وحتى تنظيم المكاتب الإدارية والتجارية لمواجهة مخاطر الانعزال التي فرضتها شروط السلامة للإنسان المعاصر.
البناء الجديد قائم على الوظيفية والمكانة ويحمل رسالة مزدوجة تتمثل بالهوية الحضارية المنفتحة في البناء، إضافة إلى مراعاة الفترة الزمنية التي تأسس بها البناء الذي لا يغيب عنه، كما يدعي البعض اختزال المضمون والبعد الحضاري والجمالي والاقتصار على البعد المادي الذي يطغى على حساب المضمون، فأطلقوا أسماء متعددة مثل «العمارة دون قيم» و«عمارة المنزل اللامنزل» و«مساحات وصناديق» و«عمارة المجانية والتجريد»... إلخ، إذ إن مثل هذه المقارنة لم تعد موجودة عملياً إلا في بعض التنظيرات والمقولات، إذ لا يمكن تناول موضوع العمارة الذي يضم علوماً دقيقة وجوانب فنية متعددة، ويخضع لمستحثات العصر المتغير، دون النظر إلى الجوانب المحيطة الأخرى، فكما يقول أحد المعماريين الإيطاليين: «الشاعر كان يتغنى بعيداً عن العمارة إلا أنه اليوم يمشي جنباً إلى جنب المعماري»، فالعمارة كأداة مادية ومنجز معرفي قادرة وبكفاءة عالية بتأمين حياة مدنية أكثر رفاهية، وهي ليست منفصلة عن تاريخ الإنسان. وحتى بمعزل عما ينتجه العالم الغربي الذي ما زال يصدر لنا طرق الحياة الجديدة، وينّظّر لنا مناهج وأساليب العيش، تظل العمارة الحديثة خاضعة لعوامل اختلاف المواد واختلاف التأثيرات. عمارة ما بعد الحداثة القادمة ستكون بجمالية ووحدة تنوع داخل الأشياء الموضعية وأيضاً في الفكر الذي يتأمل هذه الأشياء، وستكون كما هو الحال بالعمارة الحديثة وسيط يعبر عن البلاغة الحضارية التي سيعيشها الإنسان خلال السنوات القادمة. لهذا فإن معظم ممثلي الصحافة العالمية الذي حضروا هذا اللقاء، أعربوا في مداخلاتهم وأسئلتهم عن أن البينالي في دورته الجديدة يعكس شجاعة وإحساساً بالمسؤولية في زمن صعب ومعقد بمخاطره التي تهدد البشرية، ويعكس وعياً أكبر ليكون مرآة للعالم المعاصر بكل طموحاته وآماله.
وستشهد قاعات الندوات والمؤتمرات في المجمع الكبير عدة ندوات ولقاءات مع المهندسين المعماريين والفنانين وعلماء الاجتماع من جميع أنحاء العالم الذين ستكون لديهم نقاط انطلاق مشتركة حول الموضوعات المعلنة كشعارات لهذه الفعالية الفخمة، وعلى رأس هذه الشعارات: كيف سنعيش معاً؟ وكيف سنلعب الرياضة معاً؟



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.