فضيحة «سويس ليكس»، التي تتناول ممارسات مصرف «إتش إس بس سي» البريطاني والآلية التي اعتمدها في فرعه السويسري لمساعدة عدد من عملائه على التهرب من الضرائب وإخفاء أموال غير مصرح بها، لم تلق بظلالها فقط على المشهد السياسي البريطاني، وإنما على المشهد الإعلامي والعلاقة بين السوق الإعلانية والاستقلالية التحريرية.
بعد المعركة السياسية التي أثيرت قبل أيام، عندما انكشفت خيوط الفضيحة، بين حزب المحافظين والمعارضة العمالية، أثارت استقالة الصحافي بيتر أوبورن من صحيفة «الديلي تلغراف» وتنديده علنا بالتغطية الإعلامية، أو «اختفائها»، زوبعة إعلامية، وفتحت الباب على مصراعيه بخصوص تأثير السوق الإعلانية على السياسة التحريرية للصحيفة التي كان يعمل لديها. وأثارت قضية مصرف «إتش إس بي سي» والاتهامات التي وجهها أوبورن للصحيفة صدمة في أوساط الإعلام البريطاني.
وأعلن أوبورن، الذي يعتبر من كبار المعلقين السياسيين، استقالته من «الديلي تلغراف» الثلاثاء، بعد أن شن هجوما لاذعا ضد الصحيفة. واتهم أوبورن الصحيفة بعدم نشر معلومات سلبية حول المصرف العملاق لإرضائه نظرا لكونه مساهما كبيرا في إعلاناتها.
وكان أوبورن قد كتب على موقع «أوبن ديموكراسي» أن «تغطية (تلغراف) الأخيرة لقضية (إتش إس بي سي) هي احتيال على القراء». وتناقلت شبكات التواصل تعليقه بشكل مكثف ضمن إطار الدفاع عن حرية الإعلام. وإثر إعلان الاستقالة، أوردت صحيفة «الغارديان»، التي نشرت تسريبات «سويس ليكس»، الأربعاء، أن المصرف «علق» إعلاناته في صحيفة «الديلي تلغراف». وامتنع المصرف عن التعليق حول هذه المزاعم.
وكرر أوبورن مزاعمه في مقابلة مع إذاعة «بي بي سي». إلا أن الصحيفة نفت كل الاتهامات في بيان. وقال متحدث باسم الصحيفة «مثل أي شركة في السوق، نرفض التعليق على أي علاقة تجارية بيننا وبين أي من زبائننا. هذه سياسة واضحة بالنسبة لنا». وأضافت الصحيفة، التي دعتها «بي بي سي» للظهور مع أوبورن للدفاع عن نفسها في برنامج نشرة «اليوم» على الإذاعة الرابعة «هدفنا هو أن نقدم لشركائنا التجاريين كل الوسائل المتاحة لإعلاناتهم في صحفنا، لكن الفصل بين السياسة الإعلانية والتحريرية لجريدتنا، التي نالت الجوائز على تغطيتها الصحافية، كان ولا يزال من القضايا الثابتة والأساسية».
وأضافت الصحيفة «إنه لمن دواعي أسفنا أن يقوم بيتر أوبورن، الذي عمل لدينا لمدة خمس سنوات، بشن هذه الحملة الشعواء التي لا أساس لها والمليئة بالكثير من الأخطاء ضد صحيفته». وكان أوبورن، الذي انضم للعمل في الصحيفة في مايو (أيار) 2010، أي بعد عام من التغطية التي قامت بها الصحيفة بخصوص مصاريف أعضاء البرلمان، والتي نالت عنها العديد من الجوائز، قد قال إنه «فخور جدا بأن يكتب لصحيفة مثل (الديلي تلغراف)»، المعروفة بميولها المحافظة.
وقال أوبورن، في مقابلة أخرى مع القناة الرابعة التلفزيونية «على الصحيفة (الديلي تلغراف) أن تشرح لنا لماذا تغطيتها لفضيحة (إتش إس بي سي) ظلت منحرفة»، مضيفا في مقابلة مع الصحافي المخضرم جون سنو أن هناك «نمطا مورس لأكثر من سنتين، إذ لم تنشر الصحيفة أي مادة قيمة ليست لصالح (إتش إس بي سي)». وكان أوبورن قد قال في رسالة الاستقالة إن تغطية الصحيفة لفضيحة «إتش إس بي سي» وقعت «تحت تأثير العلاقة الإعلانية» بين البنك والصحيفة.
وكان قد حذر موظف مصرف «إتش إس بي سي» السابق ارفيه فالشياني، الذي سرب وثائق سرية تظهر مساعدة المصرف لعملائه على التهرب الضريبي، من أن ما نشرته وسائل الإعلام ليس سوى جزء بسيط مما تفضحه الوثائق التي سلمها إلى الحكومة الفرنسية. وفي مقابلة نشرت مع صحيفة «لوباريزيان»، أكد فالشياني أن ما ورد في التقارير الإعلامية ليس سوى جزء بسيط مما تضمنته الوثائق التي سلمها إلى السلطات الفرنسية. وقال إن هذا «ليس سوى البداية». وتابع فالشياني إن الوثائق تتضمن «أكثر مما يمتلكه الصحافيون. فالوثائق التي سلمتها تشمل ملايين الصفقات»، مشيرا إلى أن هذه الأرقام قد تعطي فكرة عن حقيقة ما حصل.
وكانت صحيفة «لوموند» الفرنسية وعدد من وسائل الإعلام الدولية قد كشفت قبل أيام خفايا السرية المصرفية في سويسرا بعد وصولها إلى معلومات سربها خبير المعلوماتية فالشياني. وسلمت الصحيفة الفرنسية الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين تقريرا وصلها عبر المخبر بكشف هذه المعلومات حول المصرف، المتهم بمساعدة آلاف من الزبائن والأثرياء حول العالم في التهرب من التزاماتهم الضريبية في بلدانهم، وأيضا بضلوعه في عمليات غسيل الأموال. ووردت في الوثائق أسماء مشاهير وتجار سلاح وسياسيين. وأثارت التسريبات معركة سياسية في بريطانيا حيث تبادلت الأحزاب الرئيسية الاتهام بعدم التحرك لوقف ذلك.
وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد عين مدير «إتش إس بي سي» السابق ستيفن غرين في مجلس اللوردات عام 2010، ومن ثم تم انتدابه لتولي منصب وزير التجارة. وردا على سؤال إن كان كاميرون مطلعا على المعلومات بخصوص المصرف عندما عين غرين أكد المتحدث باسمه أنه لم يطلع على «أي سجل حول أي مخاوف» بشأنه.
لكن حزب العمال، المعارض الرئيسي الذي يأمل في تولي السلطة بعد انتخابات مايو (أيار) العامة، تعرض لانتقادات بأنه امتنع عن مكافحة التهرب الضريبي في أثناء حكمه حتى 2010. ويشمل حكم العمال الفترة التي يتهم فيها مصرف «إتش إس بي سي سويسرا» الخاص بمساعدة زبائن على التهرب من الضرائب، في حسابات كانت تحوي 119 مليار جنيه إسترليني آنذاك (104 مليارات يورو). وأعلن نواب بريطانيون فتح تحقيق سريع حول المصرف. وذكرت محطة «بي بي سي» أن لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم البريطاني ستفتح تحقيقا حول الفضيحة، وطلبت من مصرف «إتش إس بي سي» تقديم معلومات. وقالت مارغريت هودج، رئيسة اللجنة، للمحطة إن «المعلومات التي كشف عنها حول مصرف (إتش إس بي سي) تظهر مرة إضافية ظلامية صناعة عالمية في خدمة نخبة ثرية». وأضافت أن «لجنة الحسابات العامة ستفتح تحقيقا عاجلا، وسنطلب في إطاره من مصرف (إتش إس بي سي) تقديم معلومات، وإذا لزم الأمر سنأمره بفعل ذلك».
{المصالح الإعلانية} في قضية التسريبات تلقي بظلالها على الإعلام البريطاني
«الديلي تلغراف» في قفص الاتهام.. وأحد كتابها يستقيل احتجاجًا على تواطؤ سياستها التحريرية مع بنك «إتش إس بي سي»
{المصالح الإعلانية} في قضية التسريبات تلقي بظلالها على الإعلام البريطاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة