مع اشتداد الحرب في شمال العراق.. البصرة تسعى إلى الحكم الذاتي

دعاة تحويلها إلى إقليم جمعوا أكثر من 100 ألف توقيع.. ويطمحون لما حققه «كردستان»

بصريون يتظاهرون مطالبين بتحويل محافظتهم إلى إقليم (أ.ب)
بصريون يتظاهرون مطالبين بتحويل محافظتهم إلى إقليم (أ.ب)
TT

مع اشتداد الحرب في شمال العراق.. البصرة تسعى إلى الحكم الذاتي

بصريون يتظاهرون مطالبين بتحويل محافظتهم إلى إقليم (أ.ب)
بصريون يتظاهرون مطالبين بتحويل محافظتهم إلى إقليم (أ.ب)

تعاني البصرة من انسداد القنوات التاريخية التي أكسبتها اسم شهرتها «فينيسيا الشرق الأوسط»، بأكوام القمامة. وداخل بعض الأحياء، ترتفع تلال القمامة على نحو يعوق الحركة في الشوارع.
من جهتهم، يشير سكان المدينة إلى أن تلال القمامة هذه ليست سوى أكثر المؤشرات وضوحا على عقود من الإهمال الذي عانته البصرة من قبل الحكومة.
والآن، تضغط أعداد متزايدة من المواطنين لإقرار الحكم الذاتي لهذه المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط البالغ عدد سكانها قرابة 3 ملايين نسمة. ويتصور السياسيون المحليون المؤيدون للمشروع، بناء دولة تتمتع بحكم شبه ذاتي، وليس دولة مستقلة تماما، إلا أن حملتهم تشكل تحديا جديدا أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي في خضم مساعيه للحيلولة دون تفكك العراق في أعقاب المكاسب التي حققها «داعش» الصيف الماضي في شمال البلاد.
وتأتي هذه الجهود في وقت تتداعى فيه حدود المنطقة، التي رسمتها قوى استعمارية من دون إبداء اهتمام يذكر بمزيج الطوائف والعرقيات القائم على الأرض. ويشكل هذا اختبارا للحكومات المركزية القوية التي هيمنت على الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية.
ويأمل أنصار مشروع الحكم الذاتي في أن تكتسب محافظة البصرة قوة مماثلة لتلك التي حصدها إقليم كردستان، وقد صمموا علما خاصا بهم تظهر به يدان تحملان قطرة نفط، في تأكيد على القضية الكبرى المثيرة للسخط هنا، وهي أن البصرة لم تستفد كثيرا من ملايين براميل النفط التي يجري ضخها من حقولها.
وقال أسد العيداني، أحد منظمي الحملة، أخيرا عن الحكومة المركزية أثناء خطاب ألقاه أمام حشد من السكان: «لا تحصل البصرة سوى على الإهمال والظلم، وفي الوقت ذاته يسرقون مواردهم»، وأخبر الحشد، أثناء محاولة فريق معاون له جمع تواقيع لصالح الحملة، أن «البصرة هي البقرة التي تدر الحليب، وهم يحصلون على الحليب، بينما يتركون البقرة تتضور جوعا.. إنه نفطنا».
يذكر أن الدستور العراقي يحدد طريقا واضحا أمام أي محافظة ترغب في التحول لإقليم يتمتع بحكم ذاتي. وتستلزم هذه الخطوة إجراء استفتاء، ويجري الاستفتاء حال فوز فكرة الحكم الذاتي بدعم ثلث أعضاء مجلس الحكم المحلي أو حصوله على تواقيع 10 في المائة من الناخبين المسجلين في المحافظة، أي نحو 160 ألفا من السكان في حالة البصرة.
ومنذ الخريف الماضي، تم جمع أكثر من 100 ألف توقيع في البصرة، حسب محمد الطائي، عضو البرلمان عن البصرة الذي يؤيد المبادرة. إلا أن إجمالي العدد بالتحديد لا يزال غير واضح، نظرا لتنوع المجموعات التي تجمع التوقيعات. ويرى الطائي أن مزيدا من الحكم الذاتي سيمكن البصرة من توفير خدمات أفضل.
ولا يتفق الجميع على أن الحكم الذاتي هو الإجابة عن مشكلات المحافظة. فخلال مقابلة أجريت داخل مكتبه الواقع في شارع يعج بالقمامة، شكك دواي كريم في إمكانية أن يؤدي نزع الصبغة المركزية عن السلطة إلى حدوث تغيير بالنسبة للفساد المستشري. وتحسر كريم، رئيس المجلس المحلي الحاكم، قائلا: «هناك لصوص كثيرون للغاية. وما دامت لدينا أحزاب فاسدة، فلن يتغير شيء».
وأوضح أن الأمر يستدعي إجراء عدة اتصالات بالسلطات المحلية قبل التحرك لجمع القمامة، وعادة ما لا يحدث ذلك إلا إذا كانت القمامة تعوق طريقا. في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أخبر محافظ البصرة وسائل إعلام محلية أن من بين 8 آلاف عامل محلي مسجلين في دفاتر المحافظة، يعمل بالفعل 2.500 فقط. أما الآخرون فهم «عمال وهميون».
وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها البصرة نحو الحكم الذاتي؛ إذ سبق أن حاولت ذلك عام 2010، لكن المحاولة باءت بالفشل وعجزت عن إجراء استفتاء حول الأمر. ويشكو السياسيون المؤيدون للفكرة من أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي دافع بضراوة عن سلطة الحكومة المركزية، أعاق محاولتهم. ويرون الآن أن الفرص أمامهم أقوى في ظل وجود حيدر العبادي الذي قال إنه يؤيد نقل مزيد من السلطات للمحافظات.
ويعتقد العبادي بأن نزع الصبغة المركزية «سيعزز الوحدة الوطنية للعراق عبر منح المواطنين سلطة أكبر في إدارة شؤونهم اليومية»، حسبما أفاد رافد جبوري، المتحدث الرسمي باسم العبادي.
إلا أنه حال حصول البصرة على قدر أكبر من الحكم الذاتي، فإن هذا سيلحق الضعف بسيطرة الحكومة المركزية على مواردها في وقت تكافح فيه لتحقيق توازن في سجلاتها المالية جراء تراجع أسعار النفط.
يذكر أن الميزانية الحكومية تعتمد في الجزء الأكبر منها صادرات النفط الخام الذي تنتج البصرة النصيب الأكبر منه.
من جهته، أعرب ريدار فيسير، المحلل المستقل المعني بالشأن العراقي، عن اعتقاده بأن «الخطة الجديدة قد تحمل تهديدا كبيرا إذا ضغط أنصار الحل الفيدرالي في البصرة للحصول على سلطات شبيهة بتلك التي يطالب بها إقليم كردستان فيما يخص النفط».
بيد أن هذا تحديدا هو ما قد ترغب فيه البصرة؛ إذ تحصل كردستان على 17 في المائة من الميزانية الوطنية وتتفاوض بخصوص تعاقدات خاصة بها مع شركات النفط. ويرى وائل عبد اللطيف، السياسي العراقي الذي ينادي بحصول البصرة على الحكم الذاتي منذ عام 2003، ضرورة السماح لـ«إقليم البصرة» بالحصول على عقود النفط بنفسه مقابل حصوله على 10 في المائة من الميزانية الوطنية.
خلال زيارة للبصرة في ديسمبر الماضي، شدد العبادي على أن تحول البصرة لإقليم يحظى بسلطات أكبر، حق دستوري، لكنه يحتاج مزيدا من المناقشة. كما أوضح أنصار الحكم الذاتي أنهم أيضا يرغبون في التقدم نحو هذا الأمر بحذر؛ إذ يقول الطائي إنه «ليس من الحكمة تحديد موعد لتحقيق هذا الأمر. هناك كثير ممن يعارضون هذه الخطوة، والكثير من الأحزاب أيضا».
ومع ذلك، تبقى القضية مصدرا محتملا لمشكلات خطيرة أمام الحكومة العراقية. وقال الطائي إنه حال تجاهل طلب مشروع لإجراء استفتاء، فإن الحملة قد تلجأ لتكتيكات أخرى، مثل وقف إمدادات النفط عبر توجيه هجمات. وفي هذا السياق، قال الشيخ مدلول حلفي، أحد القيادات القبلية المحلية: «حتى لو عنى الأمر تنظيم مظاهرات واستغلال قوتنا، فسنفرض الأمر»، زاعما أن قبيلته تضم 30 ألف رجل مسلح على الأقل. وأضاف: «سندرس الاستعانة بهم في الوقت المناسب».

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.